بعد 21 سنة من زلزال بومرداس.. ة تولد من رحم المأساة
تستعيد الذاكرة الجماعية الجزائرية، اليوم، مأساة الـ 21 ماي 2003، عندما ضرب زلزال عنيف ولاية بومرداس شرقي العاصمة، بلغت شدته 6.8 درجات على سلم ريختر، وهو أحد أعنف الكوارث الطبيعية، التي سجلتها الجزائر عبر تاريخها.
الزلزال العنيف الذي هز الأرض تحت أقدام سكان زموري البحري وامتدت تبعاته إلى المناطق والولايات المجاورة، خلف حصيلة ثقيلة في الأرواح بلغت 2000 قتيل وإصابة 12 ألف آخرين، كما انجرّ عنه خسائر مادية معتبرة في العمران فاقت ما قيمته 3 مليار دولار، حيث تسبب في تدمير أزيد من 10 آلاف مسكن بالكامل، كما ألحق أضرارا بحوالي 100 ألف مسكن.
وحسب الإحصائيات المعلن عنها من قبل السلطات، فقد بلغت القيمة المالية الإجمالية لإصلاح مخلفات الزلزال 78 مليار دينار جزائري، إضافة إلى تكفل الدولة بإنجاز برنامج سكني استعجالي ضخم، تمثل في تشييد 8.000 مسكن، من أجل إعادة إسكان المنكوبين.
وكانت هذه المأساة، محطة هامة تبنت فيها الدولة، قوانين صارمة تلزم بإنشاء البنايات والسدود والجسور والعمارات، وحتى المنازل الخاصة وفق تقنيات مقاومة الهزات الأرضية، ولم يتأتّ ذلك سوى على أنقاض تلك التجربة المأساوية.
وقد انجرّ عن هذه الكارثة الطبيعية إعادة تصنيف ولاية بومرداس من “منطقة زلزالية من الدرجة الثانية إلى الدرجة الثالثة”، مع إعادة تكييف كل المشاريع العمرانية التي كانت في طور الإنجاز آنذاك.
وتبعا لذلك، تم إنجاز دراسة تقنية حددت مسار وممر الشق أو “الخط الزلزالي” ومركزه الناتج عن الزلزال، الأمر الذي ساعد في عملية توطين المشاريع السكنية في عقارات جديدة لم تكن متاحة من قبل، وأصبحت هذه الدراسة تأخذ في الحسبان في كل “مخططات التهيئة والتعمير” التي يجري إعادة مراجعتها جميعها، إلى حد اليوم.
ومن جهته، ينوّه المهندس المدني عبد الرحيم علاق في حديث لـ “”، إلى أن إشكالية إعادة التصنيف لم تتوقف عند الرقعة الجغرافية فحسب، وإنما شملت أيضا تصنيف الأتربة من حيث مدى مقاومتها لخطر الزلازل الذي توسع إلى 6 أصناف عوض الصنفين، فيما بات يشترط ميدانيا ومنذ ذلك الحين، تشييد جدران الإسناد المقاومة للانهيارات في المناطق الجغرافية الواقعة في الصنف الثالث في تصنيف المناطق المعرضة لخطر الزلازل، ناهيك عن إعادة النظر في كل المواد التي تدخل في البناء، والتي بات لزاما أن تحترم شروط الجودة المعمول بها، لضمان سلامة المنشآت ومتانتها.
وتأتي الإجراءات المتخذة هذه في إطار “القواعد الجزائرية لمقاومة الزلازل”، وهي مجموعة المعايير التقنية الواجب التقيد بها في جميع البنايات، سواء أكانت عمارات سكنية أم سدودا أم ملاعب كرة قدم أم مساجد أو موانئ، وهي قواعد ملزمة يحرص على تنفيذها مهندسون مدنيون معتمدون من وزارتي السكن والأشغال العمومية، يحرصون على ضرورة توفر المنشأة على تطبيقات تتعلق بالحساب المقاوم للزلازل، ودراسة الأرضية الجيو تقنية وتثبيت البناية وجدران الدعم، وهي شروط معمارية، ضرورية قبل تسليم أي رخصة لبناء الجسور والسدود والعمارات، أما البنايات الفردية الخاصة فصارت تتطلب توفر الخضوع لشروط القواعد الزلزالية بدءا من 2019، إذ صارت إجبارية بعدما كانت محل توصية فحسب.
ومن جهة أخرى، نوّه ذات المتحدث إلى ضرورة الأخذ المستمر بالتجارب الزلزالية المتكررة لاسيما في المنطقة، بحيث أن الأخيرة، دائما ما تأتي بدروس جديدة، وتفتح نقاشات موسعة حول ما تتعرض له المنطقة من نشاطات تبدو اليوم غير طبيعية، “ناهيك عن ضرورة عدم إهمال التكوين والأخذ بالتجارب الدولية الرائدة في مجال مقاومة الزلازل، وتحيين النصوص التنظيمية الخاصة بالمجال”، يضيف المتحدث.
وللإشارة، فإن الجزائر تحتفظ بذاكرة زلزالية نشطة، وهي التي عرفت عبر تاريخها زلازل متوحشة، أبرزها زلزال البليدة عام 1826، وزلزال وهران 1790 بقوة 7.5 درجة على سلم ريختر، وقبلها زلازل فاقت شدتها الدرجة السابعة في العاصمة أعوام 1365 و1716 و1622م، بلغ أحدها 7.8 درجة على سلم ريختر، أي نفس مقياس زلزال تركيا المدمر، ليخلّف حسب ما أثبتته دراسات متخصصة، أكثر من 9000 قتيل من أصل 12.000 نسمة، آنذاك ويقال إن ذلك الزلزال المدمر دفع سكان القصبة إلى إعادة بناء الدور والأحياء على الطريقة التعاضدية بين جدر المنازل المتكتلة، كأول تقنية طبيعية لمقاومة الهزات بدفاع الكتلة الجماعية للبنايات ضد الارتدادات العنيفة.
إن الجزائر اليوم، وفي ظل ما تشهده المنطقة من نشاطات زلزالية غير طبيعية، ملزمة حسب اء وأكثر من أي وقت مضى باعتماد فلسفة تتجاوز البناءات المقاومة التي تحفظ الأرواح على البناءات الصامدة التي تضمن إعادة الحياة إلى طبيعتها بعد الكارثة.