11 مايو 2024م اليوم الصحي للجالية السودانية في قطر .. حيث تنادينا خِفافاً
إنطباعات عن اليوم الصحي
فكرة الأيام الصحية فكرة متجذّرة في أضابير رابطة الأطباء السودانيين في قطر حيث أقيمت أيام صحية متكررة خلال السنوات الماضية ولكن حالت ظروف انتشار جائحة الكورونا في السنوات الماضية دون تنفيذها للعديد من الضوابط الصحية في البلاد ، وفي نهايات شهر إبريل الماضي تم النقاش حول الفكرة بين مجموعة من الأطباء واللجنة التنفيذية لرابطة الأطباء السودانيين في قطر ، وقد أخذت المجموعة المبادرة في الاعتبار عقب توافُد أعداد كبيرة من السودانيين في زيارات أسرية أو إقامات حرّة بسبب الحرب ، وقد تبين من المتابعة العامة للعديد منهم أنهم يواجهون إشكالات صحية و انقطاع عن المتابعة العلاجية خاصة من يعانون من أمراض مزمنة مثل السكري وارتفاع ضغط الدم و أمراض القلب والكلى وغيرها ، وبطبيعة الحال فإن الكثير من تلك الأعباء المرضية كانت تُحل عبر الأطباء السودانيين العاملين في دولة قطر بصورة شخصية وتمر غير منظورة بالنسبة لعامة الناس لأن الكثير من الأطباء كانوا يقومون بخدمات صحية مهمة وبصورة يومية وفي وقتهم الخاص ، و بالطبع فإن الزملاء من الأطباء والمهن الأخرى حول العالم وفي السودان يقومون بمجهودات مماثلة وقد يكون القدر الأكبر من هذه المساهمات في السودان حيث يعمل زملاء لنا هناك في مجالات عديدة تطوعاً ومن دون مرتبات بسبب الحرب وفي ظروف عمل صعبة في العديد من المدن ولشهور طويلة ، وقد أسهبت في هذا الأمر في مقال سابق بعنوان الطب في زمن الحرب بتاريخ 8 إبريل 2024م.
و لأن “عمل الخير ربنا بتمو” كما نقول في بلادنا الحبيبة فحالما طرحنا الفكرة على الروابط الصحية الأخرى وهي رابطة الصيادلة ورابطة تقنيي المختبرات الطبية ، حتى توافد كل الزملاء زرافات ووحدانا استجابة لهذا النداء الإنساني محققين المقولة الشعرية الخالدة للدكتور مبارك بشير والتي تغني بها الفنّان المبدع الراحل محمد وردي .
نلتقيك اليوم يا وطني .. لقاء الأوفياء
قد تنادينا خِفافاً
كطيورالريح في جوف العتامير تنادينا
لكِ يا أرض البطولات وميراث الحضارات … تنادينا!!
هكذا كان لسان حال الزملاء خاصة بعد إنشاء مجموعة اليوم الصحي في الواتساب في صباح يوم الإثنين 29 إبريل 2024م لتنسيق الجهود بين أعضاء لجنة التنظيم من الروابط الثلاثة ، الأطباء ، الصيادلة وتقنيي المختبرات الطبية ، لتسهيل انسياب المعلومات والمراسلات.
بعد نقاش مطول استقر الرأي على أن المكان الأفضل لإقامة اليوم الصحي هو المدرسة السودانية لكبر مساحتها ورمزيتها الكبيرة في أفئدة أعضاء الجالية ، وهنا يجب أن نتقدم بكل الشكر والتقدير للسادة عمر المختار إبراهيم زروق رئيس مجلس الأمناء , والأستاذ سيف الدين عثمان إبراهيم مدير المدرسة على سرعة استجابتهما وترحيبها بإقامة اليوم الصحي بالمدرسة السودانية ، ونقدم شكراً خاصاً جداً للأستاذ يوسف الماحي الذي واظب ولساعات طويلة في الطواف على الفصول ومراجعة تقسيم العيادات مع لجنة التنظيم خلال الأيام التي سبقت اليوم المشهود.
شمّر الجميع عن سواعد الجد فبادر أعضاء الرابطة في الوزارة بتذليل الصعوبات واستصدار الأذونات الرسمية وقام أعضاء اللجنة التنفيذية لرابطة الأطباء بكتابة المخاطبات الرسمية للمسئولين في مؤسسة حمد الطبية بعد الحوار الشفاهي معهم حول الخطوات اللازمة وجاءت الاستجابة سريعة ومذهلة خاصة من مكتب الدكتور عبد الله الأنصاري استشاري أول المسالك البولية ورئيس الإدارة الطبية بمؤسسة حمد الطبية ، حيث تمت الموافقة على الخطابات وتوفير كل المعينات العملية مثل أسِرّة الفحص والكراسي المتحركة لنقل المرضى ، مروراً بمعينات المختبرات الطبية مثل شرائح فحص مستوى السكري في الدم (المكلفة نسبياً) و أجهزة فحص القياسات الحيوية مثل الضغط والحرارة والوزن كما تم مد اليوم بأجهزة رسم قلب وأجهزة موجات صوتية محمولة وغيرها من المعينات.
وفي صباح السبت 11 مايو كان الموعد المضروب لافتتاح اليوم الصحي هو الساعة التاسعة صباحاً وإلى السادسة مساء ، لكن المتطوعين والمهنيين المعنيين توافدوا على المكان منذ الساعة السابعة صباحاً لاستكمال تنظيم وتنظيف العيادات الذي بدأ منذ مساء الخميس ومروراً بيوم الجمعة.
في تمام الساعة الثامنة و 55 دقيقة تجمّعت اللجنة المنظمة لعمل الطواف الصباحي والذي شرّفه بالحضور سيادة الدكتور عبدالله الأنصاري رئيس الإدارة الطبية بمؤسسة حمد الطبية ، وقد ذكرّنا ذلك التفقد اليومي للمرضى في العنابر وهو تقليد طبي عريق في كل مستشفيات العالم ، حيث يمرّ كبار الأطباء وشبابهم وطلابهم على عنابر المستشفى حسب تخصصاتهم في تراتبية معرفية محببة للنفوس لنقاش الحالات وتبادل الخبرات العلاجية. ومن اللافت للنظر أنه ومع ساعات الصباح الباكر فإن عدد المرضى المسجلين كان قد تجاوز السبعين مريضاً تقريباً حينذاك. شمل المرور على عيادات الباطنية والغدد الصمّاء والجراحة والقلب والجهاز الهضمي والنساء والتوليد والأطفال والعيون وطب الأسرة والتخصصات الفرعية الأخرى في الباطنية والجراحة مثل تخصص أمراض الدم وأمراض العظام والمفاصل بالإضافة لعيادة صحة الفم والأسنان وغيرها.
في المجموع كان في المدرسة حوالي 24 عيادة مختلفة وعيادة أسنان في الطابق العلوي ، وخلال اليوم حضر حوالي 85 طبيباً من مختلف التخصصات في مناوبتين صباحية من الساعة 9 صباحاً إلى 1 عصراً ومن 1 عصراً إلى 5 والنصف عصراً وبنفس التوقيت حضر حوالي 29 طبيباً صيدلياً و22 فني مختبرات طبية في تغطيات مختلفة كل حسب وقته المتاح ، كما تواجد زخم كبير من المتطوعين من التخصصات الأخرى وهنا لا بد من توجيه صوت شكر وإشادة بالدور الكبير لرابطة تقنيي المعلومات التي ساهمت بدقة في عملية تسجيل المرضى في نظام جمع معلومات دقيق (داتا بيز) لمتابعتهم لاحقاً. كما لا يمكننا إغفال الدور المتميز للأستاذة سلمى البشير في تصميم استمارات التقييم لكل المرضى ، كما تواجد عدد كبير من المتطوعين من مختلف اطياف المجتمع وبعض طلاب الطب ممن ساهموا في تنظيم المرضى وإيصالهم للعيادات المنتشرة في المدرسة. ومن الأشياء الإيجابية في ذلك اليوم المشهود تبرع أحد السودانيين ممن يديرون شركة مايكروباص إسمها شركة لافيرا لتوصيل المرضى مجاناً لأقرب محطة باصات ومترو لبعد المدرسة نسبياً من أقرب محطة مترو كما تبرعت شركة لافيرا أيضاً بمياه وقطع كيك للمرضى في صالة الانتظار الرئيسية حدث ذلك تلقائياً دون حتى تنسيق مسبق مع لجنة التنظيم.
