تقدّم فكرة قائمة علي الإقصاء السياسِي وعدم القبول بالآخر المُختلف (3/3)
في الجزء الثاني وبعد أن أجبت علي سؤال كيف ولماذا أقصت تقدّم الآخرين والكثير من القوي السياسِية والمدنية والديمُقراطية والثورية ، إنتهينا للوصول للنتيجة الأخيرة من هذه المقالات ومحاولة الإجابة علي السؤال الهام الذي إختتمت به الجزء الثاني ، وهو (لماذا أصبحت تقدم بشكلها وقيادتها الحالية ونهجهها عقبة في طريق وسبيل توحيد كُل القوي السياسِية المدنية والثورية الرافضة للحرب؟) ، وساقوم في هذا الجزء الثالث والأخير بالإجابة عليه بحسب رائي ومُتابعاتي اللصيقة ومُراقبتي لكل ما تم بخصوص توحيد كُل هذه القوي في جبهة وتحالف مُتحد أو في شكل تنسيقي…
من المعلوم والمُتعارف عليه أنه وفي سبيل التوصل لأي تحالف أو شكل تنسيقي لجسم أو جبهة موحدة فإن هذا العمل يتم وفقاً لهدف أو أساس مُشترك ، وقضية أو هدف مركزي يجمعهم للعمل عليه لتحقيقه ، وللوصول لهذا الهدف هنالك خُطوات عملية وإجرائية وتنظيمية وآليات تقود إليه ورؤية يتم العمل بها حتي يتحقق الهدف الرئيسي ، ومن المعلوم أن القضية الرئيسية لهذه الجبهة أو التحالف أو المجموعات أو الكُتل والقوي المُنسقة تتمثل في شئ أساسِي وهو وقف ثم إنهاء هذه الحرب ، والتي يتفق جميع الرافضين لها والعاملين لوقفها علي خطورة إستمرارها علي السُودان حاضره ومُستقبله ، ويكفي ما فعلته و دمرته إلي الآن ، ما حدث هو أن تقدّم قامت وبطريقتها الإقصائية والإنعزالية التي إختطتها والتي أوضحناها ، بالسيّر في ذات الإتجاه الذي سارت فيه قوي الحرية والتغيير أو ما تبقي منها من حيث التهئية للإنقضاض فقط علي السُلطة وإعتبار نفسها أنها هي المُمثل والوريث والمُتحدث بلسان جميع مُكونات الشعب السُوداني المدنية والثورية ، وسارت في إتجاه عدم التلاقي مع بقية المُختلِفين معها ، أو حتي الحُوار والتفاهُمات معهم ، بل وأمّعنت في مُحاولات تقسِيمهم ، فهي لا تتعامل وفق الأُسس التي تحمي وحدة القوي المدنية والديمُقراطية والثورية علي تبايناتها وإختلافاتها كمصلحة عُليا ، ولكنها تذهب مُباشرةً لمن يُنفذ ويُمّهد لها فقط الطريق للسُلطة وتنفيذ أجندة لاتتعلق حقيقةً لا بوقف الحرب ولا بالتحول الديمُقراطي الحقيقي ولا بإسترداد المسار الثوري المفقود منذ ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١م، وفي إصرار غريب منها ومن قيادتها الحالية والعقليات التي تقف خلفها وتدّعمها والأشخاص المُتنفذيّن داخلها؟؟ ، برفضهم ومُقاومتهم لأي إتجاه يقود للوحدة أو حتي للعمل التنسِيقي المُشترك في القضايا والأهداف المركزية والأولويات وعلي رأسها القضايا الإنسانية ووقف الحرب والتعافي منها ، ثم تصمّيم عملية سياسِية تأسيسِية تُنهي جميع الحروب وتفتح الطريق لإنتقال ديمُقراطي سلِيم وحقيقِي ، ومن دون مُشاركة من هم خارج تقدّم من القوي الثورية والديمُقراطية قطعاً لن تتحقق هذه الأهداف ، وسنمضِي لإعادة ذات الأزمات و لتكرار الأخطاء ، ولعودة الحرب ، ولإحتمالية تقسِيّم البلاد نفسها ، بعد مُقدمات تقسِيّم قواها الثورية والسياسِية الوطنية والديمُقراطية.
