هل يروي حمان عطش المغاربة بعد سنوات عجاف مع الحافظي؟
عين الملك محمد السادس ضمن أشغال المجلس الوزاري الأخير طارق حمان، مديرا عاما للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب وهو المنصب الذي ظل يشغله عبد الرحيم الحافيظي منذ أبريل 2018، وتلقى انتقادات كبيرة حول طريقة تدبيره لهذا القطاع الحيوي.
ويعيش المكتب الوطني للكهرباء والماء، على وقع وضعية توصف بـ”المقلقة”، حيث يتخبط المكتب الذي يرأسه عبد الرحيم الحافظي في ديون متراكمة يفوق حجمها 60 مليار درهم، تستلزم لتقليصها 20 مليار درهم كمساهمة من ميزانية الدولة على امتداد الأربع سنوات المقبلة.
وخلف تدبير الحافيظي لأهم مؤسسة استراتيجية في المغرب جدلا كبيرا خاصة أنه لم يستطع أن يلبي مطالب العاملين في مؤسسته، ودخلت النقابات العمالية في إضرابات شلت في مناسبات كثيرة مؤسسات المكتب في جل مناطق المملكة، فضلا عن الديون التي راكمتها المؤسسة ذاتها والبالغة 100 مليار درهم عند متم 2022، بحسب تقرير مجلس المنافسة.
مشكل بنيوي
اعتبر البرلماني عن حزب التقدم والاشتراكية، أحمد العبادي، أن المشاكل والتخبطات التي عاشها المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب “مشكل بنيوي غير مرتبط بأشخاص معينين”.
وأضاف العبادي، في تصريح لجريدة “العمق”، أن ما يعرفه المكتب من أزمات مالية هو “مشكل لسياسة عامة للدولة”، خاصة في ظل الأهمية التي يحظى بها هذا القطاع، على حد قوله، وفي ظل القانون الجديد المتعلق بالشركات الجهوية للتوزيع.
وردا على الجدل الذي أثاره تدبير عبد الرحيم الحافيظي للمكتب المذكور منذ 2018، أوضح النائب البرلماني ذاته: “مهما بلغت انتقادات الأشخاص فإن هذا النوع من الإصلاحات خاصة في قطاع حيوي مثل الماء والكهرباء مرتبط أساسا بالسياسة العامة للدولة بغض النظر على الأفراد”.
الخوصصة وخطأ الدولة
في سياق متصل، انتقد أحمد العبادي خوصصة قطاع الماء والكهرباء في المدن الكبرى ومنح تدبيرها لشركات تبحث، وفق تعبيره، على الربح المادي بالدرجة الأولى، مذكرا بأن مسؤولية المكتب الوطني للماء والكهرباء تتمثل في الإنتاج والنقل والتوزيع.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن الشركات الجهوية الجديدة هي من ستتكلف بالتوزيع في المستقبل القريب، مشددا على أن الدولة ارتكبت خطأ في إصلاح قطاع الماء والكهرباء منذ البداية بخوصصة القطاع وجعله في يد الشركات.
وأبرز العبادي أن القطاع الخاص مسؤول عن تدبير قطاع الماء والكهرباء في المدن الكبرى كالرباط والدار البيضاء وطنجة وغيرها، في حين لم تحظ المناطق التي تعرف عجزا كبيرا في الماء والكهرباء كالمجال القروي، وفق تعبيره، بأي عناية.
توالي الأزمات
وأكد العبادي أن مكتب الكهرماء راكم في السنوات الأخيرة مجموعة من الأزمات التدبيرية والمالية، من بينها أن الدولة تضطر لتمرير ميزانية المكتب بمرسوم بقيمة تتجاوز 4 مليار درهم بشكل سنوي.
وأرجع المتحدث ذاته هذه الأزمة التي تسبب مشكلا ماليا للدولة سنويا، وفق تعبيره، إلى سياسة تفويت القطاع للخواص، معتبرا أنه كان من الأفضل توجيه هذا الدعم العمومي لتعزيز الماء والكهرباء بالمناطق المهمشة.
كما انتقد النائب البرلماني تفويت القطاع للوكالات الجهوية لتوزيع الماء والكهرباء، وهو ما كرس، وفق تعبيره، عجز المكتب الوطني، حيث بات معنيا بالمناطق القروية التي لا تتوفر على بنيات تحتية قادرة على تلبية حاجية الساكنة.
ومن جملة الأخطاء أيضا، حسب العبادي، هو جمع الماء والكهرباء ثارة وتفريقهما ثارة أخرى، وهو ما خلق، على حد قوله، ارتباكا وعددا من الإشكاليات الاجتماعية في القطاع.
وشدد المتحدث ذاته على ضرورة “عدم رفع الدولة ليدها من تدبير قطاع حساس مثل الماء والكهرباء”، والاحتفاظ على الأقل بنسبة 51 في المائة رغم تحجج المسؤولين، حسب تعبيره، بالكلفة العالية التي تصل إلى 345 مليار درهم.
نية التغيير
كما أشار البرلماني عن حزب الكتاب، أن الدولة ينبغي أن تكون لها نية إصلاح هذا القطاع لأنه غير مرتبط بشكل كامل بهوية الشخص الذي سيتم تعيينه على رأس المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب.
وأشار العبادي إلى أن “عدم توفير الإمكانيات اللازمة للمدير الجديد للمكتب، طارق حمان، من أجل إصلاح القطاح سيعود بنا إلى المشاكل ذاتها التي عانى منها في الماضي.
رجالات الإصلاح
من جهته، أكد الخبير في مجال الماء، مصطفى عيسات، أن المكتب الوطني للماء والكهرباء يعرف منذ سنوات خللا في ميزانيته العامة وسوء تدبير قطاع حيوي واستراتيجي، مشيرا إلى أن إصلاحا من هذا القبيل يتطلب “رجالات وكفاءات” لتنفيذه.
وشدد عيسات، في تصريح لجريدة “العمق”، على محورية المكتب الوطني في تنفيذ برامج الدولة في هذا المجال خاصة المرتبطة بتعميم الماء والكهرباء غلى جميع ربوع المملكة وتدبير بناء السدود، لاسيما أن المغرب مقبل على تنفيذ عدد من التظاهرات الدولية، وفق تعبيره.
وأضاف المتحدث ذاته أن مخطط المغرب في الانتقال نحو الطاقات المتجددة يتطلب تغييرا في هذه المؤسسة في هذه المرحلة، مشيرا إلى أن هذا التغيير يدخل ضمن الرؤية الملكية الاستراتيجية تروم تحقيق السيادة الطاقية.
وأوضح أن المغرب يعتمد بصفة أساسية على الوقود الأحفوري في إنتاج الطاقة ويكلف الدولة من ناحية الاستيراد ميزانية ضخمة، لذلك فتح المغرب، حسب المتحدث ذاته، أوراشا كبيرة على المستوى الوطني والدولي على رأسها أنبوب الغاز مع نيجيريا.
تعيين طارق حمان
كما أكد الخبير، مصطفى عيسات، أن قطاع الماء والكهرباء غير رهين بتعيين طارق حمان أو غيره على رأس المكتب الوطني، بل هو رهين، على حد قوله، بفريق عمل متكامل وقطاعات متعددة.
وقدم المتحدث ذاته النموذج الذي تدبر به السيادة المائية بالمغرب عبر خلق لجنة بين وزارية تعنى بمتابعة تقدم الأشغال دون النظر لمدير المؤسسة العمومية المكلفة بهذا الشأن الذي يكون هو الآخر عضوا في هذه اللجنة.
وسبق لجريدة “العمق” أن حصلت على 26 محضرا نهائيا لـ26 صفقة أطلقها المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب على مدى سنوات مختلفة تمتد من سنة 2019 إلى سنة 2023 (صفقة واحدة في سنة 2019، وعشر صفقات في سنة 2020، وست صفقات في سنة 2021، و ست صفقات في سنة 2022، وثلاث صفقات في سنة 2023)، ورست هذه الصفقات كلها على شركة “STE “ALOUSS ، وهو اسم الشركة نفسها، التي تفوز بصفقات المكتب الوطني للمطارات التي تقارب قيمتها 30 مليار سنتيم في ست سنوات.
وحسب أحدث تقرير أنجزه مجلس المنافسة، فإن المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب أصبح متقلا بمديونية بلغت 100 مليار درهم عند متم 2022، منها 37 مليار درهم تتعلق بالالتزامات المالية لنظام معاشات المستخدمين عبر الصندوق المشترك للتقاعد التي تضاعفت في عشر سنوات، إذ بلغت في 2013 ما مجموعه 16,5 مليار درهم.
يشار إلى أن طارق حمان، الذي عينه الملك محمد السادس، مديرا عاما للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، حصل على شهادة الماستر في تخصص هندسة النظم الآلية بالمعهد الوطني للعلوم التطبيقية (INSA) في ليون.
كما شغل حمان، وهو مهندس كهربائي (INSAليون)، منصب نائب المدير العام للوكالة المغربية للطاقة المستدامة (مازن) منذ سنة 2023، وفي سنة 2022، تقلد منصب نائب الرئيس المكلف بأنشطة تطوير الهيدروجين في (TOTAL Eren) والمدير العام لفروع شمال إفريقيا التابعة للمجموعة نفسها.
وبين سنتي 2017 و2022، شغل حمان منصب المدير المسؤول عن التنمية بالوكالة المغربية للطاقة المستدامة، بعد توليه بين عامي 2009 و2017 منصب مدير المشاريع وبرنامج الإنتاج في المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، ومن 2007 إلى 2009، شغل حمان منصب رئيس قسم توربينات الغاز بالمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب.
المصدر: العمق المغربي