الجدل يتجدد حول إحداث قطب بنكي عمومي في مشروع قانون المالية 2025
انطلقت عمليات التحضير والإعداد لمشروع قانون المالية 2025، وبدأ الخبراء والمستشارون على مستوى وزارة الاقتصاد والمالية ورئاسة الحكومة التفكير بشأن صياغة وتنزيل مجموعة من المشاريع والأفكار والحلول التمويلية التي من شأنها توسيع موارد الميزانية وتغطية تكاليف الاستثمار المتزايدة لتمويل المشاريع والأوراش الكبرى، خصوصا القريبة زمنيا، على غرار تنظيم نهائيات كأسس أمم إفريقيا السنة المقبلة، و”مونديال 2030″، وكذا تعميم التغطية الصحية والدعم الاجتماعي المباشر ودعم السكن وغيرها.
وفي ظل هذه التحضيرات تجدد الجدل حول مشروع اقترح خلال فترة الإعداد لمشروع قانون الماضية 2022، وهم إحداث قطب بنكي ومالي عمومي ضخم، مهمته تقديم خدمات تمويلية لفائدة المشاريع العمومية الراهنية، ودعم التنمية الترابية وتعزيز الإدماج المالي، وكذا توفير منتجات ائتمانية للمؤسسات والمقاولات العمومية في مشاريعها التي تستهدف المصلحة العامة، إذ تدرس وزارة الاقتصاد والمالية، بالتنسيق مع الوزارة المنتدبة المكلفة بالميزانية، هذا المشروع حاليا، مع بحث أبعاده وتأثيراته على القطاع البنكي والمالي الخاص وسبل تنفيذه.
وتظهر التداعيات الأولى المرتقبة لمشروع القطب البنكي العمومي في هيكلة مساهمات الدولة بمجموعة من البنوك والمؤسسات المالية، على غرار مجموعة “القرض الفلاحي” المغرب، والقرض العقاري والسياحي (سياش)، وكذا صندوقي الإيداع والتدبير والتجهيز الجماعي، إضافة إلى بريد المغرب وفرعه “البريد بنك”، والشركة الوطنية للضمان وتمويل المقاولة “تمويلكم”، إذ يتوقع أن تلعب الوكالة الوطنية للتدبير الإستراتيجي لمساهمات الدولة دورا مهما في صياغة وتنزيل هذا المشروع، وتنسيق هذه حصص المساهمة في هذه المحفظة البنكية.
رهان التكامل المالي
تمت الإشارة إلى مشروع القطب البنكي العمومي ضمن مشروع قانون المالية لسنة 2022 من خلال “إحداث قطب مالي عمومي من خلال تقارب بين مؤسسات مالية وبنكية عمومية، موازاة مع إعادة تأطير إستراتيجية صندوق الإيداع والتدبير ومراجعة حكامتها”، الأمر الذي يطرح تساؤلات حول كيفية تحقيق التكامل المالي بين عناصر المحفظة البنكية المشار إليها، ومؤسسات مالية أخرى، من قبيل صندوق محمد السادس للاستثمار وصندوق الحسن الثاني، وكذا “إثمار كابيتال” و”أسما أنفست”، والشركة المغربية للهندسة السياحية والوكالة المغربية لتنمية الاستثمارات والصادرات.
وبهذا الخصوص أوضح محمد أمين الحسني، خبير اقتصادي، في تصريح لهسبريس، أن “مشروع إحداث قطب بنكي ومالي عمومي بقدر ما هو طموح ومشجع على ضمان استدامة المشاريع العمومية يواجه تحديا كبيرا، مرتبطا بتحقيق التكامل المالي عند تجميع مساهمات الدولة في أكثر من مؤسسة”، موردا أن “تجميع الحصص في القطاع الخاص مثلا مرتبط بإستراتيجية واضحة المعالم، قوامها عقلنة تدبير النفقات وزيادة المالية للاستثمار، والسيطرة على تكاليف الاستغلال”، ومنبها إلى أن “هذا التوجه غائب في عمليات مماثلة بالقطاع العام، حيث تظل الرؤية غامضة بشأن الأهداف المتوخاة من مثل هذه العمليات المالية”.
