تواجد تحالف مدني قوي أمر حيوي لتجنب تفكك السودان
تظل ممانعات الجيش السوداني المعلنة والمبطنة للتوصل إلى تسوية سياسية للحرب عقبة رئيسية أمام الجهات الساعية لتفعيل المفاوضات بينه وبين قوات الدعم السريع، وفي مقدمتها تنسيقية القوى الديمقراطية (تقدم) وهي تحالف مدني يسعى لوقف الاقتتال واستئناف العملية الديمقراطية.
وترى الدبلوماسية البريطانية روزاليندا مارسدن أن الحرب في السودان بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع لا تنم عن أي دلالة على أنها في طريقها للتوقف، وسط انتهاكات خطيرة ضد المدنيين وتزايد عدد العناصر الخارجية التي تؤجج الحرب.
وقد حذرت الأمم المتحدة من حدوث كارثة إنسانية حيث إن ملايين السودانيين يعانون فعلا من المجاعة أو على وشك التعرض لذلك. ومع تصعيد القتال والعنف العرقي خاصة في دارفور، ليس من المرجح أن يستطيع أي من الطرفين تحقيق انتصار حاسم، مما يمكن أن يؤدي إلى صراع مطول والتقسيم الفعلي للبلاد.
وتقول مارسدن الزميلة في برنامج أفريقيا بمعهد الشؤون الملكية البريطاني ( تشاتام هاوس) إنه في الوقت الحالي يتمثل الضوء المشرق بالنسبة للمدنيين السودانيين في غرف لمواجهة الطوارئ يديرها الشباب وغيرهم ممن يقدمون العون في الخطوط الأمامية والذين يضحون بأرواحهم لمساعدة مجتمعاتهم.
وتضيف مارسدن في تقرير نشره معهد تشاتام هاوس أن السودان يحتاج بصورة ملحة في الوقت نفسه إلى بديل للأطراف المتحاربة ومؤيديها يكون كيانا مدنيا يعتمد عليه ويمثل الجميع على نطاق واسع، ويضع رؤية للسلام، ويضغط لإنهاء الحرب ويقدم للمجتمع الدولي نقطة ارتباط بديلة.
ويوفر المؤتمر الأول لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) الذي يعد أكبر تحالف للمجتمع المدني السوداني والقوى السودانية الفاعلة، بصيصا من الأمل. وتأسس تحالف “تقدم” في أكتوبر 2023 وعقد مؤتمره التأسيسي في أديس آبابا في آواخر مايو الماضي، وشارك فيه نحو 600 شخص من كل ولايات السودان.
وعلى الرغم من تعرض تحالف “تقدم” للانتقاد لانفصاله عن نشطاء القواعد الشعبية سعى جاهدا لأن يصبح أكثر شمولا. فقد حضر المؤتمر أشخاص من 24 دولة، وعقد ممثلون للنساء والشباب مؤتمراتهم التمهيدية، وقدم آلاف السودانيين إسهاماتهم عبر الانترنت. كما شاركت بعض الفئات السياسية والعسكرية كمراقبين، بما في ذلك الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال، بقيادة عبدالعزيز الحلو (وهي حركة مسلحة تسيطر على منطقة كبيرة في جبال النوبة والنيل الأزرق). كما أن مشاركة حزب المؤتمر الشعبي كمراقب كان هدفها توضيح أن الإسلاميين الذين يدعمون الحكم المدني يمكنهم أيضا الانضمام إلى المعسكر المناهض للحرب.
وقد أقر المؤتمر رؤية سياسية لمستقبل السودان، أكدت على أن أكثر الأولويات إلحاحا هي التوقف الفوري لأعمال القتال، وتكثيف الجهود لمواجهة الكارثة الإنسانية، ووضع آليات لحماية المدنيين وتمكينهم من العودة إلى ديارهم من خلال مهمة مراقبة على الأرض.
وتوضح مارسدن التي عملت كممثلة شخصية للاتحاد الأوروبي في السودان في الفترة من 2010 حتى 2013 أنه من أجل تجنب التقسيم الفعلي للبلاد، من الضروري أيضا تعجيل الجهود الرامية للتوصل إلى حل سياسي من خلال ترسيخ حكم مدني ديمقراطي والمساواة في المواطنة دون أي تمييز على أساس الديانة أو الهوية أو الثقافة.
