اخبار السودان

الجيش السوداني بين عصا وجزرة مفاوضات جنيف

مع اقتراب موعد المفاوضات التي دعت لها الولايات المتحدة بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” في الـ14 من أغسطس (آب) الجاري بالعاصمة السويسرية جنيف لبحث وقف القتال بين الطرفين الذي بلغ شهره الـ15 وإيصال المساعدات الإنسانية للمتضررين في مناطق الصراع والنزوح، لا يزال موقف الجيش من المشاركة في هذه المفاوضات غير مؤكد لمطالبته بأن يكون هناك اتفاق مسبق حول الأجندة والمشاركين في محادثات سويسرا، وهو ما يجري حالياً التشاور حوله بين الجانبين الأميركي والسوداني في مدينة جدة السعودية، في وقت وافقت “الدعم السريع” على مشاركتها في عملية التفاوض.

وكان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أجرى الإثنين الماضي اتصالاً هاتفياً بقائد الجيش عبدالفتاح البرهان، ناقش بحسب الأخير (في منشور له على منصة “إكس”) ضرورة معالجة شواغل الحكومة السودانية قبل بدء أية مفاوضات، لكن في ظل هذه التحركات والتداعيات، هل يستجيب الجيش السوداني لضغوط واشنطن بالتوجه إلى جنيف، في وقت أكد فيه المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان توم بيرييلو في تصريحات سابقة له أن لدى واشنطن خيارات أخرى يمكن أن تدفع لإنهاء العنف في البلاد؟

سحب البساط

يقول المتخصص في الشأن الاقتصادي السياسي بالجامعات السودانية حسن بشير محمد نور، “في تقديري أن الجيش وحلفاءه في وضع صعب جداً في ما يخص الدعوة لمفاوضات جنيف، إذ يجد البرهان نفسه على مرمى نيران عديدة أخطرها الموجهة من حلفائه الإسلاميين الذين يرفضون هذه الدعوة لأنها ستترتب عليها عواقب كبيرة، بخاصة المتعلقة بالنواحي القانونية كالجرائم والانتهاكات التي ارتكبت خلال هذه الحرب، إضافة إلى بعض القوى الإقليمية التي لا تريد لهذه المفاوضات النجاح لأن نجاحها سيؤدي إلى سحب البساط من تحت أقدام كثيرين ممن يريدون استمرار الحرب أو في الأقل يريدون أن تنتهي وفق هوائهم وأهدافهم”. وأضاف “كذلك هناك ضغط كبير موجه من الإدارة الأميركية الحالية وهي في أيامها الأخيرة قبل خوض الانتخابات الرئاسية التي في أوج عنفوانها التنافسي، مما يجعلها تسعى بشتى السبل إلى تحقيق انتصارات في مختلف الجبهات من ضمنها الجبهة الدبلوماسية وفي حال نجاحها في هذا الملف يمكن عبر الماكينة الإعلامية التابعة للحزب الديمقراطي أن تروج لهذا الانتصار وتحقق بعض المكاسب، وهو أمر مهم لها”.

وأردف محمد نور “كما لا ننسى البيان الصادر أخيراً من أعضاء مجلس الأمن الدولي الذي تناول الانتهاكات الجسيمة التي حدثت في هذه المعارك، والتي تشمل جرائم حرب وضد الإنسانية وانتهاك القانون الدولي، فضلاً عن مسألة المحاسبة والمحكمة الجنائية، بالتالي فإن موافقة قوات ‘الدعم السريع’ المشاركة في مفاوضات سويسرا وإعلان استعدادها للتحقيقات الدولية بخصوص الانتهاكات، تضع الجيش في موقف لا يحسد عليه، إذ سيكون خياره فقط القبول بالمشاركة وإلا سيواجه مسؤولية سياسية وأخلاقية وقانونية وتسلط السيف عليه باعتباره مسؤولاً أساساً عن استمرار الانتهاكات الفظيعة ضد المدنيين”. وواصل حديثه، “لكن إرسال الجيش وفد إلى جدة بغرض التشاور مع الجانب الأميركي يعد تطوراً مهماً في مواقف قيادته التي يبدو أنها لم تجد مخرجاً من الضغوط الدولية غير الاستجابة بصورة تحفظ ماء الوجه أمام مناصريها الذين ظلوا يدعون أو يؤكدون في معظم المنابر على رفض دعوة واشنطن، كما استشعرت قيادة الجيش جدية الموقف الأميركي المضغوط بالحملة الانتخابية لكامالا هاريس، وربما هذا مؤشر لقبول المشاركة في محادثات جنيف من حيث المبدأ بخاصة مع ضيق الوقت أمام الترتيبات الأميركية من جهة ولضغوط الوضع الإنساني المريع الذي لا يحتمل مزيداً من التسويف”.

تكثيف الضغوط

في السياق قال الأمين السياسي في حزب المؤتمر السوداني شريف محمد عثمان إن “القوات المسلحة السودانية لم تعلن رسمياً حتى اللحظة مشاركتها في المفاوضات المزمع عقدها في جنيف منتصف أغسطس الجاري، لكن جهات دولية أكدت حصولها على موافقة الجيش بالمشاركة في جلسات التفاوض القادمة”. وتابع “هناك معلومات تؤكد أن لقاءً تم بين وفد من الجيش والمبعوث الأميركي الخاص إلى السودان في مدينة جدة، ومن ثم أرسلت حكومة بورتسودان وفداً إلى جدة للتباحث مع الخارجية الأميركية حول عملية التفاوض مع ‘الدعم السريع’ في العاصمة السويسرية”.

