الهجرة غير النظامية إلى جزر الكناري تضع المغرب في مواجهة ضغوطات
كشفت بيانات حديثة للوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل (فرونتكس) عن ارتفاع حركة الهجرة غير النظامية عبر طريق غرب إفريقيا، الذي يسلكه الأشخاص الساعون إلى الوصول إلى جزر الكناري، بنسبة فاقت 300 في المائة خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، مسجلة رصد ما يقرب من 18 حالة عبور خلال الفترة ذاتها، خاصة من موريتانيا والسنغال ومالي.
ويأتي الكشف عن هذه الأرقام في الوقت الذي تضاعف السلطات المغربية المكلفة بأمن السواحل جهودها لمواجهات شبكات تهريب المهاجرين، حيث تم اعتراض مجموعة من القوارب المحملة بالمرشحين للهجرة غير النظامية في الفترة الأخيرة.
ويؤكد مهتمون أن تصاعد موجة هجرة الشباب الإفريقي لأوطانه نتيجة مجموعة من العوامل المترابطة يفرض ضغوطا متزايدة على الرباط، ويؤكد فشل المقاربات الأمنية التي تنتهجها أوروبا في تدبير هذا الملف.
تفاعلا مع هذا الموضوع، قال خالد مونة، باحث في قضايا الهجرة، إن “ما يفسر تصاعد حركة الهجرة غير النظامية في الخمسة أشهر الأخيرة عبر طريق غرب إفريقيا بروز مجموعة من الأحداث في هذه المنطقة على غرار الأوضاع الأمنية والاقتصادية الهشة، خاصة في السنغال التي تشكل نقطة انطلاق قوارب الهجرة نحو أوروبا وسواحل جزر الكناري”، مبرزا أن “هذه الأرقام هي تحصيل حاصل في ظل غياب الاستقرار السياسي في هذه الدول، وتعبر عن حالة اليأس التي وصل إليها الشباب الإفريقي نتيجة التهميش والإقصاء الذي يعاني منه، وغياب مقومات الديمقراطية وحقوق الإنسان في أوطانه”.
وأوضح المتحدث ذاته، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “إحصائيات فرونتكس تؤكد بالملموس فشل السياسات الأمنية والقمعية في الحد من موجة الهجرة غير النظامية في ظل غياب مقاربات تعالج أسباب هذه الهجرة وليس نتائجها”، مشيرا إلى أن “ارتفاع محاولات الهجرة إلى أوروبا عبر هذا الطريق يفرض ضغوطا على المغرب على المستوى الأمني، في الوقت الذي لا تتلقى الرباط سوى دعم رمزي من الاتحاد الأوروبي مقابل استحواذ دول أوروبية كتركيا وإيطاليا واليونان وكرواتيا على حصة الأسد من الميزانيات الأوروبية الموجهة لتدبير هذا الملف باعتبار هذه الدول من دول العبور الأولى”.
على صعيد آخر، سجل الباحث ذاته أن “الهجرة أصبحت في صلب أولويات السياسة الخارجية في أوروبا ووسيلة لبناء أنظمة سياسة جديدة في الغرب، ذلك أن اليمين المتطرف في هذه القارة، الذي حقق نتائج مهمة في الانتخابات الأوروبية الأخيرة، ما كان ليتأتى له ذلك لولا لعبه هذه الورقة في استقطاب أصوات الناخبين، وبالتالي أصبحت الهجرة مدخلا مهما لتغيير الخرائط السياسية الداخلية في البلدان الأوروبية”.
وأشار إلى “غياب إحصائيات دقيقة وموضوعية حول الهجرة وكثرة اللغط فيما يخص هذا الملف، حيث إن أوروبا لا تتكلم اليوم عن عدد المهاجرين الذين يصلون إليها من خارج إفريقيا، إذ يحاول الساسة الأوروبيون وكذا الإعلام أفرقة الهجرة، وتكريس صورة عن إفريقيا بكونها القارة المصدرة للهجرة وهذا غير صحيح”.
الحسين بكار السباعي، محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان، قال إن “المغرب يواجه اليوم تحديا كبيرا أمام ملف الهجرة غير النظامية، خاصة التي تنطلق من جنوب المغرب عبر الشريط الساحلي للمحيط الأطلسي، دون أن نغفل سواحل موريتانيا والسنغال وحتى غامبيا”، مسجلا أن “هذا الخط البحري هو الأكثر خطورة بالنظر إلى بعد المسافة البحرية وتسجيل حالات غرق متعددة”.
وأضاف أن “السواحل الجنوبية للمملكة يصعب مراقبة كل نشاطاتها نظرا إلى طول هذه السواحل التي تحتاج إلى إمكانيات مالية ولوجيستية وبشرية كبيرة، وهو ما تستغله الشبكات النشطة في الهجرة غير النظامية”، مشيرا إلى “تحول الهجرة غير النظامية من شمال المغرب إلى جنوبه، بسبب تشديد الخناق على البحر الأبيض المتوسط، والتعاون الكبير بين المغرب وإسبانيا والدول المتوسطية، الأمر الذي دفع بعصابات الهجرة إلى البحث عن بدائل جديدة، منها المحيط الأطلسي، الذي أصبح أكثر نشاطا، خاصة مع توالي حملات الترحيل التي تباشرها السلطات المغربية من الشمال نحو مدن الجنوب كأكادير وتزنيت وطانطان وسيدي إفني”.
وتابع قائلا: “الملاحظ أنه في الآونة الأخيرة تم تسجيل انطلاق قوارب الهجرة غير النظامية من مدن طانطان وطرفاية والعيون وبوجدور والداخلة، التي لا تبعد عن أرخبيل جزر الكناري إلا بحوالي 120 كلم، فيما تنطلق قوارب أخرى من دول مجاورة كموريتانيا والسنغال أو من دول غرب إفريقيا، الأمر الذي تسبب في تدفق الهجرة من هذه الدول الإفريقية نحو جزر الكناري”، مضيفا أن “أغلب المهاجرين الذين وصلوا إلى جزر الكناري في السنتين الأخيرتين انطلقوا في الغالب من سواحل السنغال وموريتانيا، في حين تم تسجيل تراجع في أعداد الوافدين من السواحل المغربية بسبب تكثيف المغرب عمليات المراقبة في السواحل الأطلسية”.
وأشار السباعي إلى “المراقبة التي تباشرها مختلف الأجهزة الأمنية ووحدات القوات المساعدة والقوات المسلحة الملكية المكلفة بمراقبة الحدود وقوات الدرك الملكي ووحداته البحرية، دون أن ننسى الدور الكبير الذي تلعبه البحرية الملكية ليس فقط في اعتراض شبكات الهجرة غير النظامية، بل كذلك مختلف عمليات الإنقاذ التي تباشرها على طول الساحل الأطلسي بالجنوب المغربي، حيث تم اعتراض حوالي 87 ألف مهاجر غير نظامي العام الماضي”، لافتا إلى أن “موجات الهجرة غير النظامية ستسجل تزايدا كبيرا عبر الساحل الأطلسي، مما سيشكل تحولا جديدا في مسارات الهجرة”.
المصدر: هسبريس