الحرب الفاضحة من خطاب زعيم الجنجويد إلى خطاب المناضلين السابقين!!
د. أحمد عثمان عمر
(١) الحرب دائما ما تفضح مصالح القوى السياسية ، وترفع الغطاء عن جذور هذه القوى ، وتحدد موقعها في خارطة الصراع الإجتماعي ، وتساعد في فضح غطاء التضليل برغم خطابها الإعلامي الكاذب في مجمله ، والذي تحاول عبره هذه القوى إخفاء نهبها لموارد الدولة، وإفقارها لجماهير شعبنا ، وتمييز نفسها عليهم بالتواجد في أماكن آمنة ومستقرة، على حساب المواطن البسيط الذي يعاني الأمرين من ويلات النزوح والتشرد والفقر المدقع، في حين من هذه القوى خطاب تسعير الحرب وبث الكراهية ورفض التسوية السياسية ، حفاظا على مكتسبات التمكين والتمكين المضاد. فالخطاب السياسي مهما كانت قدرات منتجه على التدليس وإنتاج الأكاذيب ، واقع الحرب يفضحه تماما بإعتبار أن الأفعال أعلى صوتا من الأقوال. فلا يمكن لمن يدير الحرب ويسعر نيرانها أن يدعي بأنه يعمل من أجل السلام. ولا يمكن لمن تنهب قواته القرى وتقتل المواطنين العزل أن يدعي بأنه حريص على وصول الإغاثة للمتضررين من المواطنين. كذلك لا يمكن لمن يعيش في رغد العيش من تجار الحرب المستفيدين من إشعالها وإستمرارها ، مجرد الادعاء بأنه ضد الحرب ومع سلطة مدنية مستقرة . والناظر لخطاب سلطة الأمر الواقع التابعة للحركة الإسلامية المختطفة للجيش، يجد أنه خطاب رافض للتسوية السياسية ومصر على إستمرار الحرب حتى هزيمة المليشيا المجرمة بهدف إعادة الهيمنة والتمكين. أما خطاب الجنجويد المرائي، فإنه يتحدث بمثابرة عن السلام وسلوك المليشيا في أرض الواقع يقول عكس ذلك تماما. (٢) فالجميع استمع إلى خطاب زعيم الجنجويد بمناسبة عيد الأضحى المبارك، وهو خطاب معد بعناية وبشكل مؤسسي، راعى بشكل واضح ما يريده المجتمع الدولي والمحور الإقليمي الداعم للمليشيا ، أكثر من مراعاته لمعاناة المواطن السوداني المتضرر من الحرب. فهو خطاب في عمومه يدعو للسلام ويفضح عدم رغبة سلطة الحركة الإسلامية فيه، ولكنه يفارق ممارسات المليشيا في أرض الواقع القائمة على مهاجمة المواطنين الآمنين ونهب ممتلكاته وقتلهم ، واحداث قرى الجزيرة الأخيرة خير شاهد، وهي احداث تفضح هذا الخطاب الذي يبحث عن سلام مع الشريك في جرائم اللجنة الأمنية للإنقاذ ، ويواصل في إرتكاب الجرائم في مواجهة المواطنين العزل، في إفصاح تام عن طبيعة طرفي الحرب وإنتمائهما لنفس شريحة الرأسمالية الطفيلية المعادية لشعبنا العظيم. كذلك ركز الخطاب على موضوع الاغاثة وفتح الممرات، واتهم خصمه بتوظيف ذلك سياسيا في جريمة حرب مكتملة الأركان ، ونسي أن من يرغب في وصول الإغاثة للمتضررين عليه أن يتوقف عن الإضرار بالمواطن نفسه وخلق هذه الحالة عبر الحرب والقتل والنهب والتشريد الذي تمارسه المليشيا المجرمة التي يقودها صاحب الخطاب. والخطاب يتحدث ايضا عن الانتصار بالأخلاق ويخصص ذلك في التعامل مع الاسرى، ويجزئ بذلك الأخلاق ، لأن