إنظر للمواقف المُتباينة لحزب الأمة علي سبيل المثال فيما يخص تقدّم ونهجها ونظرتهم لها حتي كتحالُف ، ومسألة المُشاركة من عدمها في مؤتمرها التأسيسِي ، بالرُغم من تقديمهم لرؤية إصلاحية شاملة تُمثل كُل أجهزة حزبهم؟؟ ، و إنظر لموقف تنسيقيات لجان المقاومة وآخرها بيان لجان مقاومة الميثاق الثوري لتأسيس سُلطة الشعب بتاريخ ٢٣ مايو الحالي ، وإنظر لمواقف قوي أخري بما فيها قوي لاتزال داخل تقدّم نفسها ، وإنظر لقواعِد تلك القوي ورأيها ومن خلال بيانات جماهيرية خرجت تنتقد الطريقة التي تم بها إختيار مُمثلين لها في المؤتمر التأسيسِي لتقدّم ، وفي إستمرار ذات النهج الإنتقائي الفوقي والإقصائي والسُلطوي؟؟ ، وبدلاً من أن تصيّر تقدّم قوي جامعة وموحدة أضحت مجموعة مُفرقة ومُقسّمة؟؟ ، قوي حزبية وطنية وسياسِية مؤثرة خارجها وأخري من المُحتمل والوارد خروجها منها (حزب الأمة ، حق) ، حركات كفاح مُسلح رئيسية وجماهيرية خارجها ، وتقدّم نفسها وحتي وهي بشكلها الحالي وقيادتها ومكوناتها مُنقسمة علي نفسها وتعمل بذات عقلية إختطاف القرار والعمل الإنفرادي ، وفي مسائل جوهرية وأساسية لمُستقبل البلاد ، فشلت في التعامل معها وبالتالي هز الثقة بها ومن مواقفها ، والدليل إعلان نيروبي الأخير ما بين رئيسها (الحالي) د.حمدوك والحركة الشعبية شمال القائد الحلو وحركة جيش تحرير السُودان عبدالواحد ، علي أهمية ما تم بحثه.
لكُل هذه الأسباب والمؤشرات فتقدّم حقيقةً أضحت عقبة في سبيل وحدة القوي المدنية الديمُقراطية والوطنية والثورية الرافضة للحرب ، وحتي المُحاولات التي شخصي شاهدٌ عليها وأحد الفاعليّن بها ولأجلها لمُحاولات التنسِيق مابينها وآخرين للوصول لعمل جماعِي وحدّوي وفقاً للأهداف المُشتركة إصطدمت بعقلية (الصِرّاع علي السُلطة) وأطراف العملية السياسِية والنسب التمثيلية ….الخ… ، وعدم الجدّية والمُراوغات في هذا الأمر ، لتستمر ذات المجمّوعات والشُلليّات والأشخاص المُهيمنيّن والمُتنفِذّين ونفس القوام؟؟.
أخيراً من الواضح الآن أن هنالك خياران لا ثالث لهما ، إمّا القبول بوجود تقدّم ، هذا الجسم التحالُفي السُلطوي الفوقي في رائي ، وبكل سؤاته وأمراضه وضعفه الداخلي وحتي إرتهانه الكامل للخارج وإعتماده عليه في مسألة تمويله وتسيير نشاطاته ، نجد أن هذا يعني الإستِسلام التام لمُستقبل شدّيد القتامّة ، تتكرر فيه جميّع الأخطاء التي أوصلتنا لهذا المصيّر ومن الوارد الذهاب للأسؤا من خلاله ، أو أن نذهب للتخطّي الشُجاع لتقدّم والمُضِي الفاعِل في إحداث وتكوين البديل لها ، المُتسق والمتوافق مع القضية المركزية لوقف الحرب والتحول الديمُقراطي وإستعادة المسار الثوري وفرض رؤية وطنية شاملة لكل القوي الوطنية والثورية ثُمّ الذهاب لعملية تأسيسِية حقيقية وعقد إجتماعي جديد وفق مشرّوع وطني قومي تنموي تقدّمي لسُودان جديد.
وحتي في حال هذا الخَيَّار يظل الباب مُنفتحاً لجميّع الوطنيين داخل تقدّم نفسها في تصحيحهم كُل سؤاتها ومُراجعة أخطائها ، بعد الإعتراف الشُجّاع بها ومن ثمّ العودة للإتجاه الصحيح…
المصدر: صحيفة الراكوبة