مليشيات وكيانات شعبية تشارك في حرب السودان: من يقاتل إلى جانب من؟
مع دخول الصراع العسكري بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع عامه الثاني، إثر اندلاع حرب السودان في 15 إبريل/نيسان 2023، يستمر كل طرف في حشد مجموعة مناصرين إلى جانبه، حتى توسعت العمليات العسكرية وطاولت آثارها الولايات الـ18، في وقت تشهد المواجهات بين الطرفين تعدداً في المحاور القتالية وسيطرة وتزايد نفوذ تشكيلات قتالية موالية لأحدهما على مناطق بعينها، وتحذيرات من تزايد سطوة أمراء الحرب والفتن القبلية والانسداد السياسي، في ظلّ فشل الجهود الدولية والإقليمية لإحياء المفاوضات وإنهاء القتال.
حرب السودان تولّد الانقسامات
وعقب نشوب الحرب بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع المنشقة عنه، ويقودها محمد حمدان دقلو (حميدتي) في 15 إبريل 2023، أعلن البرهان فتح باب التطوع و”الاستنفار” مع الجيش لقتال الدعم السريع، ووجّه ولاة الولايات بفتح معسكرات تدريب المتطوعين، وردّت “الدعم السريع” بالقول إن كلّ من يحمل السلاح سيكون هدفاً مشروعاً لقواتها، لكنها ظلّت في الوقت ذاته، تدعو من يشاء من سكان المناطق التي تسيطر عليها إلى التطوع لديها لتسليحهم، مبرّرة ذلك بأن الهدف هو أن يحمي هؤلاء مناطقهم.
وبحسب مراقبين، تسبب الاستقطاب الحاد بعد نشوب حرب السودان في إبريل 2023، بانقسام وسط المجتمعات، فأعلنت قبائل وتنظيمات أهلية في مناطق مختلفة من السودان دعمها للجيش، وناصرت أخرى “الدعم السريع”، وظهر ذلك في غرب ووسط وشرق السودان على وجه الخصوص، وانقسم أبناء هذه القبائل بين مؤيد ورافض لأحد الطرفين.
كيانات متعددة تقاتل إلى جانب الجيش السوداني
وتقاتل إلى جانب قوات الجيش في حرب السودان اليوم، كيانات متعددة، من بينها القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح (حركات مسلّحة موقعة على سلام مع الحكومة)، ومجموعة “غاضبون بلا حدود” (تنظيم ثوري)، وكتيبة البراء بن مالك (تنظيم إسلامي محسوب على نظام الرئيس المخلوع عمر البشير)، والمقاومة الشعبية (مواطنون متطوعون)، وشباب من لجان المقاومة (تنظيمات ثورية)، ومجلس الصحوة الثوري (تنظيم أهلي).
وتمثل كتيبة البراء بن مالك، أبرز المجموعات المحسوبة على نظام البشير، والتي انضمت لتقاتل إلى جانب الجيش، وهناك مجموعة أخرى قليلة الظهور تحمل اسم “البنيان المرصوص” ويتكون عناصرها من عسكريين سابقين ومقاتلين كانوا مع الجيش في حربه ضد الحركة الشعبية في جنوب السودان، ولا تخفي هذه المجموعات عداءها للثورة والقوى السياسية غير الموالية للجيش. كما تبرز مجموعة “غاضبون بلا حدود” التي تأسست في عام 2020، وتضم عدداً من الشباب الفاعلين في التظاهرات ضد نظام البشير خلال الثورة، واشتهروا بعدائهم للعسكر، خصوصاً “الدعم السريع”، واشتباكاتهم المستمرة مع عناصر الشرطة، لكنهم بعد اندلاع الحرب أعلنوا انضمامهم للجيش، استجابة لدعوة “الاستنفار” لقتال “الدعم السريع”. تقول المجموعة في منشورات على صفحتها في موقع “فيسبوك”، إنها “تقاتل إلى جانب صغار الضباط والجنود، للدفاع عن الأهل والعرض ضد انتهاكات “الدعم”، وإن رأيها الناقد لقيادة الجيش لم يتغير.
وفي سلاح المدرعات الذي يتوسط مدينة الخرطوم، ظهر شباب من لجان المقاومة (تنظيمات شعبية ثورية) ضمن صفوف الجيش، وقد كانوا خلال الثورة من قادة التظاهرات ضد نظام البشير ولديهم موقف من الجيش وتدخله في السياسة، لكنهم بعد حرب السودان شاركوا في صدّ الهجمات التي نفذتها قوات الدعم السريع على المدرعات. وأعلنت لجان المقاومة في منطقة الشجرة، حيث مقرّ المدرعات عن مقتل عدد من المنضوين فيها خلال دفاعهم عن “أهلهم وبلادهم ضد مليشيا الدعم السريع”، بحسب ما نشرت في بيانات متعددة نعت فيها هؤلاء الشباب.
