ورقة بحثية تسلط الضوء على أنماط الممارسة السياسية في الأقاليم الجنوبية
تطرقت ورقة بحثية حديثة صادرة ضمن العدد الأخير من مجلة “الباحث” إلى موضوع الانتخابات الجماعية وأداء الأحزاب السياسية المغربية لوظائفها في النسق السياسي للأقاليم الجنوبية، الذي يتميز بمميزات خاصة مرتبطة أساسا بالنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، مسجلة أن هذا النسق يتأثر بالنسق الاجتماعي الصحراوي كنسق شامل تبرز فيه القبيلة كمؤسسة من مؤسسات الضبط الاجتماعي وحاضنة للعمل السياسي.
وتتبعت الورقة ذاتها، التي كتبها الشيخ مامين ماء العينين، باحث في سلك الدكتوراه بجامعة محمد الخامس بالرباط، أنماط الممارسة السياسية وعمل الفاعلين السياسيين في هذه الأقاليم، خلال التطورات التي عرفها ملف الصحراء.
وأكدت الورقة البحثية أن “التغير الاجتماعي، الذي عرفه المجتمع الصحراوي منذ الفترة الاستعمارية إلى استرجاع الأقاليم الجنوبية وما واكب ذلك من التحول من نمط الحياة من البدو والترحال إلى التمدن والاستقرار، سيحدث تحولات كبرى في هذا المجتمع المحلي على عدد مستويات؛ أهمها علاقة الإنسان الصحراوي بالسياسة وبمؤسسات الدولة الحديثة والحياة السياسية والفاعلين السياسيين في حق المشاركة السياسية وأطرها وآلياتها كالأحزاب والانتخابات”.
وأوضحت الوثيقة أن “النسق السياسي للأقاليم الجنوبية يتميز عن باقي أقاليم المملكة بمجموعة من المميزات والخصائص التي برزت وتطورت نتيجة انصهار وتفاعل العديد من الأحداث والوقائع التاريخية والسياسية التي عاشتها هذه الأقاليم”، مشيرة إلى أن “هذه التحولات أثرت في علاقة المجتمع الصحراوي بالسياسة، خاصة في إطار الدولة الوطنية بعد استرجاع هذه الأقاليم”.
وفي معرض حديثه عن أبرز تجليات هذا التأثير، لفت الباحث في ورقته إلى أن هذا التأثير يتجلى في “مظاهر فعل البعد الاجتماعي والبنية القبلية للمجتمع على العمل السياسي، وبصفة خاصة على المشاركة السياسية”، موردا أن “العلاقات والأعراف التقليدية المبنية على الولاءات القبلية، تم ترحيلها إلى الحياة السياسية في الأقاليم، وهو ما فتح الباب أمام الفاعلين السياسيين الرسميين إلى استثمار البنية القبلية للمجتمع الصحراوي على مستويات متعددة من العمل السياسي بالمنطقة”.
في السياق نفسه، أورد ماء العينين أن “المؤسسة الملكية تبنت سياسة خاصة في إدارة قضية الصحراء، على مستوى التمثيلية السياسية، حيث وضعت من خلال هذه السياسة قواعد واضحة لرسم حدود لعمل الأحزاب في الأقاليم الجنوبية، بناء على الروابط التاريخية والولاء الذي يربط سكان هذه الأقاليم بالملك”.
وتابع بأن “هذا الولاء يتم توظيفه على مستويات عديدة خدمة للقضية الوطنية ومحاربة الانفصال، حيث تم إحداث مؤسسات تمثيلية مرتبطة مباشرة بالملك ومنافسة للأحزاب السياسية، كما تم تفعيل دور شيوخ القبائل ومنحهم مكانة متميزة في التعبير عن آراء واحتياجات المجتمع الصحراوي”، مسجلا أن “مؤسسة شيوخ القبائل” تلعب أدوارا مهمة في الوساطة بين المواطن وبين المؤسسات العمومية.
وأبرز المصدر ذاته أن “تبني المؤسسة الملكية لسياسة إحداث مؤسسات استشارية لدى الملك تجعل من هذه المؤسسات منافسة للأحزاب السياسية، خاصة عندما يتم إحياء الروابط التاريخية ورابطة البيعة والولاء من خلال هذه المؤسسات”، مشيرا إلى أن الوظائف التي تلعبها هذه المؤسسات تتجاوز على هذا النحو الوظيفة التمثيلية السياسية عند الأحزاب السياسية.
وفي معرض حديثه عن الانتخابات الجماعية بالأقاليم الجنوبية للمغرب، أكد الباحث في سلك الدكتوراه بجامعة محمد الخامس بالرباط أن نسبة المشاركة الانتخابية بهذه الأقاليم مرتفعة مقارنة مع باقي جهات وأقاليم المملكة، مفسرا ذلك بـ”التعبئة القوية التي تقوم بها الأحزاب السياسية هناك، وكذلك ارتفاع منسوب النقاش السياسي، واعتماد التصويت على الأشخاص الذين يعدون من بين قيادات القبائل”، مشيرا أيضا إلى أن ارتفاع نسبة المشاركة دليل على تشبث المواطنين في الأقاليم الجنوبية بمغربية الصحراء ومؤشر على ثقتهم في المؤسسات.
المصدر: هسبريس