تعامله مع المواطن عكس سوء خلق كبير وانعدام رحمة بلغت حد الإغتصاب مرورا بالضرب والاهانة للمواطن البسيط. والأكثر إثارة للسخرية هو حديث زعيم الجنجويد عن انه يقف في الجانب الصحيح من التاريخ ويسعى إلى قيام دولة على أساس المساواة والمواطنة، والأماكن الواسعة التي تحتلها المليشيا المجرمة تفضح طبيعة اللادولة التي يرغب في قيامها، والتي وصلت حد التطهير العرقي كما في حالة إبادة المساليت. والخلاصة هي أن هذا الخطاب الذي يقوم على استراتيجية تضليل مبنية على محاولة تسويق المليشيا على اساس أنها داعية للسلام ولإسقاط دولة التمكين وبناء دولة ديمقراطية قائمة على المواطنة، تفضحه الحرب ومساراتها وتأكيد الزعيم في الخطاب نفسه على أنه سيستمر في الحرب حتى تطهير البلاد من كتائب الإسلاميين ، ويسمي ذلك حالة دفاع عن النفس، فتأمل!! (٣) أيضا فضحت الحرب (المناضلين السابقين) من معسكر سلطة الأمر الواقع التابعة للحركة الإسلامية ، وأظهرت مدى بؤس خطابهم السياسي . فالمسئولين نتيجة لمحاصصة جوبا التي منحتهم مناصب ولم تعالج اي مشكلة من مشاكل الحرب والسلام وتركت المواطن صاحب القضية في معاناته، تساقطوا سريعا كأوراق الشجر. فالمدير العام لشركة التعدين الحكومية (المناضل سابقاً) بعد تسريب محادثة هاتفية فاضحة له ، خرج ليؤكد محتواها المكرس للفساد، ولاستخدامه أموال الشعب السوداني ضد مصالحه، وتوظيفها سياسيا في الحرب ضد الاتفاق الإطاري على سوئه ، وفي التآمر مع أجهزة الدولة المختطفة من قبل الحركة الإسلامية مثل الجيش وجهاز الأمن. وهذا خطاب يدل على مدى السفور والوقاحة في الدفاع عن الفساد والتآمر على الشعب ، ومدى تواضع القدرات السياسية أيضاً. أما حاكم اقليم دارفور وقائد إحدى مليشيات محاصصة جوبا، فقد أفصح في خطابه اثناء حوار في قناة الجزيرة ، عن تمييز بين المواطنين على أساس النوع، وعن استبداد مريع وتعالي على المواطن ورفضه لمجرد السؤال عن لماذا لا يعود إلى الفاشر ويقود الحرب بنفسه؟ وهو سؤال مشروع لا غبار عليه ، لكنه أثار قضية أساسية من حيث الجوهر ، وهي أن محاصصة جوبا قد أتت بهؤلاء للتمتع بمزايا المناصب لا القيام بواجباتها ودفع مستحقات شغلها. وفي هذا الجانب يصح ماورد بخطاب زعيم الجنجويد المجرم بأن هذه الحركات وقفت مع العدو الذي قتل أهلها ، وباعت القضية التي كانت تزعم بأنها تقاتل من أجلها. صدق وهو الكذوب من مواقع النقد الفاضح، ولكنه فشل بكل تأكيد في تسويق نفسه كمسيح جديد يدعو للسلام والمحبة. مؤدّى ما تقدم هو أن الحرب على قبحها، تعتبر أفضل أداة لكشف الخطاب المرائي والتضليلي لاطرافها، لأنها تسمح بمقارنة الأقوال بالأفعال وتسمح بإمتحانها، وتسفر عن مصالح إجتماعية واضحة لا يمكن إخفائها ، وتقسيم إجتماعي صريح ، يجعل النضال قضية كل شخص يسعى لخلق واقع جديد ومنصف لشعبنا وبلادنا. وقوموا إلى ثورتكم يرحمكم الله!! ١٨/٦/٢٠٢٤
المصدر: صحيفة الراكوبة