وقد حمل مواطنون متطوعون يطلق عليهم (المستنفرون) السلاح خلال حرب السودان في عدد من المدن والقرى استجابة لدعوة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في يونيو/حزيران 2023، والتي أطلق خلالها نداء للشباب لحمل السلاح أو الانضمام إلى الجيش للدفاع عن بلادهم ضد ما قال إنها أطماع تهدّد وجود السودان، وتشكلت بموجب ذلك مجموعات “المقاومة الشعبية”، وقد كتب الكثير من المواطنين على وسائل التواصل معلنين استجابتهم لحمل السلاح لحماية أهلهم من الانتهاكات التي تنفذها “الدعم السريع”.
وأبرز المجموعات التي تساند الجيش هي القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلّح، وهي تحالف من حركات مسلّحة وقعت على سلام مع الحكومة في أكتوبر/تشرين الأول 2020، ولهذه الحركات عداء سابق مع قوات الدعم السريع منذ أن كانت تقاتل المجموعات المسلحة لصالح الحكومة، وتكونت القوة المشتركة منتصف العام 2023 لتوفير الحماية للمدنيين وكانت تتخذ موقف الحياد، قبل أن تخرج عنه في إبريل الماضي بسبب ما اعتبرته تمادي “الدعم السريع” في الانتهاكات تجاه المواطنين.
مزيج من المرتزقة إلى جانب الدعم السريع
في المقابل، تقاتل إلى جانب “الدعم السريع” مجموعات من ما يطلق عليهم عرب الشتات، وهم مقاتلون أفارقة (مستوطنون وافدون من أفريقيا الوسطى والنيجر)، إلى جانب مقاتلين تابعين لمجموعات مسلحة من دولة تشاد، وقوات درع الوطن (مجموعة مسلحة سودانية)، ومواطنون مجندون، ومقاتلون من مليشيات قبلية عربية موالية لـ”الدعم السريع”، إضافة إلى الجبهة الثالثة “تمازج” (حركة مسلحة منشقة عن اتفاق سلام مع الحكومة).
وكانت قوات “الدعم السريع” تضم الكثير من المقاتلين التشاديين في صفوفها باعتراف عناصر نشروا مقاطع على وسائل التواصل واستمر البعض من هؤلاء يقاتلون معها الآن ضد الجيش، وقد رصدت “العربي الجديد” أكثر من مرة مقاتلين تشاديين في الخرطوم والجزيرة لا يجيدون العربية ويتحدثون بعامية سودانية ضعيفة وبلكنة تغلب عليها الفرنسية. وفي بداية حرب السودان ظهرت سيارات لقوات الدعم السريع منصوب عليها العلم التشادي قبل أن يختفي ذلك عقب جدل حولها على وسائل التواصل الاجتماعي.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2022 ظهرت بصورة مفاجئة مجموعة مسلحة يقودها شخص يدعى أبو عاقلة كيكل، وهو ضابط سابق في الجيش، وكان عضواً في نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، ونفذت مجموعته عرضاً عسكرياً في منطقة الجبال الغر “سهل البطانة” وسط السودان. وقال كيكل حينها إن هدف قواته هو إعادة التوازن الاستراتيجي في البلاد، “بعدما ألحقت اتفاقية جوبا للسلام الموقّعة في 2020 (اتفاقية سلام بين الحكومة وحركات مسلحة في دارفور) “ظلماً بمناطق الوسط وشمال وشرق السودان، وانحازت لحركات دارفور”.
وقد أثارت هذه القوات الحيرة لأن الجيش لم يكترث لها ولم يعترض طريقها وهي تقوم بتجنيد المواطنين وتنظم العروض العسكرية، قبل أن تفاجئ الجميع، وتنضم في أغسطس/آب العام الماضي، إلى صفوف “الدعم السريع” في حربها مع الجيش “لنصرة الهامش ومحاربة فلول النظام السابق” كما قال قائدها.
وإلى جانب “الدعم السريع”، تقف الجبهة الثالثة “تمازج” وهي إحدى الفصائل المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا للسلام في السودان بين الحكومة الانتقالية والحركات المسلحة، وتقول إنها موجودة على الشريط الحدودي بين السودان وأفريقيا الوسطي وتشاد، حسب حديث قادتها، وقد انضمت في أغسطس 2023 للدعم السريع، متهمة عناصر النظام السابق باختطاف القوات المسلحة.
كما استقطبت قوات الدعم السريع الكثير من المواطنين، أغلبهم شباب من أبناء المناطق التي تسيطر عليها خصوصاً في العاصمة الخرطوم، وقد رصدت “العربي الجديد” الكثير من هؤلاء في مناطق جنوب الحزام جنوب الخرطوم ومناطق دار السلام والكلاكلة في منطقة جبل أولياء جنوب العاصمة، وأحياء الحاج يوسف في مدينة الخرطوم بحري.
