اخبار السودان

الروس قادمون.. العلاقات الروسية السودانية بين الاستراتيجي والتكتيكي

 

مجدي عبد القيوم

السودان لم يكسب شيئا من موالاة الغرب

في عالم اليوم شهدنا كيف يمكن أن تكون السفارات قواعد عسكرية

ينبغي أن تتطور العلاقة البينية إلى شراكة استراتيجية

العالم بحاجة لنشوء حركات تحرر وطني وفقا للسياق التاريخي

آثار الإعلان عن اعتزام الحكومة توقيع عدة اتفاقيات مع روسيا في شتي المجالات غبار سياسيا كثيفا سيما الجزئية المتعلقة بمنح روسيا نقطة تزود او قاعدة عسكرية علي البحر الأحمر وتباري عدد من الكتاب في إبداء تخوفهم “أو كما يبدو’ وفقا أو انطلاقا من سرديات اثر ذلك في إطالة لأمد الحرب وادخال البلاد في نفق سياسة المحاور وان ذلك يعني قطع الطريق أمام التحول المدني الديمقراطي ون وجود قاعدة عسكرية ينتقص من السيادة وما إلي ذلك من ذرائع وحجج أوهي من خيط العنكبوت و ادعاءات لا تصمد أمام المنطق السليم
في البدء معلوم أن تسليح الجيش السوداني شرقي وروسي في الاساس وبالتالي طبيعي أن تكون روسيا أحد أهم الدول التي يستورد منها الجيش السلاح وفقا لمحددات الشراء التي يمكن أن تتم في أي صفقة تجارية بين طرفين
هذا ما ينبغي توضيحه اولا
ما يتعلق بالتواجد الروسي في الأراضي السودانية فهذا متصل بالاستراتيجي للسودان وروسيا وكما هو معلوم فقد طلبت روسيا قبل سنوات السماح لها ببناء قاعدة عسكرية في فلامنجو وتم توقيع اتفاق مبدئي مع نظام الانقاذ ولم تتم شرعنته دستوريا بمعني ان كان في طور الحصول علي موافقة المجلس التشريعي وبعد ثورة ديسمبر تم الغاء الاتفاقية تاسيسا علي أنها لم تعرض علي المجلس التشريعي ومن المؤكد أن هذا لمن يكن ألسبب الحقيقي فمن الواضح أن ذلك نتاج ضغوط من أمريكا ووكلاءها في المنطقة العربية التي تتذرع بأن وجو قاعدة روسية علي البحر الأحمر يمثل تهديدا لامنها القومي وهي محض ذرائعية للتجمل لأخفاء الحقيقة وهي أن أمريكا ترفض ذلك فليس راعي الضأن وحده الذي يعلم أن أمريكا هي التي تحمي تلك الانظمة بل حتي أي من البهائم التي يرعاها تعلم ذلك
إذن هذه كانت اول محاولة رسمية من قبل روسيا تمكنها من الوجود الرسمي المقنن.
الآن عادت روسيا وجددت الطلب
لذلك لا يمكن القول بأن روسيا ربطت دعم الجيش بالتواجد علي الارض
في تقديري أنها لن تدخر وسعا لتحقيق هذا لأن الامر متصل بالصراع الدولي علي الممرات المائية في العالم وهي جزئية ذات صلة بالمسالة الاقتصادية وصراع المحاور في المنطقة لأهمية البحر الأحمر الذي تمر به حسب الخبراء ١٣% من التجارة العالمية
من الناحية العسكرية
فقطعا روسيا كدولة عظمي تملك ترسانة أسلحة متنوعة فإن أي دعم عسكري لها لاي دولة سواء أن كانت في حالة حرب أو في إطار الجاهزية يؤثر بالتأكيد في قدرات الدول من ناحية عسكرية وبالتالي فإن ذلك يقلب الموازين لصالح الجيش السوداني في معركته مع مليشيا الدعم السريع وهذا هو السبب الحقيقي وراء هذا الزعيق الذي ملأ الاسافير من الجهات المرتبطة بحلفاء امريكا في المنطقة العربية ووكلاءهم المحليين الذين ذكرتنا كتاباتهم بالكاتب المصري ابراهيم سعده صاحب كتاب (الروس قادمون) الذي مثل مانفستو لكل من يريد التخويف من الاتحاد السوفيتي انذاك وما اشبه الليلة بالبارحة.
