مؤتمر سوداني للحوار في القاهرة .. هل مصر مؤهلة لحل (الأزمة)؟
د. الهادي حسين
مع إعلان الحكومة المصرية عن استضافتها مؤتمراً سودانياً للحوار الوطني في القاهرة أواخر يونيو الجاري، يضم كافة القوى السياسية المدنية للتداول حول سبل بناء السلام الشامل والدائم المؤسس على رؤية سودانية خالصة، كما قال البيان الإعلاني الصادر رسمياً في ها الصدد، عادت الأسئلة المركزية والمحورية التي تخطر على ذهن كل سوداني وسودانية؛ إلى السطح مرة أخرى، وأبرزها: لماذا في هذا التوقيت بالضبط، بعد الاعلان عن المؤتمر التاسيسي لتنسيقية (تقدم) بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا والنجاح الكبير الذي حققه؟، وما هي القوى المدنية السودانية التي تستهدفها الحكومة المصرية بالمشاركة في مؤتمرها هذا؟ وهل ذلك سيحقق الاستقرار ويساعد السودانيين على تجاوز ما سماها البيان المصري بالأزمة؟ وما علاقة مصر بهذه الأزمة؟.
إن الإجابة على هذه الأسئلة وغيرها، ستجعلنا نقترب أكثر من حقيقة وجوهر الدور المصري مما سماها بيان الحكومة المصرية بالأزمة السودانية، وهذا بالطبع توصيف مُضلل للحرب الضروس التي أشعلتها قيادة الجيش المختطفة من قبل جماعة الإخوان المسلمين بالتنسيق مع فلول النظام السابق ومع السلطات المصرية نفسها الداعمة بما لا يخفى على أحد لجميع المساعي والتدابير التي بذلتها هذه الجهات لضرب القوى المدنية وإجهاض التحول المدني الديمقراطي في بلادنا.
إذاً، مصر غير مؤهلة لتنظيم مثل هذا المؤتمر، بل هي متورطة في الحرب وقبلها في انقلاب 25 اكتوبر 2021، وبالطبع هي متآمرة على الدوام على الشعب السوداني وعلى القوى المدنية الديمقراطية، وقد فشلت مرات عديدة في خلق (تحالف) سياسي موازٍ لـ(تقدم)، لأن من تطلق عليها القوى المدنية؛ ما هي إلا مجموعات من المتكسبين في الحرب السودانية الراهنة، من سدنة وفلول النظام السابق، وبعض أطياف من الحركات المتمردة السابقة التي وقعت اتفاقية سلام جوبا مع حكومة الثورة وأفراد من الإدارات الأهلية (زعماء القبائل) أبرزهم شيخ قبيلة الهدندوة بشرق السودان (الناظر ترك) المعروف بولاءه للنظام السابق وانتماءه لجماعة الإخوان المسلمين وأحد أعمدة الفلول الذين أجهضوا المسار الديمقراطي، ودعموا انقلاب البرهان في أكتوبر، 2021 ، إذاً وببساطة، فإن المؤتمر الذي دعت إليه الحكومة المصرية ما هو إلا مؤتمر لفلول النظام السابق والانقلابيين وبعض الانتهازيين وسماسرة السياسة، وهؤلاء جميعهم محض كيانات وأفراد لا يجدون الحد الأدنى من القبول داخلياً وخارجياً، ولا أحد يعترف بهم ممثلين للشعب السوداني، فقط ما يميزهم هو قدرتهم الفائقة على تحقيق المصالح المصرية وأهمها اجهاض احلام السودانيين بالحرية والديمقراطية ، والسلطات المصرية تعلم يقيناً أنهم أعداء للتحول المدني الديمقراطي، حيث يسوءها أن ترى نظاماً سياسياً وطنياً مدنياً ومتقدماً في الجوار ، لذلك فإن مبلغ همها هو اجهاضه، وهناك شواهد كثيرة على ذلك لا يمكن حصرها في هذه المساحة.
الحقيقة أن مصر غير مؤهلة لتنظيم أية مؤتمرات ولقاءات وحوارات ذات صلة بإيجاد حلول للحرب السودانية، ليس فقط لأنها الداعم الأول لانقلاب البرهان على الحكومة المدنية الانتقالية وإجهاضها، بل لأنها ساهمت وخططت ومولت وشاركت في هذه الحرب بشكل مباشر، وبالتالي تعتبر طرفاً غير محايد فيها، وهذا ليس تجنياً عليها، وإنما هي الحقيقة التي يعلمها العالم كله، وتدعمها الأدلة والإثباتات والبراهين. والحقيقة الأهم أن اعلان مصر لمؤتمرها في هذا التوقيت إنما يأتي لخلط الأوراق مجدداً بعد نجاح مؤتمر (تقدم)، بغرض تقزيمها وتقديمها باعتبارها “سبيطة” موز أخرى، لا تحالف ديمقراطي يحظى بقبول واسع داخلياً وخارجياً.
أكثر من ذلك، تعتبر مصر فاعلاً رئيسياً في استمرار هذه الحرب وتجاوزها لأكثر من عام، حيث حرضت (أمرت) قيادة الجيش بالتنصل من منبر جدة، ومن مساعي الاتحاد الأفريقي ممثلاً في الهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد) وخلق أزمات عميقة بين (حكومة الحرب) في بورتسودان وهاتين الجهتين النافذتين أفريقياً.
الآن، ومهما سابقت الحكومة المصرية الزمن، فإن مصير مساعيها من أجل خلق تحالف سياسي مدني (مزوّر)، أي نسخة مُنتحلة من تنسيقية القوى المدنية (تقدم)، هو الفشل الذريع، وذلك لجملة أسباب، على رأسها أن (تقدم) أصبحت الجهة الوحيدة المعترف بها شعبياً ودولياً وإقليمياً (عدا مصر) بأنها الممثل الأكثر شرعية وقبولاً، بل الأكثر تعبيراً عن الشارع الثوري والحلم المدني الديمقراطي في السودان.
أما فلول النظام السابق والانقلابيين ذيول الإخوان المسلمين والانتهازيين واللصوص، ممن تطلق عليهم الحكومة المصرية قوىً مدنية سودانية وتبذل لها من (ميزانية) شعبها الفقير ، فهؤلاء جزء من الحرب الدائرة الآن، يشاركون فيها ويخوضونها، فضلاً عن أنهم لا يجدون قبولاً لا في الداخل أو الخارج، ومهما علا صوتهم فإن الجميع يعلم من هم.
على السلطات المصرية أن لا تبيع الأوهام للعالم، الذي مهما خدعت بعضه فانها لن تخدع الشعب السوداني وقواه الحية، ولا يمكن خداع أحد بهذه الرجرجة الانتهازية والتسويق لها بأنها قوى مدنية داعمة لوقف الحرب والتحول الديمقراطي، فهؤلاء ظل ولايزالوا يتبنون شعار (بل بس) أي استمرار الحرب وحسمها في ميادين القتال لا طاولات المفاوضات، حتى أطلق عليهم الشعب السوداني مصطلح (البلابسة)، ومعظمهم لديهم مليشيات تشارك في الحرب الممولة من مصر نفسها، بجانب قيادة الجيش التي تسيطر عليها جماعة الإخوان المسلمين.
هذه هي الحقيقة، ما سواها محض تُرهات لن تصمد طويلاً، وعليه فإننا نقول منذ الآن، أن هذا المؤتمر فاشل، ولا داعٍ لتبديد (فلساً) واحداً من ميزانية الطبقات الفقيرة من الشعب المصري الشقيق في الصرف عليه. هذا حرام .. حرام أن تدمر جارك وتفقر شعبك، اما بالنسبة لقوى (تقدم) فاننا نقول لهم ان مشاركتكم في مؤتمر الخداع هذا سيجعلكم مثلكم مثل تلك المرأة الخرقاء التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا.
ملبون استراليا.
المصدر: صحيفة الراكوبة