وفي أعقاب مؤتمر تحالف “تقدم” أصبحت له قيادة برئاسة رئيس وزراء السودان السابق عبدالله حمدوك، وقاعدة سياسية واجتماعية أكثر تنوعا، مما يمكنه القيام بدور أقوى لدعم التحالف في العواصم الدولية والإقليمية.
وتضيف مارسدن أن التحالف يحتاج إلى مواصلة توسيع نطاق الاصطفاف مع الآخرين في المعسكر المدني المناهض للحرب، وطرح أي خلافات سياسية أو أيديولوجية جانبا، وتعميق التواصل مع عناصر المجتمع المدني الشعبية الفاعلة، بما في ذلك لجان المقاومة التي يقودها الشباب، والجماعات الحقوقية النسائية، والنقابات العمالية والمهنية، وكذلك الجماعات السياسية الأخرى التي تريد إنهاء الحرب ودعم التحول الديمقراطي. ولتحقيق ذلك، يسعى تحالف “تقدم” إلى تنظيم مائدة مستديرة لكل القوى الديمقراطية السودانية للإعداد لعملية سلام شاملة. وسوف تحتاج هذه المائدة إلى تنسيق دقيق مع مبادرات السلام الأخرى.
◙ المؤتمر التأسيسي الأول لتنسيقية تقدم الذي يعد أكبر تحالف للمجتمع المدني والقوى السودانية الفاعلة يوفر بصيصا من الأمل
وأشارت مارسدن إلى أن الطرفين المتحاربين سعيا إلى جر تحالف “تقدم” إلى سياسات صراع السودان. وقد تعرض قادة التحالف إلى هجمات دائمة من جانب القوات المسلحة السودانية لاعتبارهم الجناح السياسي لقوات الردع السريع، كما تعرض التحالف للشيطنة من جانب رجال الدعاية الإسلاميين وأنصار نظام البشير الذين يرون أن التحالف يمثل التهديد الرئيسي لطموحهم في العودة للسلطة.
وفي مؤتمر أديس أبابا رد حمدوك على الاتهام الموجه للتحالف بالتحيز وأكد موقف التحالف المحايد، وأدان بيان المؤتمر النهائي الجانبين بشدة بسبب انتهاكاتهما. ولكي تواجه قيادة “تقدم” مثل هذه الانتقادات والتمتع بدعم أوسع نطاقا بين المدنيين سوف تحتاج إلى مساءلة الأطراف المتحاربة عن جرائمها.
وتواجه القوى المدنية السودانية تحديات جمة بسبب زيادة التباينات السياسية التي سبقت اندلاع الحرب الراهنة، وفشل محاولات توسيع دائرة التحالف بالشكل المطلوب خلال الفترة الماضية، علاوة على شيوع أزمات تتعلق بانقسامات بعض الأحزاب المنضوية في التنسيقية، ما يهدد نجاحها في ضغط يقود إلى وقف الصراع العسكري.
وتكمن المشكلة الرئيسية في أن تنسيقية “تقدم” واجهت دعاية سوداء ممن لديهم رغبة في استمرار الحرب في السودان، ما أثر على صورتها أمام المواطنين وخلق تجاذبا في الرؤى حيال دعم التنسيقية شعبيا. وواجهت “تقدم” اتهامات بالانحياز إلى قوات الدعم السريع على حساب الجيش في الحرب الدائرة بينهما منذ منتصف أبريل من العام الماضي، ما يجعلها بحاجة إلى تصحيح صورتها الذهنية قبل الإقدام على تحركات من شأنها أن توسع قاعدة التحالف.
وتضم هياكل “تقدم” عددا من السياسيين البارزين في السودان، على رأسهم رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك، وقطاعا من منظمات المجتمع المدني، وبعض لجان المقاومة، ومنظمات نسوية، وقوى الحرية والتغيير / المجلس المركزي، بجانب مجموعة من الأحزاب، أبرزها حزب الأمة القومي وحزب المؤتمر السوداني والتجمع الاتحادي والحزب الجمهوري وتجمّع المهنيين / اللجنة الأولى.
العرب
المصدر: صحيفة الراكوبة