في تقديري أن التقارب بين السودان وروسيا بالنسبة لروسيا استراتيجي ولا شك بالنظر للموقع الجيوسياسي للسودان من ناحية وتأثيره في العمق الأفريقي وما يمكن أن تسميه بسياسة ملء الفراغ التي تنتهجها روسيا بعد الصراع الاورامريكي في أفريقيا وخروج فرنسا من أفريقيا لذلك في تقديري المسالة أكبر من موضوع الحرب
في تقديري أن التعاون مع روسيا أو الشرق عموما اتي متأخرا بعض الشيء فقد ظلت بلادنا تقتفي اثر الغرب وحلفاءه بالمنطقة منذ سبعينات القرن الماضي مع أنها كانت جزء من دول عدم الانحياز ابان صراع الحرب الباردة بين المعسكرين .هذا الانسياق للغرب وتحديدا لامريكا لم يجلب للسودان إلا الويلات والأنظمة القمعية عسكرية كانت أو عسكرية متدثرة بثوب المدنية التي سامت شعبنا العذاب واضرت ببلادنا ضررا بليغا
الآن وفي ظل مرحلة الانعطاف التي يمر بها العالم من الضروري إعادة النظر في سياسة التبعية هذه وفي تقديري أن ثمة شواهد بنهاية الأحادية القطبية وبروز دور المحور روسيا الصين الذي قد يمثل ترياقا لعربدة أمريكا ويكبح جماح هذا العنف الذي نشرته علي نطاق واسع من العالم
بالتالي التعاون السوداني الروسي مطلوب في هذا الوقت بالذات الذي تشهد فيه البلاد حربا بالوكالة هي في إطار حروب الجيل الرابع وفي سياق سياسة نهب الموارد التي تنتهجها أمريكا تحديدا عبر وكلاءها في المنطقة
هذا التعاون يقطع الطريق أمام مشروع تفكيك وتفتيت البلاد الذي ترعاه أمريكا وتنفذه الإمارات عبر الدعم السريع كفصيل عسكري وتحالف تقدم كغطاء سياسي مدني
مؤكد أن امريكا ووكلاءها بالمنطقة لن يقفوا مكتوفي الأيدي بل وهذه طبيعة الصراع سيعملون علي إثارة غبار كثيف حول هذا الاتفاق ولعل طريقة تناول زيارة مساعد وزير الخارجية الروسي ميخائيل بغدانوف في أبريل المنصرم للسودان في الاعلام تشف عن ذلك فقد تبارت فاترينات العرض المسماة قنوات اخبارية والتي تركز علي عرض الحسان الغيد اللائي يتقن فن لغة الجسد لزيادة الابهار و يدسن السم في الدسم ويستضيفن الدوبليرات والدمي التي تنتج في معامل الأجهزة الاستخباراتية الذين يتحدثون عن الثورة دون ادني معرفة بالنظرية الثورية أو حتي الالتزام التنظيمي في حزب ثوري
حاولت هذه القنوات التقليل من الاثار الايجابية لها مع أن المسؤل رفيع المستوي واصطب معه وفدا كبير وناقش تطوير العلاقات بين البلدين في شتي المجالات
مع ذلك فأعتقد أن التهديد الذي يجابه الدولة السودانية في وجودها سيدفع قادة الجيش إلي المضي قدما حتي نهاية الشوط إلي ان تصبح العلاقة أستراتيجية ولن يضير بلادنا ذلك بل يخلق نوعا من التوازن يساعد في دفع حوافر خيل اليانكي ولا نري منطقا في ان دخول روسيا يدخل للبلاد في نفق سياسة المحاور فالشاهد أن الغرب ايضا محور توطنت فيه البلاد وحجزت لنفسها مقعدا وثيرا فيه طول الحقب التاريخية أو القول بأن وجود القواعد العسكرية ينتهك سيادة البلاد فهذا المفهوم تاريخي من حقبة الستينات بتاثير سياسات العولمة وهو كغيره من كثير من المفاهيم بحاجة إلي ضبط وإعادة نظر فقد شهد العالم كيف تحولت السفارات إلي ثكنات عسكرية خرجت منها العربات التي تحمل اللوحات الدبلوماسية لتدهس الثوار أثناء التظاهرات التي تطالب بالحرية والانعتاق من الدكتاتورية بل تحولت إلي مسالخ للبشر في بعض الحالات وفي بلادنا تحولت سفارات إلي وكر للجواسيس وتجنيد العملاء وتجميع وتسليح المرتزقة وتقديم الدعم اللوجستي لهم وانه لعمري دور أكثر تأثيرا من دور القواعد العسكرية أن مفهوم السيادة في عالم اليوم مثل مفهوم حركة التحرر الوطني والذي يبدو اننا بحاجة إلي تنظير حوله وكيفية المساهمة في تشكيله وفقا للسياق التاريخي والتطورات في عالم اليوم.
أن الراي القائل أن دخول روسيا إلي السودان يتسبب في إطالة امد هذه الحرب القذرة مجرد حديث جزاف و مزاعم تفندها حقائق التاريخ ووقائعه فمعلوم أن الغرب أو بالأدق أمريكا تنتهج سياسة إدارة الازمات وليس حلها والسبب ببساطة لأنها تشعل هذه البؤر لخدمة أهدافها الاستراتيجيةولن تخسر هذه البلاد أكثر مما خسرت جراء هذه الحرب التي يشنها علي بلادنا لصوص الموارد ووكلاءهم وعملاءهم المحليين واي الأنظمة علي مستوي العالم هذه التي تعمل علي ترسيخ الديمقراطية ولا تدعم الانظمة الشمولية سيما في المنطقة؟ هذه محض بروباغندا غربية تروج لها ابواقها سواء في الفضائيات أو الميديا فالشاهد أن الغرب لا يدعم فحسب أنظمة الخليج العربي مثلا بل يحميها كذلك ويوقع معها اتفاقيات دفاع مشترك وصفقات أسلحة بمليارات الدولارات ولا اعتقد ان هناك من يدعي أن أنظمة الخليج العربي أنظمة ديمقراطية
بالتالي الحديث عن أن أي اتفاق مع روسيا هو واد لاحلام الشعوب بالتحول المدني الديمقراطي وان النظام الروسي استبدادي يدعم الأنظمة الضعيفة هو حديث لا يقول به سياسي إلا لخدمة اغراض أو كان في نفسه شىء من حتى ما فالساسة يدركون جيدا أن السياسة الخارجية لامريكا هي برغماتية لا صلة لها بالمبدئية ولا تعنيها طبيعة الانظمة استبداية أو ثيوقراطية المهم أن تحقق لها مصالحها وحقائق التأريخ تقول بأن الغرب عمل علي تقويض انظمة وحكومات اتت عبر صناديق الانتخابات ولسنا في حاجة لزيارة دار الوثائق للبحث في ملفات سلفادور الليندي في شيلي فالتاريخ القريب ينبئنا أن أمريكا هذه التي يتغني بها حتي بعض اليساريين فعلت الافاعيل للتخلص من شافيز في فنزويلا الذي حملته الجماهير للحكم حتف انف اليانكي وكذلك لم تترك للولا دي سيلفا من صفحة يتكي عليها
الغريب أن بعض اليساريين يتحدثون عن دكتاتورية بوتين وكانوا في زمن الاتحاد السوفيتي يبررون لدكتاورية لجرائم ستالين وقبضته التي لم يسلم منها حتي الرفاق بان السياق التاريخي والتكالب واستهداف الثورة الروسية اقتضي ذلك وهو قول فيه بعض من صحة يتجاهلون أن الغرب الراسمالي وحلفه العسكري الناتو يحاول عبثا الإجهاز علي روسيا بطعنة علي خاصرتها ويعبث في حديقتها الخلفية وهي انتقائية لا علاقة لها بمنهج تحليل ولا نجد تفسيرا لمواقف بعض اليساريين إلا أن رددنا ذلك إلي تأثرهم بالذهنية الجمعية التي يشكلها “غزو البلهاء” وتلك هي المصيبة ولعله هذيان حمي “النستالوجيا” ولا يسعنا الا أن نشاركهم في محبة ونغني
همسات من ضمير الغيب تشجي مسمعي
وخيالات الاماني رفرفت في مضجعي
عربدت بي هاجسات الشوق إذ طال النوي
وتوالت ذكرياتى عاطرات بالهوي

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *