اخبار المغرب

تربويون يشرحون رغبة الحكومة في تعميم مدارس الريادة التعليمية بالمغرب

سعيٌ حكومي غير خافٍ نحو “تعزيز عدد مؤسسات الريادة التعليمية”، وهي التجربة التي كانت همّت مستويات التعليم الابتدائي، قبل أن يعلن مصطفى بايتاس أنها ستدخُل “أقسام الإعدادي بحلول الموسم القادم”.

وبحسب الناطق الرسمي باسم الحكومة، خلال إفاداته للصحافيين إثر مصادقة مجلس الحكومة على مشروع المرسوم رقم 2.24.144 بشأن “علامة مؤسسة الريادة”، فهذه المؤسسات “تندرج ضمن مستجدات الإصلاح التربوي الذي تقوم به الحكومة لإصلاح منظومة التعليم”، موردا أن برنامج مؤسسات الريادة “برنامج مهيكل يستهدف تحسين عملية التعلم عبر اعتماد مقاربات جديدة في التدريس… ومن المرتقب أن يُعمّم بعدما أفادت تقييمات هيئات تعنى بالتعليم بتقدم جد ملموس للمتعلِّمين به، ونجاعة كبيرة في ضمان تمكن التلميذات والتلاميذ من التعلمات ومعالجة التعثرات التي ظلوا يراكمونها لمدة سنوات”.

“برنامج الريادة الذي انطلق هذا الموسم الذي يوشك على النهاية بدأ بحوالي 626 مؤسسة تعليمية عمومية، واستفاد منه حوالي 323 ألف تلميذ”، يورد مصطفى بايتاس، مشددا على أن “الموسم المقبل سيعرف زيادة مهمة في عدد هذه المؤسسات بحوالي 2000 مؤسسة ريادة في التعليم الابتدائي”.

وتابع الوزير ذاته: “في ظل المعطيات الإيجابية سيتم تعميم المدارس الريادية بشكل متدرج، إذ سننتقل إلى 2000 مؤسسة في الدخول المقبل، لنصل إلى 30 بالمائة من المتعلمين بسلك الابتدائي، أي حوالي مليون و300 ألف تلميذ”، وزاد: “مسار التدرج سيتم الاستمرار فيه في أفق تعميم مؤسسات الريادة برسم سنة 2028؛ فيما الموسم المقبل سيعرف انطلاقة العمل بمؤسسات الريادة بالمستوى الإعدادي، على أن يتم تعميمه برسم موسم 2028”.

ومن المرتقب أن يأتي المرسوم المصادَق عليه في المجلس الحكومي، يوم الخميس الماضين موضحاً “كيفية منح هذه علامة [مؤسسة الريادة] واللجان التي تتدخل فيها وتُواكبها في أفق تعميمها”.

المرسوم، المقدَّم من طرف الوزير الوصي شكيب بنموسى، يَستهدف “إحداث علامة تحت مسمى مؤسسات الريادة كمشروع تربوي تنخرط فيه مؤسسات التعليم لضمان جودة التعليم والتعلم، وتحقيق حكامة إدارة وتدبير هذه المؤسسات للرفع من مستوى التعلمات الأساس وتعزيز انفتاح المتعلمين وتقليص نسب الهدر والانقطاع المدرسيين”.

رهان إصلاحي

عبد الناصر ناجي، خبير تربوي رئيس مؤسسة “أماكن” لجودة التربية والتكوين، سجل تفاعلاً مع الموضوع وتعليقًا على رهاناته وتحدياته أن “مدارس الريادة تُعد الرهان الأساسي للإصلاح في الحكومة الحالية؛ وهو ما سيجعل منها المقياس الوحيد لنجاح الإصلاح أو فشله، علماً أن مرجعية الإصلاح، وهي القانون الإطار والرؤية الإستراتيجية، تضع تصورا أشمَل لإصلاح منظومة التربية والتكوين”.