وأضاف عثمان، “في نظري هذه اللقاءات من شأنها أن تعزز فرص مشاركة الجيش السوداني في محادثات جنيف التي تنتظرها جموع السودانيين بلهفة على أمل أن تنهي معاناتهم بوقف هذه الحرب اللعينة، لكن من المهم التأكيد أن قرار المشاركة في هذه المفاوضات يمثل خطوة أولى مدفوعة بروح السلام وإرادة ورغبة في تحقيق هدف الدعوة نفسها، وأن يضع قادة الجيش و’الدعم السريع’ الكارثة الإنسانية التي تحيط بالملايين من شعبنا نصب أعينهم، وأن يتحملوا مسؤوليتهم تجاه هذا الشعب المكلوم”. وذكر، “الجميع يبحث عن الحل السلمي والتفاوضي بين الأطراف المتقاتلة، لكن مع الكارثة الإنسانية ونذر المجاعة التي تحيط بشعبنا، في ضوء تقارير تشير إلى حجم المهددين بالجوع والموت بالملايين، لن نقف كقوى مدنية مكتوفي الأيدي، بل سنبحث مع المجتمع الدولي عن خيارات أكثر قوة، بدءاً من تكثيف الضغوط على الطرف الرافض وحثه على فرض العقوبات على من يمانع تلبية دعوة المشاركة في المفاوضات، وصولاً إلى البند السابع، وبكل تأكيد لن يقف العالم متفرجاً على ملايين يفتك بهم الجوع ونيران الحرب أمام أي طرف يرفض وقف إطلاق النار من أجل الأعمال الإنسانية، لذلك يجب أن يدرك أي طرف بأن أية محاولات لإعاقة الوصول لوقف إطلاق النار ستتم مواجهته بكل شجاعة من أجل إنقاذ شعبنا”.

وزاد الأمين السياسي لحزب المؤتمر السوداني، “في اعتقادي أن الولايات المتحدة مارست جهوداً كبيرة من أجل إنجاح هذه الجولة من التفاوض، وذلك عبر جولات واسعة للمبعوث الأميركي الخاص للسودان واتصالات ومناقشات قادها وزير خارجية واشنطن مع كل الأطراف الدولية والإقليمية ذات التأثير في هذه الحرب. وكلنا أمل في قبول الطرفين للدعوة ونجاحها، وهي ضغوط لم تمارس في أي من الجولات السابقة. وسبقت هذه الضغوط الدبلوماسية إيقاع عدد من العقوبات على عدد من المتنفذين من الطرفين والشركات المملوكة لهم، وهي بمثابة إشارة بأن هناك مزيداً من التحركات من قبل المدعي العام للمحكمة الجنائية، فكل هذه الإجراءات الهدف منها إرسال عدة رسائل إلى الطرفين مفادها أن فشل هذه الدعوة سيكون له ما بعده”.

اختلال العدالة

في المقابل يرى مندوب السودان السابق لدى الأمم المتحدة عمر دهب أن “أهم عامل في الحرب الدائرة هو القناعة بأن ‘الدعم السريع’ إلى زوال لا محالة، وأنه في الفترة التي انقضت، والتي اشتدت فيها الحرب وحققت فيها هذه الميليشيات مكاسب على الأرض كانت هذه القناعة وافرة عند عدد لا بأس به من المتابعين من أهل السودان، على رغم أن عددهم غير قليل، لكنه كان محدوداً بالنسبة إلى انجرار عامة السودانيين للحرب المفروضة عليهم تفاعلاً ومشاركة ومتابعة”.

وأضاف دهب، “اليوم تصاعد هذا اليقين لأسباب عدة منها المثابرة والصمود الداخلي النسبي المتزايد وتفعيل علاقات خارجية ذات عائد فقد عركتنا البلايا وأصبحنا (على العجم صلاباً) كما قال الشاعر، وفي حين بدأ التصدع ينخر في ‘الدعم السريع’، بخاصة على المستوى القيادي على رغم حصولها على الدعم الخارجي غير المنقطع، احتفظ الجيش بتماسكه وبدأ رويداً رويداً يستعيد زمام المبادرة وانتظم عديد من المدنيين في الدفاع النشط عن أرواحهم وأعراضهم وممتلكاتهم وبقائهم”. وأردف “هذا هو المناخ العسكري والمدني الذي تأتي فيه الدعوة الأميركية لصيغة جديدة من المحادثات ينفرد فيه صاحب الدعوة بدور الوسيط، لذلك كان الحذر مما هو غير معلن مدعوماً بالثقة المتزايدة في المستقبل هما الدافعان للموقف الذي تتخذه الحكومة السودانية تجاه هذا الحراك الدبلوماسي. وثمة مرتكزات في هذا الموقف منها التعاطي مع الدور الإقليمي والدولي في تسوية النزاع والعزم والإصرار على تنفيذ ما تم إقراره في إعلان جدة وعدم وجود مسوغ منطقي لتجاوزه وتبديله والحرص على هذا التداعي الوطني الحقيقي المتنامي”.

وختم مندوب السودان السابق لدى الأمم المتحدة، “ليس هناك ما نتوقعه أسوأ مما حدث لنا في الأشهر العصيبة التي مضت من هذه الحرب التي ارتكبت فيها قوات ‘الدعم السريع’ من الفظائع المهولة ما ارتكبت دون أن يحملها المجتمع الدولي وزر ما اقترفت، بل عمم هذه الفظائع على الطرفين دون تحرٍّ، والنتيجة هي أن الجاني أمن العقاب فتمادى وهو في ذلك لا يزال يرنو ببصره، آملاً في أن يجني ثمرة هذا التغافل وثمرة اختلال العدالة”.

اندبندنت عربية

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *