أحب الناس إلى الله أنفعهم لعياله!!
ورد عند الطبراني في معجمه الكبير عن ابن عمر أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أي الناس أحب إلى الله؟ وأي الأعمال أحب إلى الله؟ فقال: “أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله تعالى سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينا، أو تطرد عنه جوعا، ولأن أمشي مع أخي في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد شهرا، يعني مسجد المدينة”.
نصوص الوحي جاءت ناهضة بالدعوة إلى السعي في قضاء حوائج الناس، والمسارعة إلى أعمال الخير التي تنفع العباد والبلاد، ولنعلم علم اليقين أن الجزاء من جنس العمل، فمن سعى في قضاء حوائج إخوانه قضى الله حوائجه: “من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه”.
وبيَّن المعصوم أن نفع الناس من أعظم الأعمال والقربات، يقول أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاءه السائل أو طلبت إليه حاجة، قال: “اشفعوا تؤجروا، ويقضي الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ما شاء”. وهاهم أنبياء الله جميعا يحرصون على قضاء حوائج الناس، ومن أروع ما قصه الوحي ما قام به نبي الله موسى عليه السلام لما ورد ماء مدين، يصور الله تعالى لنا ذلك المشهد الذي يفيض بالمروءة والرجولة: {ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير، فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير}، ومن مشاهد قضاء حوائج المحتاجين ما قام به الخضر وموسى عليهما السلام عندما دخلا القرية وطلبا الضيافة، ولكن القوم كانوا بخلاء فلم يكرموهم، وبينما هما يسيران إذ بجدار أوشك على الانهدام، فقام الخضر ليصلحه، يعاونه في ذلك موسى: {وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك}.
والمعصوم عليه الصلاة والسلام ضرب المثل الأعلى في الحرص على الخير والبر والإحسان، وخاصة للضعفاء والأيتام والأرامل، وكفالة الأيتام من أفضل الأعمال التطوعية التي حثنا رسول الله عليها: “أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة”، وقرن بين أصبعيه، الوسطى والإبهام، فلقد أمره الله تعالى بذلك.
والصحب الكرام ساروا على المنهج الذي رسمه لهم نبيهم، فسارعوا إلى قضاء حوائج المحتاجين، وتنافسوا في ذلك، وسطروا أروع الأمثلة، فها هو أبو بكر رضي الله عنه يسير على درب رسول الله في قضاء حوائج المسلمين، فرغم ما ألقي عليه من أعباء الخلافة، إلا أنه لم يمنعه ذلك عن عمل الخير، يذكر أهل السير أنه لما استخلف أصبح غاديا إلى السوق، وكان يحلب للحي أغنامهم قبل الخلافة، فلما بويع قالت جارية من الحي: الآن لا يحلب لنا، فقال: بلى لأحلبنها لكم، وإني لأرجو ألا يغيرني ما دخلت فيه.
وها هو الملياردير الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه مَن أنفق عمره وماله في رضا الله ورضا رسول الله صلى الله عليه وسلم يسارع إلى قضاء الحوائج، ويزيل عن الناس الشدائد، روى الإمام أحمد عن أم بكر بنت المسور بن مخرمة: أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه باع أرضا له من عثمان بن عفان بأربعين ألف دينار، فقسمها في فقراء بني زهرة، وفي ذي الحاجة من الناس وفي أمهات المؤمنين، قال المسور: فدخلت على عائشة رضي الله عنها بنصيبها من ذلك، فقالت: من أرسل بهذا؟ قلت: عبد الرحمن بن عوف، فقالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لا يحن عليكم بعدي إلا الصابرون، سقى الله ابن عوف من سلسبيل الجنة”.
* إمام مسجد عمر بن الخطّاب، بن غازي براقي