وتابع ناجي متحدثا لجريدة هسبريس ضمن التصريح ذاته: “وحتى لو افترضنا أنه يكفي إرساء هذا النوع من المؤسسات لإصلاح المنظومة فإن هذا النموذج عليه بعض الملاحظات”.

مُعدّداً هذه الملاحظات، نبّه الخبير ذاته إلى أن أوَّلها يهم “التسرع في الحكم على فعالية نموذج (مؤسسات الريادة) دون تقييم موضوعي ومستقل، لأن التقييم الذي قامت به الوزارة في شهر نونبر في عز الإضرابات كان تقييما ذاتياً، مع ما يرافق هذا النوع من التقييم من انزياح عن الموضوعية”، وزاد: “أما التقييم الذي قام به المرصد الوطني للتنمية البشرية فلمْ يعدُ أن يكون تقييمًا للإدراك لم يشمل العيّنة التمثيلية الضرورية لإصدار حكم تتوفر فيه الموثوقية العلمية”، بحسبه.

ثاني الملاحظات التي سجّلها المتحدث تهم “اقتصار هذه المؤسسات على 7 بالمائة من إجمالي مؤسسات المنظومة، ما يطرح إشكالية الإنصاف وتكافؤ الفرص بين التلامذة المغاربة، حتى بعد توسيع التجربة إلى 2000 مؤسسة السنة المقبلة؛ وهو ما يعني نظاما تربويا بسرعتيْن”.

وخلص الخبير التربوي، الذي شغل سابقاً عضوية “فئة الخبراء المتخصصين بالمجلس الأعلى للتربية”، إلى أن “إرجاء التعميم إلى سنة 2028 يطرح سؤال القدرة على إصلاح المنظومة خلال الولاية الحالية، وسؤال الاستمرارية بعد انتهاء الولاية الحكومية الحالية؛ إلّا إذا كانت الحكومة واثقة من قدرتها على نيل ثقة المواطنين مجددا في استحقاقات 2026″، وفق تعبيره.

تجويد الريادة

سار الأستاذ الخبير في علوم التربية والمتابع لشؤونها بالمغرب عبد الله الخياري غيرَ بعيد عن تحليل ناجي، مسجلا بضع ملاحظات قد تُسعف الفاعل الحكومي في تجويد النتائج وتدقيق الموضوع.

ومحللا لهسبريس قال الخياري، الذي سبق أن درّس لأكثر من 3 عقود بكلية علوم التربية بالرباط، إن “مدارس الريادة تجسد تحوُّلًا في منهجية الإصلاح التربوي كما هو متعارف عليه في المرجعيات الوطنية (الرؤية الإستراتيجية والقانون الإطار) التي أقرت إصلاحا شاملاً للمنظومة بكل مكوناتها وأسلاكها أفقيا وعمودياً؛ غير أن خطة مدارس الريادة تعتمد مقاربة التجريب والتجزيء وتطبيق الإصلاح المرحلي والقطاعي (خطوة خطوة)”.

ومن حيث “المنهجية الاختبارية في مدارس الريادة” أوضح الخبير ذاته أنها “تؤجِّل حصول الجودة المرجوّة إلى سنة 2028، ما يهدد بمطاردة سرابٍ قد لا يتحقق”، وزاد: “مدارس الريادة تخلق وضعية جديدة في مدارس التعليم العمومي المغربي (وضعية التمييز ومدارس تسير بسُرعتيْن) ما يضرب عمق مبدأ تكافؤ الفرص وضمان جودة التعليم للجميع (إعادة إنتاج التمييز)”؛ كما لفت إلى أنها “مدارسٌ لا تخدم مبدأ استقلالية المُدرّس، إذ لا تترك له حرية اختيار منهجية اشتغاله، بناءً على الوضعيات البيداغوجية التي يَحياها مع تلامذته، بل تفرض عليه أسلوبا معينا في الدعم وإستراتيجية التعليم الصريح ومقاربة “TaRL” المستقدَمة من الهند؛ علما أن هناك تعددا في مقاربات محاربة التعثرات وحفظ المكتسبات مِن الأنسب أن يَختارها المدرّس كما توصي مرجعيات وطنية لإصلاح التعليم”.

وأجمل المتحدث ختاما بأن “الحصيلة المقدَّمة من طرف المسؤولين تبدو إيجابية (حصل تقدم في اللغة العربية بنسبة ضعفيْن و3 أضعاف في الفرنسية و4 أضعاف في الرياضيات)، إلا أنها علميًا تظل محط تساؤل كبير (نظرا لعينة غير ممثّلة لمجتمع 7 ملايين تلميذ/ة محدودة)”.

“لا يمكن الاكتفاء بالتقييم المرحلي الداخلي، بل وجبت الاستعانة بتقييم خارجي يُجريه المجلس الأعلى للتربية والتكوين”، يختم الخياري مقترحاً لتجويد تجربة “الريادة”.

تجربة مفيدة

أكد لحسن مادي، أستاذ التعليم العالي متخصص في علوم التربية، أن هذا النوع من المؤسسات انطلق بداية هذه السنة، وبحسب الأرقام المعلَنة للمستفيدين منها فهي “فريدة من نوعها؛ وبالتالي سيزداد عددها بشكل كبير، خاصة بالنسبة للتعليم الابتدائي؛ وربما يمكن لهذه التجربة أن تمُسّ حتى التعليم الإعدادي مستقبلا”.

“من المعلوم أن المنظومة التعليمية تعرف مجموعة من التغيرات وتنزيل مجموعة من الإصلاحات، من أجل تجويد عمل التلاميذ وتقليص الهدر المدرسي. ومن بين الأوراش المفتوحة إعمالُ مؤسسات الريادة من أجل الرفع من مستوى التعلمات لدى التلاميذ، ومن أجل تقليص الهدر المدرسي (الذي يمس سنويا تقريبا ثلاث مائة ألف تلميذ وتلميذة)”، يورد مادي معلّقاً لهسبريس.

وأقرّ الخبير التربوي ذاته بـ”دور مدارس الريادة في تشخيص مكامن الخلل/الضَّعف في التعلمات لدى التلاميذ، ووضع برامج خاصة تتجاوز الإشكالات البيداغوجية خلال مسارهم التعليمي؛ وبالتالي الهدف هو توفير مجموعة من الظروف الملائمة لتجويد التعلمات والرفع من مستواهم”.

وبحسب مادي فإن “هذه التجربة الجديدة بدون شك بيّنت، رغم محدوديتها، أنها مفيدة جدا للتلاميذ”، وزاد مفسراً: “لأنه تم أولا تهييء مجموعة من الأطر التعليمية ومجموعة من الأساتذة الأكفاء الذين اشتغلوا في هذا المجال. ولكي تعطي هذه التجربة ما ينتظر منها يلزم توفير مجموعة من الشروط، أهمُّها العناية بالمُدرّسين الذين يشتغلون في هذه المؤسسات وتحفيزهم على أداء مهامهم والاعتراف لهم بما يقومون به…”.

“تهييء المؤسسات التعليمية بمجموعة من الوسائل الديداكتيكية والبيداغوجية التي يحتاجها الأساتذة لتطبيق هذا البرنامج الجديد”، معطى آخر لفت إليه الأكاديمي المختص، مبرزا أن “إصلاح منظومة التربية والتكوين يستهدف خلق مساواة بين التلاميذ في جميع مناطق المغرب من أجل تعليم جيد وذي مردودية مرتفعة يَحترم التلميذ والأستاذ على السواء”.

وأجمل المتحدث بتوصية “تهيئة الظروف الملائمة (الموارد التربوية، الموارد البشرية) لضمان نجاح هذه التجربة في التعليم الإعدادي، والعناية بتنمية كفاءات أساسية لدى تلامذتنا، سواء في التعليم الابتدائي أو الإعدادي، مع إدماج باقي الأطر الإدارية والتربوية المساهِمة”.

المصدر: هسبريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *