“المسطرة المدنية”.. محامون يحذرون البرلمان من قانون “يعيد المغاربة 100 عام إلى الوراء”
دعا محامون، نواب الأمة إلى التريث وعدم التسرع في تمرير مشروع قانون المسطرة المدنية، محذرين من أن اعتماده بالصيغة الحالية المعروضة على أنظار البرلمان، والتي لا تحظى بتوافق باقي المهن القانونية والقضائية، سيؤدي إلى ظهور عيوب في المساطر والإجراءات.
بالمقابل، أكد رشيد وظيفي، مدير الشؤون المدنية والمهن القانونية والقضائية بوزارة العدل، أن الوزارة “مستعدة لتلقي اقتراحات ذات قيمة مضافة تتعلق بالنص القانوني، وتنسجم مع الهدف والغاية التي نسعى لتحقيقها جميعا”.
100 عام إلى الوراء
في هذا السياق، التمس الحسين الزياني، رئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب، في مداخلة له ضمن يوم دراسي نظمته لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب، أمس الثلاثاء، حول مشروع قانون المسطرة المدنية، من النواب البرلمانيين التريث وعدم التسرع في اعتماد هذا المشروع، الذي يعتبر العمود الفقري للتقاضي، مسجلاً أن هناك شبه إجماع على أنه غير ملائم للمرجعيات والمبادئ الكبرى والتوجهات الاستراتيجية للبلاد.
وأضاف الزياني: “من يقول بأن مشروع القانون يضمن النجاعة القانونية، أقول له بأن قواعد المسطرة المدنية هي مزيج من الإجراءات والقواعد الإجرائية التي تنظم عملية التقاضي وأخرى مرتبطة بحقوق المتقاضي الذي هو المحور”، مبرزاً أن الحاضن لمشروع المسطرة المدنية هم المتقاضون بالدرجة الأولى، إضافة إلى باقي الفاعلين من المحامين والقضاة والمفوضين القضائيين والخبراء والعدول.
وأوضح أنه “من باب الإفادة يجب العودة إلى الهدف الفرعي السادس من ميثاق إصلاح منظومة العدالة، وهو تسهيل الولوج إلى القانون والعدالة وتطوير المساعدة القانونية المجانية للمواطن”، مؤكدا أن “الهدف هو تعزيز الضمانات الممنوحة للمتعاملين مع المهن القضائية والقانونية بالتنصيص عليها، ليس فقط في المسطرة المدنية، بل في القوانين المنظمة لهذه المهن”.
وجدد رئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب دعوته للنواب بالتريث، حيث قال: “أترجاكم تريثوا، نحن أمام قانون سيعيدنا 100 عام إلى الوراء، ونحن نريد قانوناً متطوراً يوازي تطلعات وطموحات المجتمع”، مضيفا “نداء للنواب أن يكونوا في الموعد مع التاريخ، هذه لحظة تاريخية لتقوية دولة الحق والقانون والمؤسسات، ويتعين بالأساس تقوية سلطة العدالة”، مشددا على أن “استقلالية العدالة وحقوق المواطن، وتحصين الدفاع وتقويته هو لبنة أساسية في تقوية صرح العدالة، لكي تتجه بلادنا نحو مؤسسات قوية وذات مصداقية”.
مشروع “كارثي”
من جانبه، قال المحامي والبرلماني الاستقلالي، لحسن العمود، إن الجميع يعلم بأن مشروع المسطرة المدنية، هو القانون الأم والعمود الفقري، مضيفا أنهم يشتغلون داخل لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب “في ظروف غير عادية”، مبرزا أن جميع المهنيين من نقباء المحامين ورئيس جمعية هيئات المحامين، ورئيس هيئة العدول، والمفوضين القضائيين، والخبراء يجمعون على أن هناك انعداما للمقاربة التشاركية في إعداد مشروع قانون المسطرة المدنية.
ولفت إلى أن مجموعة من المداخلات تشدد على ضرورة التريث وعدم الاستعجال في هذا الورش المهم، لأنه مرتبط بمستقبل البلاد، مذكرا بوجود تعليمات ملكية للتعامل مع هذا الورش بتأنٍ. ونبه إلى أن تمريره بوتيرة سريعة سيؤدي إلى ظهور عيوبه بعد عام من التطبيق، لافتا إلى أن “الأساتذة الجامعيين وضعونا في الصورة من الناحية النظرية، ولكن من يمارس هو المحامي والقاضي هو الذي يطبق”.
وأشار البرلماني الاستقلالي إلى أن المفوضين القضائيين تم تغييبهم، رغم اللقاءات التي عقدت معهم، إذ لم تأخذ الوزارة بعين الاعتبار مقترحاتهم، وكذلك مقترحات رئيس جمعية هيئات المحامين، مضيفا أن التبليغات والمنصة تعاني من مشاكل، مشددا على أن المادة 382 من مشروع القانون “كارثية وتميز بين المؤسسات العمومية وبين المواطنين فيما يخص التنفيذ، حيث يمكن للجماعة المحلية أو الدولة أن تطعن وتوقف التنفيذ، في حين أن طعن المتقاضي العادي لا يوقفه”.
في سياق متصل، قال العمود إنه على الجميع أن يتحمل مسؤوليته، من المهنيين والنواب، ووزير العدل، ومدير الشؤون المدنية، ومديرة التشريع، لأن هذه أمانة على عاتقنا وعلى أبنائنا والوطن، مؤكدا أن مرحلة التعديلات يجب أن تأخذ بعين الاعتبار جميع الملاحظات المثارة، وإلا فإن القانون عندما يدخل حيز التنفيذ، ستظهر عيوبه.
وأكد محامون في مداخلات متفرقة خلال هذا اليوم الدراسي أن مشروع المسطرة المدنية، يتجه للتخلي عن الدور التاريخي للمحامي، محذرين من أنه سيجعل المحامين مجرد وسطاء يقومون بـ”أعمال سخرة” لباقي المهن القضائية، مشيرين إلى أن هذا المشروع يلزم المحامي بأداء الرسوم القضائية والقيام بالإجراءات نيابة عن موكليه، مما قد يؤدي إلى انتهاك الذمة المالية للمحامين والمتقاضين.
مشروع قابل للنقاش
وفي تفاعله مع المداخلات، قال رشيد وظيفي، مدير الشؤون المدنية والمهن القانونية والقضائية بوزارة العدل، إن الجميع من الناحية المنهجية متفق على أن هناك توجسا كبيرا من المشروع، وهذه مسألة طبيعية، لأن التغيير دائما يستتبعه توجس وتخوف، خاصة وأننا انتظرنا 50 سنة لنغير القانون الأم، مضيفا: “أفهم وأعي جيدا أن لكل جهة مقاربة موضوعية من ناحية نظرها للمشروع، وأقبل أيضا أن يدافع كل جهة عن وجهة نظرها”.
واعتبر وظيفي أن دور وزارة العدل هو أن تصغي لهذه المقاربات جميعها، وأن تقترح في إطار ما يخوله لها الدستور مبادرة ترمي إلى هدف واحد وهو خدمة مرتفق العدالة والمواطن، مشيرا إلى أن الوزارة مستعدة للاستماع لكل الملاحظات، ومناقشة مشروع القانون مادة تلو الأخرى في لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان.
ورفض المسؤول في وزارة العدل وصف مشروع المسطرة المدنية بأنه “يحتقر المواطن”، مؤكدا أن هذا الوصف “يحمل نوعا من المغالاة”، مسجلا بارتياح تدخل رئيس جمعية هيئات المحامين، عندما قال إن المشروع يسجل ملاحظتين؛ الأولى أنه يخدم السرعة في التقاضي، والثانية أنه ينظم الولوج إلى العدالة، وهذا هو المطلوب، لأن المواطن يجب أن يحصل على الخدمة في زمن معقول.
وأكد أن وصف القانون بأنه “غير دستوري” يحتاج إلى مناقشة وتفصيل، مشيرا إلى أن وزير العدل أكد أن مشروع القانون قابل للنقاش، موضحا أن وزارة العدل، في إطار مقاربتها التشاركية، استمعت إلى جميع المتدخلين في الحقل القضائي، واستمرت المناقشة لأكثر من سنة ونصف في الأمانة العامة للحكومة، وناقشت مع جميع المؤسسات العمومية وخاصة المهنيين واستمعت لملاحظاتهم، مؤكدا أن الوزارة دائما مستعدة لتلقي الاقتراحات، ولكن يجب أن تكون لها قيمة مضافة وأن تغني النص القانون وتكون منسجمة مع الهدف والغاية من القانون.
المصدر: العمق المغربي