مكلفة ماليا ونفسيا.. هذه أسباب استمرار إقبال المغاربة على طلب “فيزا شنغن”
رغم “نسبة الرفض الآخذة في الارتفاع” وتكلفة مالية تتكبدها جيوب المغاربة وسط استمرار إشكالية “سمسرة المواعيد” التي تتحدّى كل الجهود المبذولة لـ”سد الثغرات”، يستمر منحى طلبات تأشيرة “شنغن” المقدمة من طرف مغاربة ومغربيات في الزيادة عاماً بعد آخر، مانحاً المغرب “لقب” أكثر البلدان طلبا لـ”فيزا شنغن” في سنة 2023.
لعل لغة الأرقام كاشفة في هذا الصدد عن تزايد، وفق ما أفاد به تقرير للمفوضية الأوروبية (نُشر في ماي الماضي)، بأن المغاربة احتلوا الرتبة الرابعة عالميا الأولى عربيا وإفريقياً من حيث الطلبات المقدمة للحصول على تأشيرة “شنغن” خلال العام 2023.
المعطيات الأخيرة التي نشرها موقع “شنغن نيوز” وطالعتها هسبريس، تبيّن أن دول منطقة شنغن رفضت 136 ألفا و367 طلب تأشيرة تقدّم بها مغاربة، بتكلفة مالية قاربت 118 مليون درهم (نحو 11 مليون يورو).
هذه الكلفة من المرتقب أن ترتفع أخذا بالاعتبار دخول “زيادة جديدة” (منذ يوم 11 يونيو الجاري) حيز التنفيذ، كانت قد أقرتها دول الاتحاد الأوروبي، في رسوم تأشيرة “شنغن” بمعدل 10 يورو، لتصل إلى 90 يورو بدل 80 يورو المعمول بها حاليا، ما ينذر برفع “تكلفة التأشيرات الإفريقية المرفوضة” إلى 63 مليون يورو اعتمادا على أرقام العام المنصرم.
المغرب ليس استثناءً من حيث موجة الرفض المتزايدة لطلبات تأشيرات مواطنيه، لكنه، بحسب المعطيات المذكورة، يتبوأ المرتبة الثانية بعد الجزائر (بمجموع 143.5 مليون درهم)، بينما تشكل كلفة التأشيرات المغربية المرفوضة ما يناهز 19 بالمائة من إجمالي تكلفة التأشيرات الإفريقية البالغة قيمتها 56 مليون يورو.
ولا يخفى أن المغاربة قد تحمّلوا جزء كبيرا من تبعات “برود دبلوماسي” خيّم على سماء العلاقات المغربيةالفرنسية لنحو ثلاث سنوات، دفع الحكومة الفرنسية إلى تقليص عدد التأشيرات الممنوحة للمواطنين المغاربة إلى النصف، قبل انقشاع “سحُب التوتر” بزيارة وزير الخارجية الفرنسي قبل أشهر.
في هذا السياق، أكدت معطيات المصدر ذاته تصدّر المغرب قائمة أكثر الدول طلباً لتأشيرة إسبانيا العام الماضي بمجموع 51 ألف طلب، كما تربّعوا على لائحة التأشيرات المرفوضة منها (27 بالمائة من طلبات التأشيرات رفضت).
“خرق حق التنقل”
من وجهة نظر حقوقية، يرى عادل تشيكيطو، رئيس العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، أن “استمرار هذه الإشكالية في جوهرها، أي رفض طلبات التأشيرة، لا يعني أن عدد الطلبات سينخفض”، موردا أن “ارتفاع طلبات المغاربة لتأشيرة شنغن يُفسّر بكون كثير من المغاربة أصبحت لهم أغراض متعددة الأسباب ومصالح شخصية ومهنية يسعوْن لقضائها بالبلدان الأوروبية المعنية”.
بصرف النظر عن “التأشيرة السياحية”، عدّد تشيكيطو، في تعليق لهسبريس، “أنواع هذا الارتباط، الذي يتوزع أساسًا بين مصالح شخصية أو مهنية مباشرة على مستوى مجموعة دول تعتمد تأشيرة شنغن شرطا حتميا لدخول أراضيها”، لافتا إلى أن “عددا من الآباء يضطرون لزيارة أبناء لهم يتابعون الدراسة هناك، فضلا عن السفر من أجل ملف طبي أو متابعة حالة صحية مستعصية”، مشيرا إلى “تزايد مغاربة تربطُهم مصالح تجارية واقتصادية مع نظرائهم الأوروبيين”.
“المفروض هو أن نبحث جميعاً عن حلول، غير أن الدولة بوسائلها الدبلوماسية هي المسؤول الأول عن توفير الوسائل الكفيلة التي ستمكن مواطنيها من الحصول على تأشيرة وعدم خرق حقهم في التنقل الذي يعد من الحقوق الإنسانية الكونية المتعارف عليها”، يقول تشيكيطو.
وجدّد الحقوقي ذاته التساؤل عن استمرار “طريقة تمييزية في التعامل مع طلبات المغاربة الذين يتوافدون بكثافة على مواعيد فيزا شنغن، رغم حصول المغرب على وضع متقدم”، مشددا على عدم معقولية التعامل مع المغاربة بهذا الشكل.
وبعدما أبرز أن “رفض الطلبات هو تضييق واضح وخرق سافر للمُثل الأوروبية الداعمة للحق في التنقل وعبور الحدود بشكل قانوني مع تسهيل ولوج الأجانب إلى أوروبا من شمال إفريقيا”، قال تشيكيطو لهسبريس مستغربا إن “ذلك لم يتجسد على أرض الواقع؛ إنها مفارقة تستدعي من الأجهزة التقريرية على مستوى الاتحاد الأوروبي إعادة النظر فيها بشكل جذري”.
مقاربة نفسانية
بحثاً عن محاولة تفسير تعتمد المقاربة النفسانية، أشار عادل غزالي، أستاذ علم النفس الاجتماعي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالمحمدية، إلى أن الأمر “ليس متعلقا فقط بالإقبال، بل تهافت المغاربة (وربما الدول المغاربية والدول الإفريقية كلها) على طلب الفيزا، بل التهافت ككل من أجل قضاء عطلة أو اختيار أوروبا كوجهة سياحية”، حسب تعبيره.
“يمكننا أخذ تلك الأرقام كمؤشر مقلق، ولكنها في الوقت نفسه تعكس أن العروض التي وفرها المغرب في تشجيع السياحة الداخلية لا تساير طموحاته وقدراته، بشكل يسائل الفاعلين السياحيين في المجمل (وزارة السياحة وكذا المنعشين والمسؤولين الاقتصاديين”، بتعبير غزالي في تفسيره لهسبريس، مستحضرا أن غالبية طلبات التأشيرة المرفوضة تكون من صنف “سياحية”.
وبينما أقر المختص السيكولوجي ذاته بـ”تزايد الإقبال”، استدرك بأنه “أحيانا يصل إلى مستوى الإهانة للمواطن خلال الوقوف إما في الطوابير أو معاناة أخذ مواعيد”، وأن “المواطن يكون دائما عرضة لمجموعة من العناصر المتاجرين والسماسرة بالمواعيد”.
وتابع المصرح لهسبريس متطرقا إلى “معطى آخر مزعج ومقلق أكثر بالنسبة للطلبة، خاصة في الدراسات العليا”، مستدلا بالإحصائيات عن “هجرة الكفاءات، وليس الأدمغة” حسب وصفه، مبرزا “نزيف أكثر من 6 آلاف ما بين مهندس وطبيب هاجَروا سنويا من المغرب إلى الدول الأوروبية وأمريكا وكندا، ثم ثلاثين ألف طالب في تخصصات أخرى، دون نية الرجعة، بشكل يسائل السياسات التعليمية أو البحث العلمي”.
كما نبه أستاذ علم النفس الاجتماعي إلى أن “زيادة الإقبال المهول تجعل طالبَ التأشيرة طُعما سائغا ووسيلة سهلة الاستغلال والابتزاز من طرف السماسرة”، متأسفا بشدة لما يقع من “استمرار الاستغلال الرمزي الصعب جدا”.
وأشار غزالي إلى أن المشكل متمثل في “المحنة النفسية للمغربي عندما يرغب بالحصول على موعد الفيزا وما تدرُّه هذه العملية من أرباح طائلة بالنسبة لمستخلصِي تلك الرسوم”، منوها أيضا إلى “أثر المقارنة الاجتماعية المستمرة في وعي وتمثلات المغاربة لجودة الحياة والمستوى المعيشي والحقوقي بأوروبا”.
المصدر: هسبريس