من (حواره) يجب أن تشاهدوا أطلال السودان!
عبد الرحمن الكلس
استضافت قناتي (العربية والحدث) السعوديتين الفريق أول ياسر العطا، أحد أبرز مُشعلي هذه الحرب وأحد أعمدة الهرج والمرج الميداني الذي أفضى إلى الفشل الذريع في العمليات العسكرية، وحجر الزاوية في إفشال أي محاولات للتفاوض وإنهاء الحرب، ومن شاهدوا واستمعوا لحواره لابد انهم قد شاهدوا أطلال السودان أمامهم، كما نهايته وبرهانه وكيزانه البائسة.
بالنسبة لي، رغم ان هذا الحوار المتفق عليه سلفاً كان متواطئا في الأسئلة، إلا أنه أوقع (العطا) في “شر أعماله”، باستغلال غبائه وتهوره وبلاهته في الكثير من الأخطاء والتصريحات التي تتطلب ثمناً كبيراً، وأولها اقراره بهزيمة الجيش في هذه الحرب.
اعترف الرجل الثالث في الجيش بأن أهم ما حدث بعد سنة من قتال الدعم السريع، هو استعادتهم زمام المبادرة بالهجوم، وهذا اعتراف غير مسبوق بضعف ما تُسمى (القوات المسلحة)، ما يجعل أمر إعادة هيكلتها وتطويرها أمراً ملحاً وعاجلاً وضرورياً.
سنعود إلى ذلك لاحقاً في ختام هذا المقال فالرجل قال الكثير في هذا الصدد، جله يجلب الضحك والسخرية لا النقاش أو النقد، لذلك دعونا، نقفز إلى أهم النقاط، قبل أن نعود إلى أكاذيبه المتعلقة بمسرح العمليات العسكرية وهو مسرح يتسع لكل فشل الدنيا وأكاذيبها.
بالنسبة لوقف الحرب، حاول الرجل الالتفاف على السؤال فكانت الإجابة هي نفسها التي ظلت فلول النظام البائد تُرددها منذ أول لقاء في منبر جدة، وهي أن: “لا تفاوض إلا بانسحاب الدعم السريع من المؤسسات والأعيان المدنية وعودته إلى ثكناته، ثم دمجها، بعد إخلاء الأجانب إلى بلدانهم، ومحاسبة قادتها” أجانب مرة أخرى يا هذا؟ طيّب ما الداعي للتفاوض إذا كان على قوات الدعم السريع أن تشرع قبله في فعل كل ذلك، وفيم ستتفاوض؟!، وهل حقّق جيش العطا انتصارات عظيمة تتيح لها فرض عملية (إنهاء) الدعم السريع من الوجود، ليس بالتفاوض ولا الحرب، وإنما بشروط ما قبل التفاوض؟!، هل يُعقل هذا؟.
لكن الأدهى والأمر من ذلك، هو قوله إن البرهان سيلغي الوثيقة الدستورية ويكتب واحدة أخرى، وسيعيِّن قريباً رئيساً للوزراء وسيعيد تشكيل مجلس السيادة، وأن رئيس الوزراء المرتقب ستُسند إليه مهمة تشكيل حكومة كفاءات مستقلة.
حسناً، سيلغي الوثيقة الدستورية التي ظل منذ انقلابه وحتى اليوم يستمد قرارته منها، لا بأس، ومن يريد وثيقة تلطخت بدماء الأطفال والنساء؟ ولكن كيف يريدنا العطا أن نصدق من فشل في تكوين حكومة قبل الحرب بأكثر من عام، عقب استيلائه على السلطة من خلال انقلاب عسكري مشهود في أكتوبر، 2021، واستفرد بالحكم منذ ذلك الوقت وحتى الآن، بدون أن تكون الحكومة شاغلاً له، يدير البلاد ويشعل فيها الحرب بمعرفته وبمن معه من إرهابيي الحركة الإسلامية بقيادة زعيمه الروحي “علي كرتي”، لكن على العموم، تشكلت حكومة أم لم تتشكل، فإن الوضع سيتدهور إلى ما هو أسوأ مما هو عليه، ما لم يتم إيقاف الحرب بالتفاوض فقط.
العطا الذي طالما اتهم الدعم السريع بأنها تتلقى مساعدات من (فاغنر) الروسية، وأنها بذلك تكون قد وقعت في العمالة والإرتزاق، ها هو يعود ليعطي السودانيين درساً في في الكذب والتناقض والتنصل و (بلع) التصريحات، بعد أن أعلن أن قائده (البرهان) وافق على طلب روسي بما سماها (نقطة تزوّد) على البحر الأحمر مقابل إمداد جيشه ومليشيات (كرتي) بالسلاح والذخائر، وأن إعطاء قواعد عسكرية على البحر الأحمر لأي دولة وعدد هنا مصر أولاً ثم الصين وروسيا قائلاً بانه ليس عيباً كما يظن الناس، وإنما امراً عادياً في سبيل تحقيق المصالح المشتركة بين الدول وبين الشعوب، فهل رأيتم كيف انقلب ما كان بالأمس (عمالة وارتزاق) إلى أمر عادي؟ بل هل رأيتم مجاهرة بالخسة وانعدام الروح الوطنية والعمالة أكثر من قوله: كل من يأتي إلينا قاعدة بحرية نمنحه، ما المشكلة البحر الواسع؟! ليس البحر وحده الواسع يا عطا، هناك أيضاً أشياء واسعة لديك، واسعة جداً !
ومع ذلك فان أكثر ما أضحكني من أقوال (العطا)، هي التي تتعلق بالموقف الميداني، فقد بدا واضحاً أن الرجل رغم وضعه شارة فريق أول ركن على كتفيه، لكنه أبله لا يدري من العسكرية (ألف بائها)، وهذا لا يحتاج دليلاً، لأن فشله بعد مرور أكثر من عام في حسم ما يسميه بتمرد (عرب الشتات) في 6 ساعات؛ كما صرح هو شخصياً مع بداية الحرب لدليل كافٍ على إمكانياته وقدراته، لكن عودته بعد عام ليحدث الشعب السوداني أن لديه قوات جاهزة لدخول الجزيرة، وبحري، وجبل أولياء لأمر مثير للسخرية والغضب ومستوجب للسب واللعن والبصق، خصوصاً وقد أشار بنفسه إلى افتقار الجيش للأسلحة والذخائر وأن الاتفاق مع روسيا يُراد منه الحصول عليها، وأن الجنود لا يملكون (تعيينات) من ملابس وخوذ، أي الحد الأدنى من الإمكانيات، ثم فشل في تبرير لماذا لا يمتلك الجيش هذا الحد الأدنى وقد ظل مستحوذاً على 80% من ميزانية الشعب السوداني والدولة السودانية طوال ثلاثين عاماً، وصار الآن مستحوذاً عليها كلها بحيث أصبح لا يدفع حتى (البند الأول) منها المتعلق بالمرتبات والأجور، فما سبب ذلك غير فساد هذه المؤسسة ونهببها المستمر لموارد الدولة ومقدراتها وشراء قادتها للقصور والفلل في اسطنبول والقاهرة وكوالالمبور ، بينما لا يجد الجندي حذاءً لائقاً ولا خوذة، فيأتي (العطا) المخبول، ليقول لنا: الجنود يرفضون الخوذ لأنهم شجعان لا يريدون معدات للحماية الشخصية في حدها الأدني، بما في ذلك السواتر (أي الخنادق)، لأن في عقيدتهم القتالية، أن الساتر هو الله وحده، فيما ظل هو مختبئاً لشهور طويلة في سلاح المهندسين ولايزال مندساً في أقبية وسراديب كرري.
بصراحة، هؤلاء الذين يقودون الجيش، ليسوا غير مؤهلين فحسب، بل جهلة بأبسط النُظم والقواعد العسكرية، لأن ما يقولونه ويفعلونه، يدّل على ضعف قدراتهم وخبراتهم العسكرية والتخطيطية والقتالية، وأن من يطلقون عليهم ضباط الخلاء تهكما ( ضباط الدعم السريع) أكثر كفاءة وقدرات منهم بما لا يقارن، حتى في الجانب السياسي والدبلوماسي، نجح قادة الدعم السريع في إقناع دول العالم ، أن الحرب تدور بين فصلين من الجيش السوداني، وأن الفصيل الذي يقوده البرهان يتحكم به المتطرفون الدواعش والإخونجية الإرهابيين، وأنهم شنوا الحرب علي قواتهم لأنها ساندت التحول المدني الديمقراطي/ لذلك فشل (العطا) أمس في الرد على سؤال مذيعة العربية والحدث، “لماذا فشل الجيش في إقناع العالم أن الدعم السريع مجرد مليشيا أو قوات متمردة؟”، فوقف (حمار كرتي) في العقبة، وسكتت (شهرذاد) الحدث عن الكلام غير المُباح وغير المتاح، وانتهى اللقاء، الذي كانت حصيلته أكوام من الأكاذيب وأطنان من البلاهة، لكنه نجح في إظهار وكشف (عوار) وعورات وعمالة قادة هذا الجيش (الكرتي) للعالم أجمع.
المصدر: صحيفة الراكوبة