| بعد حملات لمكافحة الظاهرة.. المتسولون يتفننون بطرق جديدة
تعد ظاهرة التسول من ملامح الفقر والعوز في مناطق عدة وهي موجودة وليست بالظاهرة المستجدة على المجتمع العراقي، لكنها تحولت في السنوات الأخيرة الى اشبه بالتجارة التي تديرها مافيات تقوم باستغلال ذوي الاحتياجات الخاصة وصولا الى الاطفال.
وشهدت المدة الأخيرة انتشاراً ملحوظاً لأشخاص يمارس معظمهم التسول بأدوات جديدة لم يألفها المارّة، فلم يعد المتسوّل يكتفي بالوقوف او الجلوس في إشارة المرور والتقاطعات والشوارع منتظراً مد يد العون له والمساعدة، بل بات أقرب إلى تقمص أدوار كثيرة.
ثلاث فئات
ويبتكر العديد من المتسولين في العراق طرقا جديدة للنفاذ من سطوة القوات الامنية وحملاتها لمكافحتهم، اذ يقوم البعض منهم بالتسول عن طريق مسح زجاج سيارات المارة بدون اخذ اذن صاحب السيارة، فضلا عن هناك من يقوم ببيع العلكة واخرون يدعون المرض في الشوارع، فيما يتفنن اخرون بطريقة جديدة وهي ايقاف العجلات والطلب من اصحابها ايصالهم لمكان معين ليطلب بعدها المتسول من صاحب العجلة اني يعطيه مبلغ مالي لكونه يسكن في احدى المحافظات وليس لديه اجرة النقل.
وتعد ظاهرة التسول مشكلة تستلزم حلولا قانونية وواقعية وزيادة في الوعي لدى المواطن بعدم التعاطف مع هذه الفئات من المتسولين، اضافة الى تضافر جهود كافة المؤسسات ذات العلاقة لمحاربة هذه الافة، مشددة على اهمية الوصول الى حلول حولها واجراءات قابلة للتطبيق خلال الفترة القليلة المقبلة.
من جانبه، اكد المهتم الباحث الاجتماعي، علي الخفاجي، ان ملف المتسولين معقد وكبير، ولا تستطيع جهة معينة وحدها معالجته.
وقال الخفاجي إن “هناك اسبابا متعددة وراء انتشار ظاهرة التسول في العراق من ابرزها الفقر والحاجة للقمة العيش، والبطالة”، الى جانب “اسباب نفسية منها شعور الفرد بالحرمان والحاجة للمال ورغبته في الحصول عليه بطريقة سهلة من خلال استجداء عواطف الناس”.
وأضاف ان “غياب المتابعة الامنية وعدم وجود قوانين واضحة تردع المتسولين والمتاجرين بالطفولة، وسوء التربية وانتشار الامية وحرمان الاطفال من التعليم وتسربهم من المدارس والتفكك الاسري وغياب العدالة الاجتماعية، هي عوامل اساسية في انتشار هذه الظاهرة”.
ويفصل الخفاجي المتسولين الى ثلاث فئات؛ اولها هم الفقراء الذين لم يحصلوا على رواتب من الرعاية الاجتماعية، والنازحون من مناطق الصراع في العراق وسوريا. اما الفئة الثانية فهم النصابون الذين يستخدمون حيلاً ذكية من اجل كسب الود والاستعطاف”، مبينا ان “الفئة الثالثة هي الاخطر وهم العصابات التي تقوم بادارة اغلب عمليات التسول من خلال استئجار الاطفال والنساء واستغلالهم في عملية التسول، ما يعتبر اتجارا بالبشر”.
متسول انيق
فيما يحترف اخرون طرق تسول اكثر فعالية، فبعضهم يرمي نفسه أمام العجلة ويدعي الاذى، مهددا صاحب العجلة بالدعوى القانونية والعشائرية او اعطاءه مبلغ مالي، فيما يقوم اخرون يرتدون ملابسهم بشكل انيق من خلال الادعاء بسرقة نقودهم او ضياعها وطلب النقود من المارة.
وفي هذا الشأن أكد المتحدث بإسم وزارة الداخلية مقداد ميري أن وزير الداخلية كلف هيئة الاتجار بالبشر وشرطة المحافظات بمتابعة هذا الملف بشكل جدي من خلال حملات يومية واسبوعية للقضاء على هذه الظاهرة.
واوضح ميري إن “الحملة تستهدف المتسولين سواء من الجنسية العراقية ام من الجنسيات الاخرى دون استثناء”، لافتا الى ان “هناك العديد من الاجراءات الرقابية منها التشديد في المنافذ الحدودية والمطارات”.
وأضاف ان “هذه الاجراءات هدفها الحد من دخول هذه العناصر الى البلد”، مشيرا الى ان الاجراءات التي شرعت بها وزارة الداخلية تتمثل بمتابعة ملف الداخلين الى البلاد وانتهاء اقاماتهم”.
هذا وأعلنت قيادة شرطة بغداد الرصافة عن تنفيذ حملة امنية للقبض على المتسولين والمشردين.
وذكرت القيادة في بيان سابق لها ان “مفارز قيادة شرطة بغداد الرصافة نفذت حملة لإلقاء القبض على الأشخاص المتسولين والمشردين في التقاطعات والأماكن العامة ضمن مناطق متفرقة من جانب الرصافة”.
وأضافت “تم إلقاء القبض على 31 متسولاً ومتسولة وتم تسليمهم إلى مراكز الشرطة أصولياً”.
تسول الكتروني
ورصد مراقبون أساليب المتسوّلين الاحتيالية، التي تتطور بحسب المواسم والمناسبات وفصول العام، ومؤثرة في كثير من الأحيان للآخرين الذين يبادرون بالمساعدة، وأبرز هذه الأساليب في المناسبات الدينية والاعياد، الا ان هناك تسول اخر يعاصر التطور التكنولوجي في العراق.
حيث تحوّلت مواقع التواصل الاجتماعي في العراق إلى أداة جديدة للتسول والكسب غير المشروع والنصب والاحتيال، سواء من عصابات الجريمة المُنظمة أو الأشخاص العاديين، بعد أن كان التسول مقتصرا على الطرقات والشوارع العامة.
ويتخذ التسول هذه الأيام شكلا مغايرا يُمكن تسميته بـ”التسول الإلكتروني” من خلال نشر فيديوهات أو صور لجمع التبرعات لحالات إنسانية مختلفة.
وأسهمت الأزمة الاقتصادية وكذلك الحروب والتهجير والنزوح في البلاد في السنوات الماضية إلى حد كبير في اتساع دائرة التسول بكل أنواعه، فضلا عن زيادة نسبة البطالة التي دفعت كثيرا من الشباب والنساء الأرامل والمطلقات إلى التسول.
وفي المدة الأخيرة، وقع كثيرون ضحية عمليات نصب واحتيال بعد استجداء أشخاص بهم عبر مقاطع فيديو وصور لحالات إنسانية أو مرضى يعانون من أمراض مستعصية تتطلب أموالا ضخمة لمعالجتها، ليتبين فيما بعد أن الأمر لم يكن إلا احتيالا.
وتمنع القوانين العراقية ظاهرة التسول، وتصل عقوبتها إلى السجن مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر لكل من أكمل 18 سنة من العمر، ومارس التسول في الطرق العامة.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط