اخبار المغرب

من تحدي المشاركة السياسية إلى إدارة الشأن الداخلي.. يتيم يعيد قراءة تجربة العدالة والتنمية (ح6)

يُقدم القيادي بحزب العدالة والتنمية والوزير الأسبق محمد يتيم، قراءة مفصلة لتجربة حزبه السياسية والتنظيمية، انطلاقا من تحديات المشاركة السياسية وتدبير الشأن العام خلال الولايتين الحكوميتين السابقتين، إلى تحديات تدبير الشأن الداخلي للحزب، وذلك بناء على تشخيص يقوم على إبراز المنجزات والمكتسبات ورصد مكامن للخلل والإخفاقات بناء على رؤية تحليلية من الداخل، وهي القراءة التي خصّ بها يتيم جريدة “”، على أن يتم نشرها ضمن سلسلة من الحلقات.

وفيما يلي نص الحلقةالحلقة السادسة: 

          في تطور الطرح الفكري والسياسي للحزب

من الورقة المذهبية إلى البرنامج العام، ومن أطروحة النضال الديمقراطي الى أطروحة البناء الديمقراطي

المتتبع لتاريخ الحزب سيلاحظ دينامية فكرية، وجهدا ملحوظا في التطوير المتواصل لنظرية العمل في أبعادها الفكرية والنظرية، وفي أبعادها السياسية.

وقد شكلت محطات الحوار الداخلي فرصا لتعميق النقاش من أجل تدقيق التوجهات العامة للحزب ورؤيته المذهبية، أو ما سيعرف فيما بعد في قانون الأحزاب السياسية ب ” البرنامج ” كما نص على ذلك القانون التنظيمي للأحزاب السياسية في المادة 24 منه حيث ورد فيها :

”  يتعين على كل حزب سياسي أن يتوفر على برنامج ونظام أساسي ونظام داخلي. يحدد برنامج الحزب، على الخصوص، الأسس والأهداف التي يتبناها الحزب في نطاق احترام الدستور وأحكام القانون “.

وهو ما كان يعرف لدى الحزب قبل صدور قانون الأحزاب ب “الوثيقة المذهبية “، وفيما بعد ب ” البرنامج العام ” تمييزا له عن البرنامج السياسي أو البرنامج الانتخابي اللذين لها طابع مرحلي .

   الورقة المذهبية للحزب  

هي أول ورقة تمت صياغتها بعد الانطلاقة الجديدة لحزب (الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية وهي الورقة التي احتفى بها الدكتور الخطيب احتفاء خاصا لدرجة أنه كان يحتفظ بتسجيل صوتي لأول نسخة الأولى ، ويستمع في مناسبات عديدة ، ويعرضها على عدد من أصدقائه المقربين ( كان يطلق عليها رحمة الله عليه الورقة الذهبية )

وخلال عملية الملاءمة مع المقتضيات الجديدة للقانون  التنظيمي رقم 1 29.11 المتعلق بالأحزاب السياسية تم العمل على إعادة صياغة الورقة كي تتناسب مع تعريق القانون المذكور لمفهوم : ” البرنامج العام ” حيث برزت الملاحظات التالية حول ” الورقة المذهبية ” :

المراوحة بين المداخل والمقاربات النظرية “المذهبية’’ والتوجهات البرنامجية  والإجراءات البرنامجية . (أنظر مثلا : تعزيز سيادة المغرب واسترجاع إشعاعه الحضاري)’

الورقة بشكلها ذاك لم تكن توفر للحزب إطارا مرجعيا ‘’إيديولوجيا’’ يمكن من مقاربة عدد من قضايا السياسة والمجتمع والاقتصاد  بالحد الأدنى المتفق حوله بين قيادة الحزب ومناضليه.

 

كثير من القضايا لا تزال مطروحة للنقاش ذات صلة بهوية الحزب ( دلالة حزب سياسي ذي مرجعية إسلامية  ، مجال الاشتغال ، أدوات الاشتغال ، الخطاب ، التدبير وعلاقته بالمرجعية والهوية ـ قضايا المشروع المجتمعي ، قضايا المذهبية الاقتصادية  والاجتماعية ـ قضايا التموقع على الخريطة السياسية  )

الورقة المذهبية كانت محكومة   التحليل  التاريخي  من جهة  والتحليل البنيوي من جهة أخرى  ( تشخيص النبة الاجتماعية والسياسية الحالية ) ، من خلال استخدام مفهوم الازدواجية  التي تخترق البنية السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية الحالية ، و التدليل على مشروعية الحزب كحزب متأصل في البنية الحضارية المغربية، أي التدليل  على مشروعية وجوده كحزب إسلامي منشغل بإعادة بناء هوية المغرب، من خلال المرجعية الإسلامية، وليس على وظيفته الإصلاحية  السياسية والاقتصادية والاجتماعية من خلال تشخيص للمعطيات الحالية

بصورة أخرى الورقة كانت محكومة أكثر بالطرح الهوياتي لقضية الأصالة والعدالة والتنمية، وليس بالطرح السياسي الإصلاحي التنموي ( المدخل السياسي للإصلاح )

الورقة المذهبية كانت تعكس أن الحزب اشتغل أساسا برصيده كحركة إسلامية وليس برصيده كحزب سياسي .

وقد انتهى النقاش الى ظهور الحاجة إلى تطوير الرؤية المذهبية نحو :

تطوير قدرتها التفسيرية والتأطيرية   كورقة إيديولوجية بنفس المستوى  من الطرح النظري المفاهيمي.

