اخبار المغرب

الشعبوية تتحول إلى سلطة .. و”الأوليغارشيا” تلتهم البورجوازية الوطنية

قال الكاتب والمفكر المغربي حسن أوريد إن ما كان يخشاه هو “تحول الشعبوية إلى سلطة في العالم العربي، وهو ما حدث بالفعل”، مؤكدا استمرار وجود “أسئلة حارقة لا يمكن لأي شخص يُعنى بالعالم العربي ألا يطرحها بغض النظر عن دراسة حالة الشعبوية التي هي في نهاية المطاف عرَض Symptôme يستدعي الذهاب إلى سبب الداء”.

وأضاف أوريد، أمس الثلاثاء عند تقديم أحدث إصداراته: “إغراء الشعبوية في العالم العربي”، بفرع مؤسسة “فريدريش إبرت” في الرباط، أن “الكتاب عوض أن يكون مجرد توصيف لحالة الشعبوية كان تفكيرا حول العالم العربي”، معتبرا أن “السؤال عن هذا العالم يستثير الذين هم جزء منه كما يستثير من هم خارجه؛ فكل شخص في المنطقة، سواء كان يعتبر نفسه عربيا أو غير عربي، لا بد أن يطرح سؤال لماذا لم يتطور العالم العربي؟”.

وأورد الأكاديمي البارز، الذي صارت تيمة الشّعبوية تحظى باهتمام كبير في منجزه العلمي، أن “هذا السؤال الذي طرحه شكيب أرسلان سابقا بصيغة لماذا تأخر المسلون وتقدم غيرهم؟ يعاد طرحه بشكل مختلف، بحيث يأخذ صيغة معينة: لماذا فشلت الحداثة (وليس التحديث) في العالم العربي، والحال أن هذا العالم كان واعدا وكان يعتبر قوة ثقافية؟”.

وبعدما عرض صاحب الكتاب صعوبة أن “يدير الغرب ظهره للعالم العربي، لأن شؤونه تهم العالم كاملا”، وأيضا لأن “المنطقة بالأساس تشكل لاوعيا تاريخيا بالنسبة للغرب”، أكد أن “المعاينة التي خص بها هذا الحيز الجغرافي والثقافي والسياسي جعلته ينتهي إلى فشل كل الانتقالات الديمقراطية”، وقال: “ليست هناك تجربة انتقال ديمقراطي ناجحة في العالم العربي. فقد بدأت إرهاصات أولى، منذ الثمانينيات مع ‘خريف الغضب’ في الجزائر، وانتهت إلى ‘عشرية سوداء’، وآخر تجربة كانت واعدة وهي التجربة التونسية التي انتهت إلى ما يشبه نوعا من الانقلاب”.

وتطرق المؤرخ السابق للمملكة المغربية إلى “إخفاق الربيع العربي”، الذي قدم فيه معطى يبدو “جديدا” في تفكيك “البوار” الذي انتهى إليه، وربطه بـ”الأسباب الخارجية الكامنة في عدم مواكبة الغرب، سواء أوروبا أو الولايات المتحدة الأمريكية، لانتفاضات هذا الربيع”، وذلك، حسبه، “على خلاف مناطق أخرى، حيث واكب هذا الغرب تحولات كبرى، كما برنامج مارشال بعد الحرب العالمية الثانية أو التحول الذي عرفته بعض الدول في شرق آسيا على غرار كوريا، أو مؤخرا أوروبا الشرقية التي حظيت بدعم من الاتحاد الأوروبي”.

ولم يغفل الكاتب مع ذلك العوامل الداخلية التي أدت إلى “إعلان وفاة الربيع”، وظلت متداولة في الخطاب التحليلي منذ أزيد من عقد، وهي انتفاء ما اعتبرها أوريد “رؤية أو تنظيم”، وزاد: “كما لم تكن هناك قيادة، وكل ذلك فت منه وأضعف منه، لكون هذه العوامل اعتبرت لوهلة نقط قوة، والحال أنها مواطن ضعف”، مضيفا: “لا يمكن في نهاية المطاف إنجاح انتقال بدون قوة تنظيمية وبدون قيادة”.

وانتقل المتحدث مباشرة إلى نقطة أخرى قال إنها تشكل فصلاً من المؤلف، وهي “فشل الإسلام السّياسي”، الذي سجل أنه “اعتُبر لفترة كما كان يقال باللغة الفرنسيةLa grande idée، أو الفكرة الكبرى الناظمة لما يجيش ويعتمل في هذا العالم، كما كان الأمر مع ‘القومية العربية’ في القرن الماضي”، وأورد: “الإسلام السياسي الذي زاول السلطة أخفق. ولم يعد ممكنا الحديث ولا تقييم الإسلام السياسي بناء على الخطاب، ولكن بناء على الأداء الذي كان باهتا”.

وبعدما استدل في “حديثه المؤّسَّس” بنموذج ما آل إليه التيار الإسلامي في مصر، ثم عاد إلى الهزيمة التي تجرعها حزب العدالة والتنمية المغربي، أوضح الكاتب:

“إذن لا يمكن إلا إذا أردنا حقيقة أن نصمّ ونستغشي ثيابنا ونقول إن الإسلام السياسي لم يخفق. طبعاً هناك عوامل أخرى كالدولة العميقة وما شئنا، لكن النتيجة هو أن الإسلام السياسي أخفق”، وتابع شارحا: “ولربما انتقلنا من الإسلام السياسي الصلب إلى إسلام سياسي سائل موجود ثقافيا ولكن لم يعد بتلك القوة الصلبة التي كانت قائمة وحركت الشارع وأثرت في النخب وكانت حاضرة في مجسم المجتمع المدني”.

وربط أوريد بين هذه العناصر وبين خلاصاتها في قيام “الدولة الوطنية أو الهوية الوطنية”، وواصل: “أصبحت كل دولة في العالم العربي تركز على خصوصيتها وما تسمى الدولة أولا، كمصر أولا، الأردن أولا، الجزائر أولا. إلخ. فأصبحت كل الدول في المنطقة تنأى عن أي انتماء جامع، لتركز على هوية وطنية على أساس أولويات ومصالح، ولكن كذلك لتستوعب الهويات الفرعية (…) إضافة إلى استعداء الآخر وخلق العدو إذا لم يكن موجودا”، ومضى قائلا: “هذه الوضعية تخلق ما أسميته حالة شعبوية، وهذه الحالة هي التي تؤدي إلى ما يسمى الطلب الشعبوي”.

وزاد المتحدث ذاته: “في ظل هذه الأوضاع تبدو المسألة السياسة غير محسومة وظلت كعقدة لم تحل. والمشكل أعمق مما يقال في أدبيات الأمم المتحدة إنه مرتبط بالحوكمة. المشكل الأساسي هو أن الشعوب في العالم العربي لا تختار حكامها ولا تختار السياسة التي تحكم بها كما هو الحال في باقي أرجاء الأرض. ومازال العالم العربي استثناء ثقافيا إن صح هذا التعبير”.

ووضع “عراب الشعبوية” الأصبع على مسألة محورية: “الاقتصاد غير التنافسي لهذا العالم العربي، الذي لا يستطيع أن يستوعب جحافل الشباب، ويركز الهوة بين أقلية نافذة وأغلبية”، وتابع: “وهاته التفاوتات الكبرى هي أكبر ما تكون في المنطقة منه في أرجاء أخرى. والحال أن الأسباب العميقة هي أن الاقتصاد في العالم العربي يشكو أدواء ثلاثة، أولها اعتماده على الريع، والرأسمالية المحاباتية وإمساك أوليغارشيا بتلابيب الاقتصاد، وكذلك الفساد”.

واسترسل أوريد: “هذه الأوليغارشية ترفض المشاركة السياسة لأنها إحدى الدعامات الأساسية للسّلطوية؛ والفساد ليس المقصود به فقط العمولات بل الامتيازات، فالاقتصاد في المجال العربي لا يستجيب لتطلعات الشعب ولكنه أداة بيد أوليغارشية. وهذه الظاهرة فريدة في العالم العربي، وتعني ن الأغنياء الجدد أزاحوا ما كان نوعا من البورجوازية الوطنية، سواء في مصر أو لبنان أو تونس أو المغرب، إلخ”.

وسجل الكاتب أن “المنطقة لا تمثل جسما هادئا، بل جسما حيا، يعكس حيوية تعتمل كما بركان في الأرض ينفجر، غير أنه يصطدم بكتلة مثل الجيش”، وزاد: “تعرضت للحالة التي يتحكم فيها الجيش في مفاصل الدولة ولا يتيح للشعب أن يعبر عن ذاته من خلال الحالة المصرية (…) ودرست الحالة الجزائرية وتطور الجيش بالأخص مع هواري بومدين، ويمكن أن نستحضر الجملة المأثورة ‘لكل دولة جيش إلا الجزائر فللجيش دولة”.

وذكر صاحب كتاب “عالم بلا معالم” دراسته ضمن الكتاب الجديد مسألة “الرعية”، من خلال الحالة الأردنية والحالة المغربية، متوسعا أكثر في الأخيرة، بحيث شدد على أن “المغرب عرف تغيرات ملحوظة”، موردا: “حاولت أن أدرس التطورات التي عرفها البلد من خلال لحظتين مفصليتين: 20 فبراير وحراك الريف، الذي غير تماما من الخارطة الثقافية والخارطة الخارطة السياسية”.

كما قال أوريد: “الحراك أبرز فاعلين جدد غير الفاعلين الذين كنا نعهدهم، كالمجتمع المدني، والأحزاب السياسية، والنقابات. وأصبح الشارع فاعلا، كما تغيرت الأساليب من خلال المؤثرين أو من خلال شعارات الملاعب (التيفو) وأغاني الراب، أو من خلال أساليب جديدة مستحدثة مثل المقاطعة، إلخ”، وختم: “تغيرت أساليب العمل السياسي، وهذا التغيير في نهاية المطاف جعل الوسائل التقليدية متجاوزة وحولها إلى مجرد تحف”.

المصدر: هسبريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *