كيف تحولت امتحانات البكالوريا إلى “كابوس” يلاحق التلاميذ ويرهق الأسر؟
مع نهاية كل موسم دراسي يطفو النقاش حول الامتحانات المدرسية إلى السطح، وتثير ظروف اجتياز هذه الاختبارات، خاصة تلك المرتبطة بالبكالوريا، جدلا واسعا وسط متتبعي الشأن التعليمي باعتبارها تتويجا لمسار طويل يمتد لاثنتي عشرة سنة من التعليم المدرسي.
ويؤكد متخصصون تربويون في حديث مع جريدة “العمق” أن الامتحانات والأجواء التي ترافقها والظروف التي تمر فيها ليست طبيعية، وأصبحت مصدر قلق للعديد من المتعلمين وأولياء أمورهم، ويرجع ذلك إلى الضغط الذي يمارس على المتعلمين طوال السنة الدراسية من طرف جميع المتدخلين، وفق تعابيرهم.
وفي هذا السياق يقول الباحث في الديدكتيك وقضايا التربية، محمد تنفو، إن كثرة الضغط تولد الانفجار، خصوصا إذا كان الضغط ممارسا من جميع الجهات. فالمدرسة تضغط، والأسرة تضغط، والمجتمع يضغط، وتزداد حدة الضغط وقوته إذا ترك المتعلم المضغوط بدون مساندة أو دعم نفسي.
وأضاف تنفو في تصريح لجريدة “العمق” أن تسعى المؤسسات التعليمية إلى إكساب المتعلم مجموعة من المعارف والمهارات والقيم، وإلى تقويم هذا المتعلم في هذه المكتسبات عبر برمجة محطات تقويمية (امتحان البكالوريا مثلا)، ولكنها لا تعد هذا المتعلم نفسيا وذهنيا من أ جل تجاوز هذه الاستحقاقات بدون ضغوطات كبيرة.
وقال إن الأسرة المضغوطة نفسيا واجتماعيا وماديا تضغط، كذلك، على الأبناء إما من خلال تحميلهم فوق طاقتهم، أو مطالبتهم بتجاوز حاجز البكالوريا مهما كلف ذلك من ثمن. كما أن المجتمع يضغط عبر إشاعة قيم جديدة تشجع على الانتهازية وتحقيق الغايات بأقل جهد ممكن وبأي وسيلة.
لذلك، يضيف المتحدث ذاته، يمكن التخفيف من منسوب الضغط من خلال تخصيص جلسات يؤطرها متخصص في الحقل السيكولوجي. كما أن محاربة منظومة القيم السلبية المتفشية في المجتمع والتي تجعل الغش حقا من حقوق المتعلم تحتاج إلى ورش كبير ينخرط فيه الجميع بمسؤولية وجدية كبريين.
أما الفاعل التربوي، عبداللطيف بوغالم، فقد أشار في حديثه عن أسباب تحول البكالوريا من مجرد امتحان إلى كابوس يلاحق الأسر والتلاميذ، إلى أن البكالوريا باعتبارها تتويجا لمسار دراسي أصبح مرحلة مصيرية بالنسبة للتلاميذ، ومنها تنطلق معاناة أغلبية التلاميذ في صعوبة اتخاذ قرار التوجيه الذي يلائم قدراتهم بهدف متابعة الدراسات العليا و الجامعية على وجه العموم سواء حصلوا على ميزات جيدة أو متوسطة ما يجبرهم على إشراك الأهل والأسرة في اتخاذ قرار الشعب أو التخصصات المراد متابعتها.
وربط بوغالم في تصريح خص به جريدة “العمق” هذه المشاكل التي ترافق امتحانات البكالوريا بما قبل البكالوريا وما بعدها أيضا، مشيرا إلى الضغط الذي يمارس على المتعلم حتى في اختياراته وتوجهه العلمي، إذ يتدخل الآباء في فرض رغابتهم عليه دون استحضار القدرات التعليمية والمهارات المطلوبة إذ يصبح الدبلوم أو منصب الشغل المستقبلي أهم من بناء سيكولوجية المتعلم وبناء شخصيته بشكل متوازن يجمع بين التجارب الحياتية حتى ولو كانت فاشلة و التكوين الأكاديمي العلمي و المعرفي.
وأشار المهتم بالشأن التربوي إلى طبيعة الامتحانات التي تشكل عامل ضغط على المتعلمين، فعوض أن يكون امتحان البكالوريا اختباراً لاستثمار المعارف المدرَّسة في فك المسائل المعقدة وحل المشكلات (problem solving) أصبح مغامرة يخاطر فيها بعض المتعلمين على قلتهم بمسارهم الدراسي أثناء التمرير واللجوء إلى ظواهر غير سليمة لتحقيق النجاح بأي ثمنٍ.
ودعا بوغالم الوزارة الوصية إلى تجاوز مقاربة الاستظهار واجترار الدروس بما فيها دروس الرياضيات والفيزياء و علوم الحياة والأرض، ولاستئناس بالتجارب الأنكلوسكسونية التي تركز على اختبار الحس النقدي والقدرة على التحليل والتفاعل مع الوضعيات.
وفي حوار مع جريدة “العمق”، قال المعالج النفسي، فيصل طهاري، إن الضغط النفسي الذي يعيشه المتعلمون في مختلف المستويات الدراسية لا يقتصر على فترة الامتحانات، بل ينطلق معهم منذ بداية الموسم الدراسي، بسبب المقررات الدراسية وطول البرامج التعليمية التي تهتم بالكم وتهمل الكيف، وتحصر غاية التلميذ في الحصول على نقط جيدة تمكنه من ولوج معاهد ومدارس التعليم العالي.
ينضاف إلى ذلك، يضيف طهاري، خطاب الآباء والأمهات الموجه للأبناء طوال السنة حول شهادة البكالوريا وقيمتها والذي يساهم في زيادة الضغط الذي يعيشه المتعلمون، فضلا عن تنبيهات الأساتذة والمربين في هذا السياق والتي يمكن أن تساهم في زيادة توتر المتعلمين، ويسبب أعراضا تصل إلى أعراض نفسجسدية المرتبطة بمشاكل الأمعاء والمعدة والغثيان وآلام الرأس والمفاصل.
ودعا طهاري إلى التعامل مع المتعلمين على أساس أن الامتحانات مثلها مثل باقي فروض المراقبة المستمرة التي يتم إجراؤها خلال السنة الدراسية، وإلا فإنهم سيشعرون انهم أمام أمتحان مختلف تماما عما اعتادوا عليه خاصة في المؤسسات التي لا تجري امتحانات تجريبية لفائدة متعلميها.
المصدر: العمق المغربي