وأكد الحسني في السياق ذاته أن “تجميع حصص الدولة في قطب بنكي عمومي قد يهدد بتأثير سلبي على المنافسة في السوق البنكية”، موضحا أن “إحداث قطب من هذا القبيل يمكن أن يؤدي إلى تقليل الحوافز لتحسين الخدمات وتخفيض التكاليف، ما يرخي بظلاله على المستهلكين والمقاولات الصغرى والمتوسطة، التي قد تجد نفسها بدون خيارات تمويل متنوعة”، ومشددا على أن “نشاط الكيان الجديد قد يؤدي إلى تعقيد إدارة المخاطر المالية والالتزامات، على اعتبار أن مشكلة في واحدة من حصص المؤسسات البنكية المجمعة يمكن أن تؤثر على القطب الجديد بأكمله، ما يزيد من مخاطر الاستقرار المالي، بالإضافة إلى بروز تحديات كبيرة في دمج الأنظمة المالية وتوحيد السياسات والإجراءات”.
غياب رؤية واضحة
سؤال آخر مرتبط بمدى توفر الوكالة الوطنية لتدبير المساهمات الإستراتيجية للدولة، التي يديرها عبد اللطيف زغنون حاليا، ومن ورائه وزارة الاقتصاد والمالية، على رؤية واضحة بشأن آفاق نشاط القطب البنكي والمالي العمومي المزمع إحداثه، خصوصا أن الوكالة المذكورة ماضية بشكل متسارع في تنفيذ عمليات إعادة هيكلة المؤسسات والمقاولات العمومية التابعة لمجال اختصاصها، عبر دمج المؤسسات العامة، وتحويلها إلى شركات مساهمة، وعمليات الدمج والانقسام، وذلك في سياق رفع الكفاءة الاقتصادية والاجتماعية للمؤسسات المذكورة، من خلال تصحيح اختلالاتها الهيكلية وضمان تكامل وتناسق مثالي بين مهامها المختلفة.
وبالنسبة إلى أحمد مرجاني، مستشار مالي وخبير في الهندسة المالية وتسيير المنشآت الكبرى، ففي ظل غياب رؤية واضحة قد تكون إدارة المخاطر غير فعالة، ما يزيد من احتمالية تعرض القطب البنكي والمالي الجديد لأزمات مالية، موضحا أن “غياب التخطيط الجيد يؤدي إلى زيادة في التكاليف التشغيلية والمالية بسبب الإجراءات غير المنسقة والاستثمارات غير المدروسة”، ومنبها إلى أن “الغموض سيؤثر سلبا على ثقة المستثمرين والزبائن في القطاع المالي والبنكي، ويساهم بشكل غير مباشر في انخفاض الاستثمارات وتراجع الأداء المالي”.
وأشار مرجاني، في تصريح لهسبريس، إلى أن القطب المالي المستقبلي يمكن أن يستفيد من خبرة “القرض الفلاحي” المغرب في تمويل القطاع الفلاحي، وخبرة القرض العقاري والسياحي في العقارات، وكذا خبرة “البريد بنك” في الخدمات البنكية لفائدة ذوي الدخل المنخفض؛ فيما سيقدم صندوق الإيداع والتدبير خبرته في الائتمان الاستثماري والتمويل، مؤكدا أن “القطب يمكن أن يدمج صندوق التجهيز الجماعي”، وأن “الكيان الجديد سيتيح في المقابل تعبئة إمكانيات مالية مهمة”، ومستدلا على ذلك بتقديرات صادرة حول أصول القطب البنكي والمالي العام تصل قيمتها 319 مليار درهم، ما يعزز ضرورة التريث والتخطيط الجيد قبل الإقدام على تنفيذ مشروع ضخم من هذا القبيل.
المصدر: هسبريس