احتدام القتال بين الجيش وجماعات إثنية يعقّد مهمة إنقاذ “مغاربة ميانمار”
تسارع السلطات المغربية الزمن لإطلاق سراح عدد من المغاربة المحتجزين في ميانمار من قبل جماعات مسلحة بهدف امتهان عمليات الاحتيال الإلكتروني؛ فيما تبدو الأوضاع بهذا البلد الآسيوي على المستوى الميداني “جد معقدة”.
أسباب الصراع
وتعيش ميانمار على وقع حرب أهلية ازدادت حدتها في السنوات الأخيرة، ويصفها الإعلام الغربي بـ”المنسية”؛ لأنها لا تحظى بالمتابعة الكبيرة على غرار الصراع في أوكرانيا وغزة وعدد من بؤر التوتر بالعالم، على الرغم من أن الحرب ببورما كما كانت تسمى سابقا وصلت إلى “مستويات خطيرة”.
ولن يكون التدخل الميداني سهلا في التراب الميانماري، الذي يغلي على “نار حارقة” بسبب احتدام القتال بين الجماعات الإثنية والشباب المعارض من جهة وبين سلطات الانقلاب العسكري من جهة أخرى.
وترسم الخريطة الأمنية بميانمار “تعقيدات متواصلة”؛ فمنذ انقلاب 2021 العسكري على الزعيمة المعتقلة أونغ سان سوتشي، التي تم انتخابها سنة 2015، دخلت البلاد في دوامة صراع متواصل بين جيش قوي وبين تحالف مقاومة غير مسبوق بين الجماعات الإثنية المسلحة.
ويواجه الرجل القوي بميانمار الجنرال مين أونج هلاينج، الذي قاد انقلاب 2021، مقاومة شرسة من عشرات الجماعات الإثنية، التي تحقق نجاحات على المستوى الميداني، وخاصة على شرائط الحدود مع الدول المجاورة، أهمها الصين وتايلاند.
وبالإضافة إلى هذه المواجهة الحارقة، التي تصفها وسائل إعلام غربية بـ”حرب الكل ضد الكل”، تنتعش نشاطات الجماعات الإجرامية التي تمتهن الاتجار بالبشر وأعمال الإبادة وغيرها من الجرائم.
وتواجه المؤسسة العسكرية بميانمار على وقع الترهل بسبب هذه المقاومة التي انطلقت بالأساس بعد ترسيخ فكرة الاستبداد في عقول الشباب منذ انقلاب 2021، وتعززت الفكرة بعد قمع الجيش المظاهرات بالقوة.
وكانت “عملية 1027″، التي قادها تحالف “الإخوان الثلاثة” المشكّل من جيش التحالف الوطني الديمقراطي في ميانمار وجيش تحرير تا آنغ الوطني وجيش أراكان، متغيّرا عسكريا حاسما في قلب موازين القوى لصالح المقاومة العسكرية، وخسائر واضحة في صفوف الجيش الانقلابي.
وبقي أمام جيش ميانمار الذي قام بتشكيل مجلس عسكري، في مواجهته لهذا التحالف الشرس، سوى الضربات المدفعية بعيدة المدى وشن هجمات جوية مركّزة؛ وهي خطوات لم تُعط نتائج مهمة للسيطرة على الأراضي، خاصة على مستوى الحدود.
ورغم أن الحرب الحقيقية تقوم حاليا بين جيش ميانمار وتحالف الإخوان الثلاثة، فإن جهات هذا البلد تعيش على وقع محاولة كل جماعة إثنية على حدة السيطرة العسكرية على مناطقها، وهذه الدوامة تؤدي إلى نزوح مستمر للمواطنين نحو تايلاند.
مكتب أممي حذّر من عمليات احتجاز في ميانمار
وبعدما تفجرت قضية احتجاز مواطنين مغاربة في مجمعات سكنية بميانمار على الحدود مع تايلاند، ظهر جليا تأثير هذه الحرب الأهلية بشكل واضح على مستوى نشاط الجماعات الإجرامية التي تستغل الانفلات الأمني لتعزيز عملياتها، خاصة في مجال الاحتيال الإلكتروني.
وكان مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة قد حذر، في تقرير له، من أن ” قواعد الاحتيال الإلكتروني تزحف بشدة نحو ميانمار”.
وبيّن التقرير ذاته، الذي صدر في شتنبر من العام الماضي ونقلته إذاعة “صوت أمريكا”، أن “عصابات الجريمة المنظمة التي تقف وراء عمليات الاحتيال الإلكتروني قد اتجهت إلى ميانمار لإنشاء قواعد نائية لها للقيام بأعمالها على الخصوص في الحدود مع الصين؛ وهي مناطق سيكون من المستحيل أمام قوات الإنتربول الوصول إليها”.
وأكد التقرير عينه، وفق المصدر، أن “هذه القواعد النائية تحظى بالحماية من الجماعات الإثنية التي تخوض حربا قوية ضد الجيش”، مشددا على أن “في ميانمار، انتشرت قاعدة الجريمة الكبرى حول منطقة مياوادي، التي يفصلها نهر صغير عن بلدة ماي سوت الحدودية الغربية لتايلاند”.
صلة وثيقة بين الجماعات الإثنية وعصابات الجريمة الإلكترونية
أشار مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة إلى “وجود صلة وثيقة وقديمة بين العصابات والجماعات الإثنية التي تسيطر على الحدود مع الصين وتايلاند”.
وحسب المصدر ذاته، فإن “جميع مراكز الاحتيال مجتمعة قد اجتذبت عشرات الآلاف من الأشخاص من آسيا وخارجها لإدارة سلبياتهم السيبرانية، والعديد منهم من الشباب المتعلمين الذين سافروا إلى هذه المجمعات يعتقدون أنه قد تم تجنيدهم بشكل شرعي لوظائف عالية الأجر في مجال التكنولوجيا أو المبيعات عبر الإنترنيت. وبمجرد أن يدركوا وضعهم، يتعين على معظمهم دفع فدية للمغادرة، وأحيانا يتم دفع الفدية من قبل العائلات، وأحيانا من قبل السفارات أو المنظمات غير الحكومية”.
وقال التقرير سالف الذكر إن “آخرين يعرفون أنهم سيقومون بالاحتيال قبل مغادرتهم بلادهم، وفي بعض الأحيان يقنعون الأصدقاء والعائلة بالانضمام إليهم مقابل رسوم من مديري مجمع الاحتيال”.
وكشف المكتب الأممي أن “المجمعات محصنة، لضمان عدم تمكن الضحايا من الفرار، بقضبان معدنية على النوافذ وشرفات المكاتب والمهاجع، حيث يتمركز حراس مسلحون بمسدسات وسياط كهربائية وأصفاد عند مدخل المجمع”، لافتا إلى أنه “يتم دفع أجور لبعض العاملين في عمليات الاحتيال، والبعض الآخر لا. ويختلف ذلك من مكان إلى آخر، ويعتمد في كثير من الأحيان على نجاح الضحية في توليد الدخل للمحتالين؛ ولكن يسمح لعدد قليل من الأشخاص بأخذ الأموال من مجمعات الاحتيال، حيث يجب عليهم إنفاق الأموال التي يتلقونها داخلها”.
ويعتمد النظام بشكل أساسي، وفق التقرير، على الكثير من العمالة المجانية التي يتم الاتجار بها والذين يتعين عليهم بعد ذلك دفع مبالغ إضافية للمغادرة، حيث تجني الجماعات الإجرامية الأموال بكل الطرق الممكنة، وقد تزايدت الأدلة على سوء المعاملة والتعذيب من الأشخاص الذين فروا من مجمعات الاحتيال.
وأوضح المكتب ذاته أن “مقاطع فيديو بكاميرات الهاتف تظهر من مجمع احتيال واضح في كوكانغ، تم تصويره خلال الأشهر الأخيرة، عشرات من التايلانديين مقيدي الأيدي وهم يسيرون حول منطقة تمرين من قبل حراس مسلحين كعقاب لعدم تحقيق أهداف المبيعات”.
المصدر: هسبريس