كما أكد شهود عيان في الحاج يوسف لـ”العربي الجديد”، وجود مقاتلين في حرب السودان من جنوب السودان ضمن قوات الدعم السريع المنتشرة في المنطقة. وقد أعلن الجيش السوداني إلقاء القبض على مجموعة منهم في بيان يوم 6 إبريل الماضي في مدينة أم درمان، غربي العاصمة الخرطوم، وقال إنه تمّ تجنيدهم وخداعهم من قبل “الدعم السريع” بالوعود المالية.
وتحارب مع “الدعم السريع”، مجموعة السافنا المسلحة، التي وقّع قائدها علي رزق الله “السافنا” اتفاق سلام مع نظام البشير في العام 2013، منح بموجبه رتبة مقدم في الجيش، لكنه عاد وتمرد على السلطة، معلناً انضمامه لمجلس الصحوة الذي أسّسه الزعيم الأهلي موسى هلال، ثم اعتقلته قوات الدعم السريع في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، بشمال دارفور، وانضم إليها الآن بعد اندلاع الحرب.
مصالح تتحكم بالاصطفافات
يقول أستاذ العلوم السياسية في الجامعات السودانية، صلاح الدومة، لـ”العربي الجديد”، إن أبرز الأسباب التي أدّت إلى ظهور هذه المجموعات بلا ريب، هي غياب حكومة مركزية قوية، وغياب العدالة. وتعليقاً على تناقض أفكار مجموعات تقاتل إلى جانب واحد ضمن الجيش أو “الدعم السريع”، يوضح أستاذ العلوم السياسية أن الائتلاف أو الانحياز رغم التناقض في المواقف والتوجهات، هو شيء يسمى في العلوم السياسية: مصالح الصراع، وفي ظل استمرار الظروف التي أوجدت هذه الكيانات وهذا النوع من المصالح، تتحول هذه الكيانات “في ما بينها من أصدقاء اليوم إلى أعداء في الغد، كما أن أعداء الأمس يتحولون إلى أصدقاء اليوم وهكذا”.
وحول مستقبل هذه المجموعات وتأثيرها، يضيف الدومة أن “تجارب تاريخية سابقة تفيد بأنه غالباً تظهر حكومة أو شخصية قوية تقوم بتوحيد هذه الكيانات، في دولة واحدة قوية. والأمثلة كثيرة”.
من جهته، يشير القيادي في الحزب الشيوعي السوداني، صديق التوم، لـ”العربي الجديد”، إلى أنه من المهم جداً فهم الحرب في السودان في سياقها الكلّي على أنها حرب ضد الشعب السوداني ودولته وثورته وتمرده على النظام العالمي، ومحاولته إفشال مخططات “الهبوط الناعم” (تسوية سياسية بلا محاسبة). واعتبر أن هذه الحرب تهدف بشكل أساسي إلى قطع الطريق أمام تطور الثورة السودانية ووصول قواها إلى الحكم، حتى لو اقتضى الأمر تفكيك الدولة ودكّ المجتمع للقضاء على الثورة.
ويلفت التوم إلى أنه في هذه الحرب تخدم المكونات العسكرية مصالح أجنبية متناقضة ومتصارعة بالوكالة، حيث تستعيض المصالح الدولية عن الاجتياح الأجنبي المباشر بتغذية الانقسامات المحلية، و”تجد ضالتها في المليشيات المحلية وأصحاب الغبائن والمظالم التاريخية لتعزيز الاستقطاب، وهذا الاستقطاب، بحسب رأيه، يحدث بشكل طبيعي وفقاً للمصالح والمرارات لبعض المكونات المحلية ومحاولاتها للاستفادة من غياب جهاز الدولة لتوظيف العنف لبسط السيطرة”.
ويتابع القيادي الشيوعي أن الشعب السوداني حصيف ومستنير جداً، لذلك ينزح إلى أماكن سيطرة وزارة الدفاع والقوات النظامية بوصفها جهازاً مملوكاً له، رغم سيطرة الكيزان (عناصر نظام البشير) على قيادتها، على حدّ وصفه. ويرى أن “فشل وزارة الصحة أو وزارة التربية والتعليم لا يعني استبدالها بالقطاع الخاص، ولا بمليشيات مثل دقلو أو جلحة أو السافنا وغيرهم من المرتزقة. لقد أثبتت الممارسات في الحرب أن المليشيات هي من أخرجت السكّان المحليين من مناطقهم وارتكبت التعديات والجرائم والانتهاكات بشكل لا يقارن مع مؤسسة الجيش المختطفة. يتمحور الإصلاح الرئيسي في إخراج الجيش من السياسة والاقتصاد”. وبحسب التوم، يفسّر هذا الأمر انحياز العديد من مكونات الثورة والثوريين إلى الجيش، ناهيك عن ردّ الفعل التلقائي للمجتمعات واستجابتها للتحشيد والاستنفار نتيجة لتفشي الانتهاكات، وجرائم الحرب بواسطة “الدعم السريع”.
العربي الجديد
المصدر: صحيفة الراكوبة