الدعم السريع في الفترة الانتقالية.. التمكين والتمدد العسكري
الدعم السريع في الفترة الانتقالية.. التمكين والتمدد العسكري
عبد الرحمن الغالي
تحدثنا باختصار في الحلقة السابقة عن تمدد الدعم السريع سياسياً واقتصادياً ودبلوماسياً وسنتوسع في الحلقات القادمة عن كل ذلك لا سيما العلاقات الخارجية لصلتها الوثيقة بالدور السياسي والتمدد العسكري. وفي هذه الحلقة نتحدث عن التمكين العسكري والتمددالعسكري للدعم السريع. وسيكون حديثنا تحت عدة عناوين ساهمت في هذا التمكين والتمدد وهي:
- الإطار القانوني والدستوري الذي منح الدعم السريع الاستقلالية والشراكة السياسية.
- التنافس بين الدعم السريع والقوات المسلحة وخطة الدعم السريع لإضعاف القوات المسلحة وتحييد أسلحتها النوعية.3. الاستفادة من خبرات الجيش وجهاز الأمن عبر التجنيد والانتداب والاستفادة من التدريب والتسليح الأجنبي.
- التموضع في الأماكن الاستراتيجية في وحول العاصمة.
- بنائ التحالفات العسكرية مع الحركات المسلحة والمليشيات القبلية.
- التوسع في التجنيد
وبنظرة استرجاعية للأحداث الماضية يمكن بسهولة معرفة أن انحياز اللجنة الأمنية ( بما فيها قيادة الجيش والدعم السريع) للثورة لم يكن إلا انحناءً للعاصفة حيث تم تغيير قمة هرم النظام مع إبقاء النية في الحلول محله. يبدو ذلك جلياً في المماطلة في الوصول لتسليم السلطة للمدنيين والمماطلة في جولات التفاوض ومحاولات فض الاعتصام المتكررة والاعتداء على المعتصمين وتشويه صورتهم. ثم جاءت الطامة الكبرى بفض الاعتصام في خواتيم شهر رمضان 3/6/2019. لم يكن فض الاعتصام سوى انقلاب عنيف على الثورة تم بموجبه قتل وسحل المعتصمين (نساءً ورجلاً) وأعلن البرهان وقف التفاوض وإلغاء جميع الاتفاقات مع المدنيين والاستمرار في الحكم كمجلس عسكري والإعلان عن فترة انتقالية تنتهي بانتخابات.
كان الانقلاب الأول على نظام البشير في 11 أبريل 2019 في شكل انحياز لثورة ديسمبر الشعبية الشاملة الحقيقية والتي شارك فيها كل السودانيين. ثم جاء الإنقلاب الثاني على الثورة في 3/6/2019 وتم بفض الاعتصام ثم الانقلاب الثالث على الحكومة المدنية بالشراكة العسكرية في 25 أكتوبر 2021 وصولاً لحرب 15 أبريل 2023.
* أولاً: الإطار القانوني والدستوري الذي منح الدعم السريع الاستقلالية والشراكة السياسية:
تحدثنا في الحلقات السابقة عن قانون الدعم السريع 2017 وعن التعديلين الأول والثاني بعد الثورة مباشرة استباقاً للاتفاق مع المدنيين، ثم عن الوثيقة الدستورية وبموجب كل تلك التطورات القانونية والدستورية صار الدعم السريع شريكاً سياسياً في الحكم ومؤسساته ومؤسسة مقننة دستورياً وقانونياً ومستقلة عن الجيش وخاضعة إسمياً لمجلس السيادة المشترك مع الغاء صلاحيات مجلس الدعم السريع الأمر الذي أتاح لقائد الدعم السريع الانفراد تماماً بقواته التي أصبحت شبه خاصة يقوم هو عليها قائداً وشقيقه نائباً له. وصار له الحق في التوسع في التجنيد ومن خلال منصبه نائباً لرئيس مجلس السيادة نسج علاقات خارجية وداخلية أتاحت له التمدد كما سنرى لاحقاً.
