القضاء ينتصر لزبائن بشأن إغلاق حسابات بنكية واستخلاص مبالغ غير مستحقة
انتصر القضاء لزبائن بنوك فيما يتعلق بالمنازعات القائمة بين الطرفين حول إغلاق الحسابات البنكية، بعدما قضت محكمة الاستئناف التجارية بمراكش، في حكم جديد، بإغلاق حسابين بنكيين مسجلين باسم زبون، وإعفائه من المصاريف المتراكمة على الحساب، فيما ألزمت المحكمة المجموعة البنكية المدعى عليها بأداء غرامة تهديدية حددت في مبلغ 500 درهم عن كل يوم امتناع عن التنفيذ مع الصائر على النسبة.
وفي تفاصيل الملف، وجه زبون إنذارين قضائيين إلى المجموعة البنكية التي يملك حسابين بنكيين لدى إحدى الوكالات التجارية التابعة لها، وذلك لغاية إغلاقهما، لكن المؤسسة لم تستجب للإنذارين، حيث تمسك دفاع الزبون بالمادة 503 من مدونة التجارة، التي تنص على أنه “يوضع حد الحساب بالاطلاع بإرادة أي من الطرفين، بدون إشعار سابق، إذا كانت المبادرة من الزبون، ومع مراعاة الإشعار المنصوص عليه في الباب المتعلق بفتح الاعتماد، إذا كانت المبادرة من البنك”.
واستند الدفاع أيضا إلى دورية والي بنك المغرب المؤرخة في 2014.9.26، حيث دفع بعدم احترام المؤسسة البنكية لإرادة الزبون ومنعه من الحصول على أي معلومات أو دين بنكي، فضلا عن إثقال كاهله بمبالغ مالية غير مستحقة قانونا ومصاريف إضافية، مع مطالبته بتعويض عن الضرر قيمته 50 ألف درهم، مرفق بغرامة تهديدية تصل إلى 5000 درهم عن كل يوم امتناع عن التنفيذ.
نزاع “مفتعل”
قيدت المادة 503 من مدونة التجارة إغلاق الحساب البنكي المدين بمبادرة من البنك بتوقف الزبون عن تشغيل حسابه مدة سنة من تاريخ آخر عملية دائنة مقيدة به، حيث يجب في هذه الحالة على المؤسسة البنكية قبل قفل الحساب إشعار الزبون بذلك بواسطة رسالة مضمونة في آخر عنوان يكون قد أدلى به لوكالته البنكية. وفي حال لم يبادر الزبون داخل أجل 60 يوما من تاريخ الإشعار بالتعبير عن نيته في الاحتفاظ بالحساب، يعتبر هذا الأخير مقفلا بانقضاء هذا الأجل، علما أن الحساب يقفل أيضا بالوفاة أو انعدام الأهلية أو التسوية أو التصفية القضائية للزبون.
وبالنسبة لبوعزة الخراطي، رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك عضو مجلس المنافسة، فإن الحكم القضائي الجديد يعتبر “مكسبا” بالنسبة للمستهلكين الذين يعانون في علاقتهم مع البنوك، خصوصا عند إغلاق الحسابات البنكية، موضحا أن هذا المشكل يهيمن على أغلب الشكايات الواردة على الجامعة من قبل الزبائن، معتبرا أن الحكم يشكل أرضية للتأسيس عليها من أجل إلزام المؤسسات البنكية باحترام مقتضيات مدونة التجارة، وكذا دورية والي بنك المغرب.
وقال الخراطي، في تصريح لهسبريس، إن “زبائن البنوك أصبحوا يتعرضون لمجموعة من الخروقات خلال عملية إغلاق الحسابات البنكية، إذ يواجهون مضايقات من قبل المكلفين بالزبائن الذين يستغلون ضعفهم أو جهلهم بما يخالف مقتضيات القانون08.31، القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك، من أجل تحميلهم مصاريف وتكاليف إضافية، وإلزامهم بإجبارية أداء المبالغ المحددة من قبلهم بشكل غير قانوني، دون تمكينهم من حق الاطلاع على ديونهم أو معطياتهم البنكية”.
وشدد المتحدث على أهمية الحكم القضائي الجديد في زجر ما اعتبره نزاعا “مفتعلا” من قبل البنوك، “طالما أن القانون واضح في هذا الشأن، ويعدد مساطر إغلاق الحساب البنكي، حيث يحمي مصالح الطرفين، البنك والزبون، إضافة إلى دورية والي بنك المغرب، التي تتضمن مجموعة من الإجراءات المسطرية الواجب اتباعها من قبل الزبائن بهذا الخصوص”.
سوء فهم
يعتري العلاقة بين الزبائن والبنوك سوء فهم كبير، بسبب نقص الشفافية والمعلومات المقدمة إلى الزبون، وتعقد المنتجات والخدمات، ذلك أن عددا منهم يجدون صعوبة في فهم المنتجات والخدمات البنكية بسبب تعقيد شروطها ومصطلحاتها، إضافة إلى غياب التوضيح الكافي، حيث لا توفر المؤسسات الائتمانية شرحا وافيا أو شفافا لهؤلاء الزبائن حول تفاصيل المنتجات، مثل الفوائد والرسوم والشروط، إضافة إلى التواصل غير الفعال من جانب المؤسسات البنكية، التي ما زال عدد منها يعتمد على قنوات تقليدية، مثل البريد أو المكالمات الهاتفية، بدلا من القنوات الرقمية الحديثة التي يفضلها الزبون، بغض النظر عن الحجة القانونية في كل قناة.
وبهذا الخصوص، أوضح سليم شهابي، محلل مالي مستشار بنكي، أن استخدام لغة تقنية أو بنكية يعقد التواصل مع الزبائن، الذين يعجزون عن فك طلاسم الكشوفات الحسابية البنكية في أغلب الأحيان، ناهيك عن العقود الائتمانية وغيرها، مؤكدا أن “بعض التطبيقات البنكية قد تكون معقدة وغير مستخدمة بشكل سهل، مما يؤدي إلى تفاقم سوء الفهم أو أخطاء في التعاملات بين البنوك وزبائنها”، مشيرا في السياق ذاته إلى أن المشكل يتفاقم بتأخر الاستجابة للشكاوى والاستفسارات الواردة عن هؤلاء الزبائن.
وشدد شهابي، في تصريح لهسبريس، على مشكل مرتبط بنقص التكوين والخبرة لدى الأطر المكلفين بخدمة الزبائن في البنوك، إذ “يؤدي ذلك إلى تقديم معلومات غير دقيقة أو غير كاملة للزبون، مما يضر بصحة العلاقة بين الطرفين”، منبها إلى مشكل آخر أكثر حدة، مرتبط بـ”تدني مستوى الثقة بين الزبون والمؤسسة الائتمانية، ويعود ذلك غالبا إلى تجارب سابقة سلبية أو انطباعات عامة عن القطاع البنكي، ناهيك عن تباين التوقعات بين ما ينتظره الزبون وما تقدمه البنوك فعليا”.
وأضاف المستشار البنكي ذاته أن “المصالح القانونية لدى البنوك مطالبة بلعب دور مهم خلال الفترة المقبلة، يتجاوز تدبير المنازعات إلى التحسيس الداخلي للأطر بأهمية احترام القانون، خصوصا ما يتعلق بحماية المستهلك، وذلك لتقليص كلفة التقاضي وتعزيز الثقة في المؤسسات البنكية وخدماتها”.
المصدر: هسبريس