من الساعة الثانية ظهراً قدّم العديد من الاستشاريين محاضرات توعوية حول الصحة العامة والصحة النفسية والتعامل مع الأمراض المزمنة ، كما واصل الأطباء علاج المرضى وتقييمهم حسب درجة خطورة المرض ، والملفت للنظر تحويل بعضهم لخدمات الطواري عبر خدمة الإسعاف (الذي جرى اخطار القائمين على تنظيم خدماته مسبقاً لكي يكون مستعداً في حالات الحوجة إليه) حيث جرى تحويل مريضين إلى مستشفى حمد العام بسبب تداعيات مرض الربو الصدري ومريضة نسبة لإكتشاف معدلات عالية من السكر في دمها.
يعكف أعضاء لجنة اليوم الصحي حالياً على رصد كل المعلومات والتجارب المستقاة من الإحصائيات للتوثيق ولعمل كتيب معلوماتي عن تنظيم الأيام الصحية يكون بمثابة مرشد لخطوات تنظيم أي يوم مشابه مستقبلاً ، وقد أوكلت لجنة التحضير هذه المهمة لعضويتين منها تشرفان على جمع المعلومات والمراسلات لتوثيقها وتبويبها في ذلك الكتيب (الإرشادي) ، هذا وقد وضحت التقارير أن عدد المستفيدين من الخدمات العلاجية والطبية في ذلك اليوم كان 721 مريضاً .
إننا في لجنة التحضير نعبّر عن عظيم الإمتنان والتقدير لدولة قطر أميراً وحكومة وشعباً على كرم الضيافة في بلدهم المعطاء ، كما نعبّر بشكل خاص عن شكرنا وتقديرنا لكل من ساهم في إنجاح هذا اليوم وهم كثيرون ولا يتسع المجال لذكرهم ، لكن يجب ذكر تشريف سيادة قنصل جمهورية السودان السيد حسن شريف لليوم الصحي للسودانيين ، كما يجب شكر أعضاء اللجنة التنفيذية لرابطة الأطباء السودانيين في قطر لمتابعتهم اللصيقة للتصاريح الرسمية ولتبرعهم المالي السخي لتوفير الوجبات والمياه والمشروبات الساخنة و الباردة للمتطوعين خلال هذا اليوم الملحمي والذي وضّح بجلاء قدرتنا كمجتمع مدني على تجاوز الصعاب عندما يكون الهدف هو الإنسان السوداني ورفاهة عيشه وعلاجه.
اليوم الصحي وضح لنا جميعاً الحوجة الكبيرة للخدمات الصحية والعلاجية لأفراد مجتمعنا السوداني في قطر خاصة كبار السن مما جعلنا نفكر بصورة جادة لتثبيت عيادات تطوعية راتبة في المستقبل القريب في أماكن مناسبة نتمنى أن ترى النور قريباً ، يقيننا أنه بتعاضد كل الحادبين على تطوير الرعاية الصحية للسودانيين في قطر أو في السودان أن هذه التجربة الرائدة يمكن التعلّم منها وتجويدها وربما تطبيقها أيضاً في المدن الآمنة في بلادنا خاصة بوجود كوادر صحية متعددة مهاجرة يمكن توظيفها لأداء ذلك إذا توفرت الأمكانيات المالية اللازمة لذلك.
تظل الجملة الأبلغ تأثيراً في شخصياً هي مقولة أحد المتطوعين الشباب وهو الأخ مازن صلاح والذي حضر من السودان قبل أسبوعين من اليوم الصحي وشارك في بفعالية كمتطوع لتنظيم حركة المرضى ، حيث قال لأحد أقربائه “شكراً لهم جميعاً لقد أخرجوني من حالة العجز التي سيطرت علي خلال شهور الحرب الماضية إلى إحساس عميق جداً بالقدرة على الفعل الإيجابي “… ثم أردف قائلاً … ” إنني فعلاً شديد الإمتنان”.
المصدر: صحيفة الراكوبة