ثانياً : التنافس مع الجيش ومحاولة التفوق عليه:
تحدثنا عن الوعي والطموح السياسي الذي تكون لقائد الدعم السريع وشعوره باستغلال حكومة الانقاذ له ومعرفته بمناورات البشير في الاعتماد عليه ترياقاً يحصنه من انقلاب الجيش عليه أو انقلاب الحركة الاسلامية عليه. هذا الوعي جعله ينظر للجيش وجهاز الأمن والمخابرات والتكوينات الخاصة للحركة الاسلامية نظرة توجس إن لم تكن نظرة عداء أو على الأقل النظر إليها كأجهزة منافسة له على السلطة.
كان هذا الشعور متبادلاً إذ نظر الجيش للدعم السريع أيضاً كظاهرة وخطر على الأمن القومي. فالجيش يرى فيه قوات غير منضبطة بالقواعد العسكرية لا من حيث التأهيل المهني ولا من حيث السلوك النظامي حيث يحفل سجلها بانتهاكات كثيرة معروفة، كما يرى ضعف تكوينهاالقومي.
ظهرت هذه النظرة منذ وقت مبكر وكانت سبباً في الاطاحة بالفريق إبراهيم سليمان ( قبل تكوين الدعم السريع نفسه) وفي الاطاحة برئيس هيئة الأركان الأسبق الفريق أول مصطفة عثمان العبيد ( أب عشرة) الذي كان يرى توزيع هذه القوات على فرق المشاة المختلفة في الجيش حتى تتحقق القومية بدلاً عن التركيز القبلي والجهوي في قوات واحدة. ( هناك روايات أخرى في أسباب إطاحته منها إصراره على محاربة الفساد داخل الجيش واصطدامه مع عبد الرحيم محمد حسين ). ومهما يكن من أمر فهذه النظرة ليست فردية ولكنها نظرة عامة عند الجيش.
ويمكن فهم هذا الشعور العدائي من قبل الجيش إذا علمنا أن التربية العسكرية تزرع في أفراد الجيش شعوراً بالأفضلية على المدنيين ( الملكية) وأفضلية شديدة على المليشيات التي لم تنل ذلك التدريب المهني العلمي. هذا فضلاً عن أن الجيش في عُرف كل الدول بأنه الجهة المحتكرة للسلاح. وتجلّى هذا في رفض الجيش في البداية ضم المليشيات في دارفور له فتم الحاقها بجهاز الأمن ثم لما توسعت وصارت مهدداً أمنياً ظهر التنازع بين المؤسسة العسكرية ونافذين في الحزب الحاكم من جهة وبين البشير للسيطرة على الدعم السريع وظهر ذلك التنازع في غموض القانون كما أسلفنا ( يتبع للقوات المسلحة ويخضع للرئيس).
حدث أول احتكاك ( بعد الثورة) بين الدعم السريع والجيش يوم 12 أبريل 2019 في اليوم التالي للإطاحة بالبشير، حينما توجه حميدتي مع قواته للارتكاز جنوب سلاح المدرعات. أرسل له نائب قائد سلاح المدرعات اللواء عبد الباقي بكراوي طالباً منه مغادرة المنطقة وإلا سيتم التعامل مع قواته عسكرياً بالدبابات. وبعد فترة ظهر تسجيل لبكراوي يتحدث عن خطورة الدعم السريع، فتم التحقيق معه ووضعه في الإيقاف الشديد.
هذا الحادث يقودنا للحديث عن وعي حميدتي بمواطن الاختلاف بين قواته والجيش وسعيه الحثيث لامتلاك الأسلحة النوعية التي يمتلكها الجيش وتنقصه أو إضعافها وتحييدها إذا تعذر عليه امتلاكها وعلى رأسها المدرعات والطيران. فقد ورد في الأنباء أن حميدتي رفض إرجاع المدرعات التي استلمها في أواخر عهد البشير أثناء حملة جمع السلاح في دارفور والتي أرسلها فيما بعد لقاعدته العسكرية في ( زرق) في دارفور ثم جاء بها للخرطوم قبل أيام من حرب 15 أبريل 2023.
