اخبار السودان

قرار مجلس الأمن رقم 2736 : قراءة في الإيجابيات والسلبيات

في 15 أبريل 2023م ، اندلعت الحرب العبثية المدمرة في السودان بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع ، مما أسفر عن تصعيد العنف في البلاد وأدى إلى وضع إنساني مأساوي. خلف اكثر من ١٠ مليون نازح واكثر من ٢ مليون لاجيئ ، بينما تدخل البلاد في كارثة اخرى هي المجاعة ، تصاعدت الاشتباكات بشكل سريع حيث شهدت دارفور والمناطق المجاورة نزوحاً جماعياً للمدنيين وزيادة في الضحايا. هذا النزاع ، الذي اندلع بسبب التوترات السياسية والعسكرية المستمرة ، جذب اهتمام المجتمع الدولي بسبب تأثيره المدمر على السكان المدنيين والبنية التحتية. خاصة مع تعنت حكوم الجيش في بورتسودان التي عمل على استخدام المساعدات الإنسانية كسلاح جديد في وجه المواطنين ، بعد فشلت في جميع محاورها العسكرية ولم تحقق نصرا لها الا في الاعلام.
أمام هذه التطورات المأساوية ، أصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم 2736 ، وهو قرار يكاد ينال إجماع الأعضاء ولأول مرة لا تعترض روسيا عليه أو تطالب بتعديله كما حدث في حروب أخرى مثل حرب غزة. القرار جذب الانتباه العالمي للحرب السودانية وخطورتها على المدنيين ، ما يعكس تطوراً مهماً في التعامل الدولي مع الأزمة السودانية. ومع ذلك ، يثير القرار العديد من النقاط الغامضة والتساؤلات حول آليات تنفيذه وفعاليته.
الإيجابيات:
الإجماع الدولي: القرار 2736 هو خطوة نادرة في مجلس الأمن ، حيث نال دعماً شبه كامل من الأعضاء. هذا الإجماع يعكس التوافق الدولي على خطورة الوضع في السودان وأهمية اتخاذ إجراءات عاجلة لحماية المدنيين. إذ يُظهر الاتفاق بين القوى العالمية الكبرى ، بما في ذلك روسيا ، إدراكاً جماعياً للحاجة الملحة للتدخل في الأزمة السودانية.
الاهتمام العالمي: القرار سلط الضوء على الحرب السودانية وخطورتها على المدنيين مما جذب الانتباه العالمي إلى الأزمة. هذا يمكن أن يؤدي إلى زيادة الضغط الدولي على الأطراف المتحاربة لوقف الأعمال العدائية. هذا الانتباه العالمي المتأخر قد يزيد من الوعي العام ويساهم في حشد الموارد والدعم اللازم لتقديم المساعدة الإنسانية.
فتح الممرات الإنسانية : القرار طالب الجيش بزيادة التعاون مع الأمم المتحدة وفتح الممرات الإنسانية لتسهيل وصول المساعدات عبر دارفور. هذا الطلب يكشف عن أهداف إنسانية واضحة ويسعى لحماية المدنيين وتخفيف معاناتهم. إذ يمثل خطوة حاسمة نحو تأمين وصول المساعدات الضرورية إلى المناطق المتضررة ، مما يعزز من فرص إنقاذ الأرواح وتخفيف المعاناة. ولكن ليس من المتوقع أن يهتم الجيش لمثل هذه النداءات وقد سبق واعلن البرهان أمام حشد من الضباط أنه لن يسمح بمرور المساعدات الإنسانية
بداية لوقف الحرب: بريطانيا كانت متفائلة اكثر حيث وصفت القرار بأنه بداية لوقف الحرب في كل السودان. إذا تم تنفيذ القرار بشكل صحيح ، يمكن أن يكون خطوة أولى نحو تحقيق السلام في جميع أنحاء البلاد. كما انه يمكن أن يكون بمثابة نقطة انطلاق لمبادرات سلام أوسع تشمل جميع الأطراف المتنازعة وتعمل على تحقيق الاستقرار الدائم.
السلبيات:
آليات التنفيذ الغامضة: القرار لم يوضح اي آلية لتنفيذ بنوده ، مما يثير تساؤلات حول كيفية تحقيق الأهداف المعلنة. بالاضافة الى استخدام عبارات غامضة وفضفاضة مثل كلمة “انسحاب المقاتلين” بدون اي تعريف ملحق ، خاصة وأن المعركة تدور بين الدعم السريع والجيش. كما ان عدم تحديد المسافات أو المناطق للانسحاب يترك المجال لتفسيرات متعددة وقد يعقد التنفيذ. غياب التفاصيل يخلق بيئة من الشك تعيق التنفيذ الفعّال للقرار.
تجاهل التسمية الدقيقة للأطراف: القرار تجنب ذكر الأطراف المتحاربة بشكل مباشر ، مما قد يؤدي إلى صعوبة في التنفيذ وتحديد المسؤوليات وهي معضلة اخرى تضاف الى جنوح القرار إلى العموميات. على سبيل المثال لا الحصر ، لم يوضح القرار ما إذا كانت قوات الفرقة العاشرة تعتبر ضمن المقاتلين ام لا ؟. هذا الغموض يمكن أن يؤدي إلى عدم الامتثال الكامل من قبل الأطراف  التي تحمل السلاح الآن في الفاشر.
عدم الإشارة إلى نزع السلاح : القرار لم يتطرق لا من بعيد او من قريب الـي نقطة جوهرية وهي  نقطة نزع السلاح من الطرفين مما يترك الباب مفتوحاً لاستمرار النزاع المسلح ، وربما توسعه. هذه النقطة تعتبر حاسمة وجوهرية لتحقيق السلام والاستقرار على المدى الطويل. بدون نزع السلاح ، تبقى احتمالية تجدد الصراع قائمة بنسبة كبيرة جدا.
التوازن المفقود : بينما يعتبر القرار متوازناً في عدم إدانة قوات الدعم السريع بشكل صريح كما كان يرغب الكثيرين ، إلا أن هذا التوازن قد يُفهم على أنه اعتراف بسيطرتها على أجزاء من الفاشر وهي حقيقة لا يمكن تجاهلها ، مما قد يعزز موقفها التفاوضي. يمكن أن يُفسر القرار على أنه يتجاهل بعض الجوانب الحرجة من النزاع ويعطي أفضلية غير مبررة لأحد الأطراف.
التركيز المحدود: القرار ركز بشكل رئيسي على الفاشر وتجاهل الأزمة في بقية أنحاء السودان. هذا التجاهل قد يؤدي إلى تفاقم الأوضاع في مناطق أخرى ويعطي انطباعاً بأن الحلول الجزئية قد تكون كافية. تجاهل الأزمة الشاملة يمكن أن يؤدي إلى نتائج غير متكافئة ويزيد من التوترات في المناطق المهملة ، واتساع دائرة الحرب بصورة أكثر ضراوة مما مضى.
مصطلحات فضفاضة: استخدام مصطلحات مثل “حصار” دون تعريفات واضحة يترك مجالاً للتفسيرات المتباينة. القانون الدولي يتطلب تعريفات دقيقة لضمان التفريق بين العمليات العسكرية والحصار. هذه المصطلحات غير الواضحة قد تؤدي إلى تفسيرات متناقضة وتعيق ايضا التنفيذ الفعّال للقرار وفي احسن الاحوال تضع متاريس يصعب التعامل معها بسهولة.
مستقبل القرار:
مستقبل القرار 2736 يعتمد بشكل كبير على الظروف المرافقة وكيفية تنفيذه على الأرض. من عيوب القرار أنه قدم الحل الإنساني والأمني على الحل السياسي ، وهو ما كان يجب أن يكون العكس. الحل السياسي الشامل هو المفتاح لوقف الحرب في كل السودان وليس فقط في دارفور.
في الختام ، بينما يمثل القرار 2736 خطوة إيجابية في لفت الانتباه العالمي إلى الأزمة السودانية وتقديم بعض الحلول الإنسانية ، إلا أن غموضه وافتقاره لآليات تنفيذ واضحة وتقاعسه عن معالجة الجذور السياسية للنزاع يجعله غير كافٍ لحل الأزمة بشكل كامل. فاعلية القرار ستعتمد على التزام الأطراف المتحاربة والدعم الدولي المستمر لتحقيق السلام والاستقرار في السودان.
إن العمل على تنفيذ هذا القرار يجب أن يترافق مع جهود دبلوماسية مكثفة لتحقيق حل سياسي شامل يضمن وقف النزاع في جميع أنحاء السودان وتوفير بيئة آمنة ومستقرة لجميع المواطنين. تحقيق هذا الهدف يتطلب تعاوناً دولياً مستمراً ودعماً فعالاً من المجتمع الدولي.

[email protected]

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *