المقاومة تعيد جيش الاحتلال إلى المربع الأول
بعد أكثر من سبعة أشهر من الحصار والعدوان المدمر على غزة، ما يزال هذا القطاع الصغير يشهد معارك بطولية تخوضها المقاومة الفلسطينية التي أعادت جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى المربع الأول من المواجهة، وكأنها تبدؤه للتو، مفندة أكاذيبه القائلة إنه استكمل “عملياته العسكرية” وفكك قدرات المقاومة في الشمال، غير أن هذه الأخيرة أثبتت العكس وتمكنت من تشتيت جيش نتنياهو بين الجنوب في رفح والشمال في مخيم جباليا، ملحقة به المزيد من الخسائر في الجنود والعتاد.
أعلنت كتائب القسام، أمس، عن مقتل 12 جنديا إسرائيليا في قصف استهدفهم بجباليا، موضحة أن الاحتلال يسحب معداته المدمرة بغطاء جوي، وقالت إن مقاتليها استهدفوا جرافة عسكرية بقذيفة الياسين105 وقوة إسرائيلية تحصنت داخل منزل في جباليا واشتبكوا معها، كما فجر مقاتلو القسام عبوة شواظ في دبابة ميركافا بمخيم جباليا، ليضطر جيش الاحتلال عقب ذلك إلى الإعلان عن شروعه بعملية عسكرية “موسعة” في قلب مخيم جباليا شمال قطاع غزة، تزامنا مع استمرار عملية أخرى شرق مدينة رفح جنوب القطاع.
وقالت كتائب القسام في منشور على تلغرام، أمس، إنها قصفت مستوطنة سديروت بمنظومة الصواريخ رجوم قصيرة المدى من عيار 114 ملم، ما يدل على أن الجيش الإسرائيلي لم يتمكن من وقف إطلاق الصواريخ من قطاع غزة، حيث تعترف قنوات إعلامية عبرية أن معدل إطلاق الصواريخ من القطاع فاق التوقعات رغم انخفاضه تدريجيا خلال الأشهر الـ3 الأخيرة.
كما دفع احتدام المعارك في مخيم جباليا إلى إعلان الجيش الصهيوني شن عملية موسعة في المخيم، تزامنا مع الهجوم الذي بدأ الأسبوع الماضي على رفح الذي جاء ضمن تصعيد الاحتلال عدوانه على قطاع غزة، رغم إعلان حماس في 6 ماي الماضي قبولها بالمقترح المصري القطري لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، غير أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ادعى أن موقف الحركة يهدف إلى “نسف دخول قواتنا إلى رفح” و”بعيد كل البعد عن متطلبات” تل أبيب.
وتوغلت دبابات إسرائيلية في شرق رفح ووصلت إلى بعض المناطق السكنية يوم الثلاثاء الماضي، في تصعيد لهجوم إسرائيل على المدينة الواقعة جنوب قطاع غزة والتي يحتمي بها أكثر من مليون شخص، ما أثار مخاوف من تزايد القتلى المدنيين وسط تزايد كبير للدعوات الدولية ومنظمات الإغاثة إلى وقف التوغل البري في رفح المكتظة بالنازحين.
اشتد وطيس القتال في أنحاء القطاع خلال الأيام القليلة الماضية، بما في ذلك الشمال، مع عودة الجيش الإسرائيلي للمناطق التي زعم أنه فكك فيها حماس قبل أشهر، واستمرت معارك ضارية حتى وقت متأخر من يوم الثلاثاء في مخيم جباليا مترامي الأطراف الذي أقيم للنازحين قبل 75 عاما في شمال القطاع، وقالت كتائب القسام، الجناح العسكري لحماس، إنها دمرت ناقلة جند إسرائيلية بصاروخ الياسين105 في حي السلام شرق رفح، ما أدى إلى مقتل بعض أفراد طاقمها وإصابة آخرين.
فيما انسحبت القوات الإسرائيلية من حي الزيتون جنوب شرقي مدينة غزة، بعد عملية عسكرية استمرت ستة أيام، ونقلت تقارير إعلامية عن جيش الاحتلال، أنه قد يعود لاستئناف العمليات العسكرية في حي الزيتون إذا لزم الأمر، في حين أكدت مصادر محلية أن آليات الاحتلال انسحبت من الحي وسط إطلاق نيران الأسلحة الرشاشة تجاه المنازل.
وقالت وسائل إعلام فلسطينية إن جيش الاحتلال دمر مربعا سكنيا في محيط مستوصف حي الزيتون قبل انسحابه من المنطقة أمس، وأضافت أن جيش الاحتلال دمر مستوصف الزيتون و4 مدارس بشكل كامل خلال العدوان على حي الزيتون، والذي استمر 6 أيام، وأفاد متحدث الدفاع المدني، محمود بصل، بأن طواقم الدفاع المدني بدأت انتشال جثث الشهداء من حي الزيتون بعد انسحاب قوات الجيش الإسرائيلي.
قلق من تفاقم الوضع الإنساني
ويجري كل ذلك، وسط تفاقم للوضع الإنساني والصحي لسكان غزة، حيث قال وزير الصحة الفلسطيني ماجد أبو رمضان، إن أكثر من 80 في المائة من المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية في غزة خرجت من الخدمة نتيجة الحرب المستمرة في القطاع منذ أكتوبر الماضي.
وأضاف في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية (وفا)، أن الوضع الصحي في غزة كارثي جدا، ما يحرم المواطنين من حقهم في الحصول على العلاج والدواء، وما يستدعي تدخلاً دولياً عاجلا لإنقاذ المنظومة الصحية في القطاع.
وأوضح أبو رمضان أن وزارة الصحة وضعت خطة لإعادة إعمار القطاع الصحي بشكل تدريجي، حيث تبدأ في مرحلتها الأولى بعمل الفرق الصحية المتخصصة، ثم إنشاء عيادات متنقلة تصل للمرضى والمصابين في مكان تواجدهم، إضافة لإقامة المستشفيات الميدانية وفي المرحلة الأخيرة سيتم إعادة تأهيل وترميم المباني الصحية المتضررة نتيجة الحرب.
من جهته، حذر الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية، نبيل أبو ردينة، من التداعيات الخطيرة للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وقال إنَ إصرار جيش الاحتلال الإسرائيلي على اجتياح رفح سيكون خطأ كبيرا، ستتحمل الإدارة الأمريكية المسؤولية عنه، لأنها الوحيدة القادرة على وقفه.
وحمل أبو ردينة الإدارة الأمريكية مسؤولية هذه التداعيات الخطيرة وقال إنه سيكون لها تأثير على المنطقة والعالم أجمع، ولولا توفير الإدارة الأمريكية الدعم المالي والعسكري لإسرائيل، لما تجرأت على الاستمرار في ما وصفه بـ”الإبادة الجماعية” ضد الفلسطينيين.
وتقول الأمم المتحدة إن الحرب دفعت الكثير من سكان غزة إلى شفا المجاعة ودمرت المنشآت الطبية بالقطاع، إذ تعاني المستشفيات التي لا تزال تعمل من نقص الوقود اللازم لتشغيل مولدات الكهرباء وغير ذلك من الإمدادات الأساسية، وقالت محكمة العدل الدولية إنها ستعقد جلسات استماع يومي الخميس والجمعة لبحث إجراءات طوارئ جديدة طلبت جنوب إفريقيا فرضها بسبب الهجمات الإسرائيلية على مدينة رفح في قطاع غزة، وتقول قطر إن العملية الإسرائيلية في رفح أدت لتعثر محادثات وقف إطلاق النار.