تخليص الورقة من النفس التبريري.

تخليصها من الطرح البرنامجي الإجرائي خاصة وأن البرنامج الانتخابي قد شكل تقدما على هذا المستوى وإن كان يبقى فاقدا للبعد النظري والإيديولوجي .

التنظير للوظيفة السياسية الملقاة على عاتق الحزب كحزب سياسي وإيجاد شرعية نظرية وإيديولوجية تتجاوز التغذي على الرصيد التاريخي للحزب كوراث لميراث الحركة الإسلامية على المستوى السياسي.

من أطروحة النضال الديمقراطي إلى أطروحة البناء الديمقراطي

سيتبنى المؤتمر الوطني السابع لحزب العدالة والتنمية أطروحة البناء الديمقراطي خلال مؤتمره الوطني السابع للحزب المنعقد د يومي 14 و 15 يوليوز…

وقد جاء الانتقال من مفهوم ” النضال الديمقراطي ” إلى مفهوم ” البناء الديمقراطي ” ليتواءم مع الموقع الجديد للحزب أي انتقاله إلى موقع التدبير الحكومي ، الذي يفرض الإسهام في البناء الديمقراطي من موقع المسؤولية ، أو النضال الديمقراطي من موقع التدبير لتعزير البناء الديمقراطي …

فقد جاء في أطروحة المؤتمر الوطني السابع ما يلي:

“” إن حزبنا الذي يعتز بأن عددا كبيرا من مقترحاته قد وجدت طريقها إلى دستور يوليوز 2011 تقع اليوم على عاتقه مسؤوليات متعددة، منها: الإسهام في تنزيل أحكام ومقتضيات الدستور تنزيلا ديمقراطيا، إضافة إلى مساندة كل المبادرات والمشاريع والسياسات العمومية الإصلاحية من موقع المساندة المبصرة والناصحة.

أما على المستوى المتوسط والبعيد، وحيث إنه لا سبيل إلى الكمال المطلق في مجال البناء الدستوري، فإن الحزب سيواصل نضاله من أجل تطوير منظومتنا الدستورية بما يتناسب مع التقدم في تنزيل المكتسبات الدستورية التي جاء بها دستور 2011 وبما يتناسب مع تطورنا الاجتماعي والثقافي والاقتصادي…”

وتضيف الأطروحة:”…إن الموقع الجديد للحزب باعتباره حزبا يقود الحكومة ويحتل موقع الصدارة في الأغلبية الحكومية يفرض عليه مسؤوليات جديدة في مجال المبادرة وريادة الانتقال الديمقراطي وتعزيز البناء الديمقراطي. إن ريادة الانتقال الديمقراطي والبناء الديمقراطي هي استكمال لمهام النضال الديمقراطي من موقع جديد وأدوات جديدة وخطاب جديد”..

وتضيف أيضا:”إن تعزيز الانتقال الديمقراطي وترسيخ البناء الديمقراطي ونظرا للمقتضيات المتقدمة للدستور الجديد يطرح على حزب العدالة والتنمية مسؤولية تاريخية تتمثل في التنزيل الديمقراطي للدستور. وهو التنزيل الذي يمر ضرورة عبر الإسهام الفاعل في إنجاز المشاريع المهيكلة التالية:

ـ إخراج القوانين التنظيمية باعتبارها قوانين مكملة للدستور، وأن العديد منها سيعكس خيارات مجتمعية كبرى تحتاج إلى مقاربة تشاركية وأفق وطني بعيدا عن الحسابات السياسية الضيقة..
القطع مع منطق التحكم والوصاية والانتقال إلى منطق الاحتكام إلى الشعب، بما يعنيه ذلك من قطع نهائي مع منطق التدخل في الانتخابات والتساهل مع الفساد والإفساد الانتخابيين وضمان التدبير النزيه والشفاف لها والاحترام الكامل لنتائجها

العمل على إعادة صياغة نظام الحكامة في اتجاه التقليص من المركزية ومن منطق التحكم وتنزيل ورش الجهوية الموسعة تنزيلا ديمقراطيا وتحقيق اللامركزية.

إرساء قواعد الحكامة الجيدة الضامنة للتنافسية والمنتجة للفعالية العمومية في تدبير الشأن الاقتصادي وتفكيك منظومة الريع الاقتصادي، ومنع أي توظيف للجاه السياسي في المجال الاقتصادي وإشاعة ثقافة المبادرة وقواعد المنافسة الشريفة، وتفعيل دور البرلمان في المراقبة على المؤسسات العمومية والتأكيد على حرمة المس بالمال العام وخضوع المتصرفين فيه للرقابة والمحاسبة “.”

ودون شك فإن مهام البناء الديمقراطي بهذا المضمون هي أعقد وأصعب من مهام النضال الديمقراطي بالنظر إلى تركيبة البناء السياسي في المغرب ، ومخرجات العمليات الانتخابية التي لا تسمح لحزب معين في المغرب أن يسير الحكومة بمفرده.

وهو ما يجعله شكلا من أشكال النضال الديمقراطي ملازما للبناء الديمقراطي ويجعله تبعا لذلك عملية تواجه إكراهات متعددة يتعين التعامل معها والسعي قدر المستطاع للتقليل من مفاسدها، وهو مقتضى من مقتضيات المشاركة كما بنص عليها الحديث النبوي الشريف في قوله صلى عليه وسلم ” المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم .

المصدر: العمق المغربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *