“مالية 2025”.. الحكومة تواجه تحديات تأمين السيادة الغذائية وضبط المالية العمومية
كشفت حكومة عزيز أخنوش قبل أيام عن الخطوط العريضة لمشروع قانون المالية لسنة 2025، حيث أولى هذا المشروع أهمية قصوى لقضيتي التشغيل ومواجهة الجفاف، وذلك انطلاقاً من التوجيهات الملكية السامية وحرصاً على تعزيز الركائز الأساسية للدولة الاجتماعية التي تلتزم الحكومة بتثبيت دعائمها.
وأفادت المذكرة التوجيهية حول إعداد مشروع قانون المالية للسنة المالية 2025، الموجهة من رئيس الحكومة إلى القطاعات الوزارية، بأن هذا المشروع يرتكز، تفعيلا للتوجيهات الملكية السامية، على أربع أولويات تعكس توجهات البرنامج الحكومي.
وأبرزت المذكرة أن الأمر يتعلق بمواصلة تعزيز ركائز الدولة الاجتماعية، وتوطيد دينامية الاستثمار وخلق فرص الشغل، ومواصلة تنزيل الإصلاحات الهيكلية، والحفاظ على استدامة المالية العمومية. وتابع المصدر ذاته أن الحكومة تتطلع في أفق النصف الثاني من الولاية الانتدابية، إلى تعميق الإصلاحات الجوهرية التي يقودها صاحب الجلالة الملك محمد السادس، ومواصلة تسريع تنزيل الخيارات المتضمنة في البرنامج الحكومي، سواء على مستوى تحسين حكامة المقاربات المعتمدة وآليات الاشتغال والتنسيق، أو عبر تعزيز الانفتاح على القضايا ذات الراهنية الكبرى وتكريس آثارها الميدانية
وأكد رئيس الحكومة، ضرورة تسريع وتيرة الإصلاحات الهيكلية وتعزيز حكامتها، مع التركيز على تنفيذ المشاريع ذات الأولوية الوطنية، لا سيما تلك المرتبطة بتوفير فرص الشغل وتحسين الظروف المعيشية للمواطنين، مشددا على أهمية الحفاظ على استدامة المالية العمومية، وذلك من خلال اتخاذ مجموعة من التدابير التي من شأنها تعزيز الإيرادات وتقليص النفقات غير الضرورية.
في هذا السياق، يرى الخبير والمحلل الاقتصادي، محمد جدري، أن الإعداد لمشروع قانون المالية لسنة 2025 لا يختلف عن سابقه، إذ يتماشى مع تنزيل البرنامج الحكومي الذي تم وضعه سنة 2021 والممتد حتى 2026.
وأوضح جدري ضمن تصريح لجريدة “العمق” أن هذا البرنامج يشمل العديد من الجوانب، بما في ذلك ما يتعلق بتنزيل أسس الدولة الاجتماعية، خاصة أنه أصبح من الواجب اليوم تحسين العرض الصحي، سواء من حيث البنية التحتية أو الموارد البشرية، مع ضرورة تحسين كل ماله علاقة بتسحين منظومة وجودة التعليم.
وأكد الخبير الاقتصادي، أن من الضروري تنزيل المرحلتين، الثالثة والرابعة المرتبطتين بمعاشات الشيخوخة ومعاشات فقدان الشغل، مسجلا في المقابل، أن الحكومة عليها اليوم التوجه نحو تعزيز الاستثمار، خاصة الاستثمار الخاص، باعتباره المساهم الرئيسي في خلق الثروة وتوفير مناصب الشغل.
وشدد جدري على أنه لا يجب إغفال وجود العديد من الإصلاحات الهيكلية التي ينبغي الاستمرار في العمل عليها، سواء تعلق الأمر بمنظومة التقاعد أو منظومة العدالة أو قانون الإضراب أو قانون المنظمات النقابية أو التعديلات المتعلقة بمدونة الشغل”، داعيا إلى ضرورة المحافظة على استدامة المالية العمومية، من خلال تقليص عجز الميزانية وخفض نسبة المديونية بالنسبة لخزينة المملكة.
واعتبر جدري أن مشروع قانون المالية لسنة 2025 سيواجه العديد من التحديات، أبرزها المحافظة على استقرار أسعار المحروقات والمواد الأولية عند مستويات مقبولة، إذ يجب ألا تتجاوز 80 إلى 85 دولارًا للبرميل، لتجنب تأثير الفاتورة الطاقية على خزينة المملكة المغربية، مبرزا أهمية انخراط جميع المواطنين داخل مشروع الحماية الاجتماعية، لاسيما أن استدامة المشروع ستواجه العديد من التحديات خلال السنوات المقبلة.
واعتبر المحلل الاقتصادي، أن القطاع العام لا يزال يهيمن على مجال الاستثمار، وبالتالي فإن مواصلة تشجيع الاستثمار الخاص، أمر ضروري، خصوصا مع تواجد ميثاق الاستثمار الجديد، ما سيساهم في خلق الثروة وتوفير عدد من مناصب الشغل.
وخلص المحلل الاقتصادي، محمد جدري، إلى أن الإصلاحات الهيكلية ستواجه مقاومة من قبل المجتمع والنقابات الأكثر تمثيلية، سواء تعلق الأمر بإصلاح أنظمة التقاعد أو قانون الإضراب أو قانون النقابات، وبالتالي فإن الحكومة ستواجه خلال السنة المقبلة العديد من التحديات الصعبة في سبيل تنفيذ ما جاء في مذكرة رئيس الحكومة.
جدير بالذكر، أن الحكومة ستخصص وفق المصدر ذاته، 16.5 مليار درهم لصندوق المقاصة، فيما كشف أخنوش أن 90 في المائة من المشاريع الاستثمارية التي تمت المصادقة عليها من طرف اللجنة الوطنية للاستثمارات، شرعت في عمليات البناء والتهيئة.
وأضاف أن الحكومة تجدد قناعتها بالأولوية التي يجب أن يحتلها ورش النهوض بالرأسمال البشري والحرص على اندماجه الاجتماعي، باعتباره الهدف الأسمى لكل السياسات العمومية بالمملكة والمعيار الذي يجب أن تقاس به كل التدخلات الحكومية. وأشارت المذكرة إلى أن “توفير الكرامة والعيش الكريم لفائدة الأسر المغربية لن يستقيم دون إرساء سياسة اقتصادية مهيكلة تقوم على تحفيز الاستثمار والتشغيل ومواكبة القطاعات الواعدة، بهدف تعبئة التمويلات الضرورية لضمان استدامة ركائز الدولة الاجتماعية”.
وستظل الحكومة، وفق المصدر ذاته، وفية لالتزامات برنامجها المتعلق بالمجالات الترابية، حيث ستشرع في التأسيس لشوط جديد من الالتقائية والاندماج الترابي، وفق حزمة مبتكرة من آليات التعاقد والتنشيط الاقتصادي مع الجهات، والتسريع بتنفيذ برامجها التنموية وتصاميمها الجهوية لإعداد التراب.
كما سيشكل الحفاظ على السيادة المائية والغذائية والطاقية، وحماية القدرة الشرائية، التي يدعو الملك إلى تحقيقها، العناوين الرئيسية للمجهود الحكومي في السنوات المقبلة، وفق قيادة قطاعية مندمجة ومتماسكة تسعى إلى التمكين والإنصاف الحقيقي للأسر المغربية.
ومن جهة أخرى، ستحرص الحكومة خلال سنة 2025 والسنوات اللاحقة، على مواصلة ضبط مسار المالية العمومية والتحكم في مسار عجز الميزانية على المدى المتوسط، في 4 في المائة من الناتج الداخلي الخام سنة 2024، و3,5 في المائة سنة 2025، و3 في المائة سنة 2026، وضبط حجم المديونية في أقل من 70 في المائة من الناتج الداخلي الخام في أفق سنة 2026.
وستمكن هذه المقاربة، حسب المذكرة، من استعادة الهوامش المالية الضرورية لمواصلة مختلف الأوراش التنموية، مع الحفاظ على دينامية الاستثمار العمومية كرافعة أساسية لتعزيز ركائز الدولة الاجتماعية. وهكذا، وتفعيلا للأولويات التي تم تحديدها، من المتوقع تحقيق معدل نمو يناهز 4,6 في المائة سنة 2025 مقابل 3,3 في المائة سنة 2024.
المصدر: العمق المغربي