قاد هذا التوتر بين قادة سلاح المدرعات والدعم السريع لمحاولة انقلاب في 21 سبتمبر 2021 قادها اللواء بكراوي ومعه مجموعة من نفس السلاح والأسلحة الأخرى واستولى على القيادة العامة ولكن تم التفاوض معهم والقبض عليهم ومحاكمتهم لاحقاً. كان السبب الرئيسي للتحرك حسب أقوال قادته فيما بعد هو رفض وجود الدعم السريع خارج القوات المسلحة وتمدده، وتهميش البرهان للجيش لصالح الدعم السريع وتكريه الجنود في الجيش وعدم الصرف عليه وعليهم. وهدفت المحاولة لدمج الدعم السريع في الجيش. وقالوا أن هذا الأمر رأي عام في الجيش وذكروا أن رئيس هيئة الأركان قال في تنوير لكبار الضباط ونخبة مختارة من المدرعات في يونيو 2021 أن الدعم السريع له نوايا في استلام السلطة. وحدث نفس التنوير من مدير هيئة الاستخبارات .
وبعد انتهاء محاكمة انقلاب بكراوي تم إعفاء 6 ضباط متهمين رغم تبرئة المحكمة لهم واستمر فصل كل من تخشى معارضته للدعم السريع. وتمت الإطاحة بالفريق أول نصر الدين عبد الفتاح قائد السلاح بعد حادثة فض الاعتصام.
ومهما يكن من أمر فالتوجس والشك بين المؤسستين واضح لا يحتاج لدليل، بل لقد بلغ وضوحه أن القوات المسلحة قامت لاحقاً ببناء سور خرصاني حول القيادة العامة لحمايتها من أي هجوم. ( سنفرد حين الحديث عن الحرب تفاصيل الخلافات بينهما وتطوراتها).
ولكن على مستوى القيادة: البرهان وحميدتي كان التناغم سائداً لمدة طويلة حتى حدث لاحقاً التوتر والتنافس وسيأتي الحديث عن أسباب ذلك إن شاء الله. فقد عمل البرهان وحميدتي سوياً في دارفور وتوثقت العلاقة بينهما ثم عملا معاً في حرب اليمن وتفويج المقاتلين من السودان لصالح التحالف الخليجي، ثم عملا معاً في المجلس العسكري الانتقالي ثم مجلس السيادة، ومع العلاقة الشخصية والثقة التقت مصلحتهما بعد الثورة، فحميدتي وقواته يمكن أن تشكل نقطة قوة لصالح البرهان في وجه أية تهديدات له من الجيش أو انقلاب عسكري عليه، وفائدة البرهان لحميدتي أن البرهان بحسب موقعه في الجيش والمجلس العسكري ثم مجلس السيادة يشكل حماية لتمدد حميدتي وقواته في وجه رفض الجيش لذلك. وسنفرد للخلاف بينهما حيزاً في الفترة قبل الحرب إن شاء الله.
وفي مقابل إضعاف المدرعات أنشأ الدعم السريع وحدة مدرعات وأعلن في صفحته الرسمية بالفيسبوك في 1/2/2020 عن الحاجة لتجنيد أفراد فيها.
إضافة للمدرعات التي حصل عليها في عهد البشير في حملة جمع السلاح وهي مدرعات من نوع ( شريف 1) و ( ختم 2) وهي صناعة محلية، تحصل على مدرعات إماراتية ( عجبان 440). وفي يونيو 2022 أعلن حميدتي عن إمتلاك وحدة مدرعات خفيفة من طراز ( BTR ) .
واستمر ذلك المسعى لإضعاف سلاح المدرعات طوال الفترة الانتقالية وحتى قيام الحرب. فبعد المناورات العسكرية في معسكر المعاقيل (مناورات رايات النصر ديسمبر 2022) أُمرت الدبابات المشارِكة في المناورة بالتوجه لمنطقة القطينة والباقير بدلاً عن العودة لرئاسة سلاح المدرعات وكان ذلك بقرار من رئاسة أركان الجيش، وتم تعيين قادة لها من خارج سلاح المدرعات.
لم تكن هذه الأشياء بخافية على القائد العام الفريق أول البرهان ولا القضايا الأخرى التي تمت بعلمه والتي وعدنا بالحديث عنها مثل التوسع في التجنيد والتموضع في الأماكن الاستراتيجية الخ، ولكن كان ذلك بسبب التناغم والمصلحة المشتركة بين قائدي الدعم السريع والجيش. وقد نبّه الإمام الصادق مبكراً أن الركون لتلك العلاقة الشخصية لتسوية الخلافات غفلة وأنه لابد من الوصول لدمج الدعم السريع في الجيش برؤية تمنع تعدد الجيوش وتمنع الانزلاق لحرب بينهما.
أما سلاح الطيران فقد راجت أنباء عن امتلاك الدعم السريع لثلاث طائرات مروحية ورثها من جهاز الأمن كما راجت أنباء عن ابتعاثه أفراداً لروسيا للتدريب على الطيران الحربي أتضح لاحقاً إما عدم صدقها أو عدم جدواها في ظل عدم امتلاكه لطائرات ولكن المؤكد ابتعاثه لأفراد للتدريب على المسيّرات وحصوله عليها.
أما تحييد تلك الأسلحة فكان إما بالتموضع داخل المدن مما يحيد سلاح المدرعات والطيران أو بالبقاء بالقرب منها لاحتلالها أو بالحصول على مضادات الطيران ومضادات الدروع والدبابات ضمن خطط أخرى.
ثالثاً: التموضع في وحول العاصمة:
لم تكن نوايا الدعم السريع السريع بخافية على قادة الجيش وهيئة الاستخبارات به ولا على جهاز الأمن منذ أيام البشير. ورأينا تباهي حميدتي أيام اعتقال الامام الصادق بأنه أقوى من الجيش ولذلك له الكلمة العليا في السياسة نفسها. كانت خطة حميدتي للإنفراد بالقوة العسكرية تقوم على إضعاف القوات النظامية التي تهدد وجوده أو تنافسه، فتم حل هيئة العمليات بجهاز الأمن وهي هيئة قتالية لها مدرعات وأسلحة ثقيلة وورث حميدتي أسلحتها ومقراتها.
سمح البرهان له بذلك بل وسمح له بالتموضع في مقرات مختارة بعناية وبمواصفات تهدف إما لتحييد أسلحة الجيش الكبيرة، أو السيطرة على المواقع الاستراتيجية والسيادية.
وعند اندلاع الحرب كان الدعم السريع يسيطر على المواقع الاستراتيجية والمعسكرات التالية في وحول الخرطوم:
المعسكرات المحيطة بالعاصمة:
معسكر طيبة الحسناب (من جهة الجنوب)، معسكر سوبا وأرض المعسكرات بشرق النيل ( من جهة الشرق)، معسكر قري ،معسكر الجيلي (من جهة الشمال)، معسكر فتاشه ( من جهة الغرب)، معسكر صالحة الريف الجنوبي أمدرمان ، معسكر جنوب جبل سركاب ( في الاتجاه الشمالي الغربي).
المواقع داخل العاصمة:
معسكر جهاز الأمن غرب الفتيحاب، مقر هيئة العمليات بجهاز الامن بأركويت، معسكر كافوري، معسكر مقر دار حزب المؤتمر الوطني بالقرب من مطار الخرطوم، رئاسة قوات الدعم السريع بالخرطوم (2)، المنشية منطقة إمداد الدعم السريع “سلاح وذخيرة ، بالإضافة لمبنى الإستشارية التابع لجهاز الامن في السابق.
هذا إلى جانب قوات حراسة جوار المواقع الاستراتيجية:
حراسة في مقر قادة الجيش وفي القيادة العامة.
قوة في الري المصري جوار قيادة قوات المدرعات
قوة فى شمبات محازية لسلاح المظلات (كبري شمبات)
قوة فى كررى جوار قاعدة وادي سيدنا العسكرية والكلية الحربية
قوة في الرياض جوار مطار الخرطوم
ومخازن سلاح ومهمات في جبرة
حراسة القصر الجمهوري بقوة كبيرة
حراسة الاذاعة والتلفزيون بقوة كبيرة
ويتضح حتى لغير المتخصص أن هذا التموضع يخنق كل أسلحة الجيش من الداخل ويحيط بها من الخارج وأنه تموضع تنافس وتوجس وليس تموضع دعم ومساندة بحسب الإسم والوصف الوظيفي القانوني والدستوري.
وسنواصل في بقية مسألة التمكين والتمدد العسكري باستكمال النقاط والعناوين الباقية المذكورة في صدر المقال في الحلقة القادمة إن شاء الله.
المصدر: صحيفة التغيير