| سطوة الفساد والبيئة الطاردة تدمر نجاح “الاستثمار” في العراق
أشار رئيس مؤسسة “عراق المستقبل” المعنية بالشؤون الاقتصادية منار العبيدي، إلى تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الأخير الذي كشف عن خروج أكثر من 5 مليار دولار أمريكي من الاستثمارات الأجنبية المباشرة من العراق في عام 2023.
ومع كل أزمة اقتصادية يشهدها العراق، تعيد دوائر صنع القرار في البلاد الحديث عن ضرورة تصحيح الوضع الاقتصادي العام، وجلب الاستثمارات الأجنبية والمحلية من أجل بدء إعادة الإعمار وتوفير فرص عمل للشباب.
تدهور
تقرير مؤسسة “عراق المستقبل” المعنية بالشؤون الاقتصادية، بحسب العبيدي، اشار الى أن العراق خسر استثمارات أجنبية تزيد عن 52 مليار دولار أمريكي منذ عام 2013 حتى عام 2023.
وأكد العبيدي، على أهمية الاستثمارات الأجنبية في تحفيز النمو الاقتصادي، وزيادة فرص العمل، ونقل المعرفة، مشددا على أن الاستثمارات الأجنبية تعد مصدرًا مهمًا لدخول الأموال غير المرتبطة بإيرادات الدولة أو الاستثمارات المحلية.
وحدد العبيدي الأسباب الرئيسية لخروج هذه الاستثمارات من العراق، والتي تشمل بيئة الأعمال المتردية، نقص الشفافية، البيروقراطية المتراكمة، وتعدد وتضارب مصادر القرار، موضحا أن عدم وجود قوانين واضحة لحماية أموال المستثمرين الأجانب ساهم أيضًا في هذا التدهور.
ووصف العبيدي برامج دعم القطاع الخاص بأنها “شعارات واهية”، مشيرًا إلى أن الفكر الشمولي والاشتراكي هو السائد في المؤسسات الحكومية، مما أثر سلبًا على أهداف هيئات الاستثمار التي ركزت بشكل أساسي على الاستثمارات العقارية المحلية بدلاً من مجالات الطاقة والبنية التحتية والمشاريع الإنتاجية.
وأكد العبيدي أن استمرارية الفكر الاشتراكي والرعوي في الجهات الحكومية سيؤدي إلى استمرار استنزاف الاستثمارات الأجنبية من العراق.
وشدد على ضرورة وجود إرادة حقيقية لتحسين بيئة الأعمال عبر ثلاثة عناصر أساسية: الشفافية، التسهيلات، والحماية، وذلك لجذب المستثمرين الأجانب وتعزيز الاقتصاد العراقي.
قانون غير معدل
قانون الاستثمار وحده لا يضمن تشجيع الاستثمار الأجنبي، فلا بد من العمل بطرق متطورة وشروط ملائمة وتوفير مناخات مناسبة لجذب رؤوس الأموال لتطوير البنى التحتية وإدخال التكنولوجيا الحديثة.
عضو لجنة الاستثمار النيابية، أسعد البزوني ذكر يوم امس الجمعة، عن عقد اجتماعات تشاورية لتعديل قانون الاستثمار في البلاد.
وقال البزوني إن “لجنة الاستثمار النيابية تعمل على تعديل قانون الاستثمار خصوصاً بما يخص الاستثمار الصناعي ومناقشة فقراته من خلال جلسات استشارية كبيرة خاصةً وأن العراق الآن يتوجه صوب قطاع الاستثمار الخاص، لذا هنالك ضرورة بأن يكون القانون ملائماً للبيئة العراقية وللمستثمرين من الدول الاخرى”.
وأضاف أن “العمل جارٍ على القانون لما له أهمية كبرى في مجال الاستثمار خصوصاً وأن العراق بحاجة الاستثمار لأن اعتماد العراق الحالي على النفط والموارد البسيطة الاخرى”، مبيناً انه “بتفعيل الاستثمار والقطاع الخاص ستكون أبواباً أخرى لمردود العراق”، وأوضح أن”الموازنة الآن فيها عجز كبير وانخفاض اسعار النفط تتراجع وتضعنا بمشكلة كبيرة خصوصاً وأن الموازنة احتسبت على أساس 60 دولاراً للبرميل”.
وأشار إلى أن “الاعتماد على الموارد النفطية يسبب لنا مشاكل كبيرة ويجب أن نعتمد أكثر من مورد وأن العراق قادر في صناعته وزراعته واستثماره وأراضيه، ونحتاج الى توفير البيئة الآمنة والمناسبة للاقتصاديين والمستثمرين الأجانب والشركات العالمية الكبرى”.
تعقيد الاجراءات
ورغم وجود قانون للاستثمار فإن أغلب المستثمرين يعانون من تعقيدات وإجراءات بيروقراطية عقيمة أصبحت تؤثر على مستقبل البلاد.
ويشير الباحث في الشأن الاقتصادي، عبد السلام حسن حسين، إلى أهمية الشراكة الاستثمارية بين القطاعين الخاص والحكومي في تحقيق مصلحة المواطن، لا سيما الفقراء والمعدمين”.
ويقول حسين إن عملية الاستثمار في العراق يتحكم بها المستثمرون الكبار فقط.
ويضيف، ان هناك عملا حكوميا على “خصخصة” القطاع العام، وفقا لما أشارت اليه المادة 16 من قانون الموازنة الثلاثية، الامر الذي يفاقم نسب الفقر والبطالة والحرمان، إذ أن المستثمر الاجنبي لا يهمه سوى الربح، كم أنه يعتمد على كوادر وعمالة اجنبية.
ويجد أن التداخلات السياسية والحزبية وآفات الفساد تمنع الحكومة من السيطرة على ملف الاستثمار، موضحا أن هناك اكثر من 400 مشروع استثماري “وهمي” داخل بغداد.
افة الفساد
بينما يعتبر عدم وجود قانون جنائي يحاسب الفاسدين والممارسات الجديدة وكل من يحاول العبث بالأمن الاقتصادي العراقي سببا في عدم رغبة الشركات الاستثمارية في العمل بالعراق.
فيما حذَّر رئيس رئيس هيئة النزاهة حيدر حنون، من “الآثار الاقتصادية التي يتسبَّب بها الفساد على الصعيدين المحليّ والدوليّ، مُستعرضاً بعض تلك الآثار كتخفيض مُعدّلات الاستثمار بهروب المستثمرين من البيئة التي يتفشَّى فيها الفساد، بسبب اضطرارهم لدفع الرشى، وتسُّببه في تفاقم وعجز الموازنة العامة من خلال التهرب الضريبيّ، أو محاولة الحصول على الإعفاءات الضريبيَّة غير المشروعة”.
وأردف أنَّ “من بين تلك الآثار زيادة تكلفة وتشغيل المشاريع، وضعف كفاءة المرافق العامَّة ونوعيَّتها، وتشويه الأسواق وسوء التخصيص في الموارد من خلال تخفيض قدرة الحكومة على فرض الرقابة ونظم التفتيش، وفقدان الحكومة سيطرتها الرقابيَّة على البنوك والتجارة الداخليَّة والأسواق الماليَّة”.
ونوه، بأنّ “الفساد يفضي إلى زيارة معدّلات الفقر، وسوء توزيع الدخل وإثراء القلة على حساب الكثرة، ممَّا يُؤدّي إلى خلق حالةٍ من التميُّز والطبقيَّة وعدم العدالة بين أفراد المجتمع، فضلاً عن تسبُّبه في التضخُّم بزيادة تكلفة الأعمال؛ نتيجة ما تدفعه الشركات من رشى وعمولات، ممَّا يضطر المستهلك لدفع سعر أعلى للسلعة أعلى من كلفتها الحقيقيَّة”.
يذكر ان العراق قد احتل المرتبة الرابعة بين عشر دول في أحدث تصنيف، وقد تم تقييم هذا التصنيف بناءً على عدة معايير، من بينها نمو الناتج المحلي الإجمالي، ونسبة التضخم، والنمو في إنفاق رأس المال في الاستثمار الأجنبي المباشر، ونسبة النمو في مشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط