ملفات “تضارب مصالح” تهز جماعة تطوان وسط تبادل للاتهامات.. هل يفعل العامل مسطرة العزل؟
أثار مهرجان تطوان الدولي لمسرح الطفل الذي اختُتمت فعالياته نهاية الأسبوع المنصرم، جدلا سياسيا واسعا بالمدينة، بسبب استفادته من دعم المجلس الجماعي لتطوان، بالرغم من كون كاتب مجلس الجماعة هو نفسه مدير المهرجان وأحد مؤسسي الجمعية المنظمة له.
وفي الوقت الذي تعتبر فيه المعارضة بجماعة تطوان، أن مهرجان تطوان الدولي لمسرح الطفل “مثال حي على تضارب المصالح، الأمر الذي يستوجب تفعيل مسطرة العزل”، يرى كاتب مجلس الجماعة أن الأمر “لا يتعلق بأي تضارب للمصالح أو خرق للقوانين”، مشيرا إلى وجود ما اعتبرها “تصفيات حسابات سياسية ليس إلا” وفق تعبيره.
وأعاد الجدل المثار حول هذا المهرجان، إلى الواجهة مجددا، ملفات “تضارب المصالح” لأعضاء بالمجلس الجماعي لتطوان، بسبب قضايا يعتبر متتبعون أنها تمثل “خرقا” للقانون التنظيمي للجماعات الترابية، دون أن يتم تفعيل الإجراءات المنصوص عليها في مثل هذه الحالات، وضمنها مسطرة العزل.
ملفات “هزَّت” الجماعة
بعد أسابيع قليلة من تشكيل مكتب جماعة تطوان عقب انتخابات 8 شتنبر 2021، تفجر ملف إدراج نقطة بجدول أعمال دورة فبراير العادية، يتعلق بفتح طريق عمومية من أجل الولوج لمشروع مدرسة خصوصية يعتزم إقامتها كاتب مجلس الجماعة، ما دفع هيئة حقوقية حينها إلى مراسلة عامل الإقليم لمنع تمرير المشروع، قبل أن تقرر الجماعة إرجاء النقطة إلى وقت لاحق، دون أن تعيد إدراجها مجددا لحد اللحظة.
وشهر ماي من العام الماضي، تفجر ملف آخر بعدما قامت عضوة بمجلس الجماعة ترأس إحدى لجان المجلس “إ.ح”، بتسخير آليات الجماعة لشق مسلك طرقي داخل قطعة أرضية لعائلتها متنازع عليها قضائيا بين الورثة، وبناء سور حولها بدون أي رخصة، قبل أن يتدخل باشا المدينة لهدم السور، لكن دون اتخاذ أي إجراءات بحق المستشارة المذكورة.
وإلى جانب ذلك، تثير عضوية نائبين لرئيس جامعة تطوان (“ز.ر” و”د.ز”)، باللجنة المؤقتة لتسيير نادي المغرب التطواني لكرة القدم، الكثير من التساؤلات حول مدى قانونية عوضيتيهما بفريق رياضي يستفيد من دعم سنوي للجماعة التي يمثلانها أيضا.
بالموازاة مع هذه الملفات التي تثير نقاش “تضارب المصالح”، برزت بجماعة تطوان قضايا أخرى وصلت إلى المحاكم، أبرزها ملف المستشار عن الأغلبية “م.ن.ك” الذي أدانته محكمة الاستنئاف بتطوان، شهر مارس 2023، بالسجن النافذ 5 سنوات في قضية تزوير محررات رسمية وتكوين عصابة إجرامية وتزييف أختام الدولة بهدف الاستلاء على عقارات.
كما أُدينت مستشارة أخرى من الأغلبية “س.ع” بالحبس النافذ 4 أشهر وغرامة مالية، في فبراير 2022، بعد اعتقالها في حالة تلبس بمحاولة إدخال كمية من المخدرات لسجين كان يتلقى العلاج بمستشفى “سانية الرمل” بتطوان. فيما آخر ملف تفجر بجماعة تطوان، يتعلق بأنس اليملاحي، نائب الرئيس المتابع في حالة اعتقال بتهم “النصب واستغلال النفوذ” في الملف المعروف إعلاميا بـ”التوظيف مقابل المال”.
جدل مهرجان الطفل
بخصوص المهرجان الدولي لمسرح الطفل، أوضح رئيس فريق العدالة والتنمية بجماعة تطوان، عادل بنونة، أن الجمعية المنظمة لهذا المهرجان استفادت هذه السنة من دعم عمومي بلغ 200 ألف درهم من طرف جماعة تطوان، و100 ألف من طرف المجلس الإقليمي، إلى جانب الدعم الذي تلقاه من شركاء آخرين.
وأشار بنونة في تصريح لجريدة “العمق”، إلى أن مدير المهرجان هو نفسه كاتب مجلس جماعة تطوان المنتمي إلى حزب العهد الديمقراطي، وهو من سير المهرجان ونظم الندوة الصحفية وقدم التصريحات، معتبرا ذلك “استغلالا لنفوذه ككاتب للجماعة”.
ولفت المستشار المعارض إلى أنه طالب مرارا بعزل المستشارين المتورطين في “تضارب المصالح”، عبر تفعيل المادتين 64 و65 من القانون التنظيمي للجماعات الترابية، “لكن الأطراف الأخرى ليست لديها إرادة تخليق الحياة السياسية بالجماعة” وفق قوله.
ويرى بنونة أن ملف دعم الجمعيات بجماعة تطوان “يعرف اختلالات متعددة تتجسد في التوزيع غير العادل للدعم وغياب الشفافية والمحاسبة والتقييم”، معتبرا أن مكتب الجماعة “يتجاهل دستور 2011 الذي ينص على مبادئ الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة”.
هذا وحاولت جريدة “العمق” الاتصال برئيس الجماعة، مصطفى البكوري، مرارا، لأخذ وجهة نظره في الموضوع، لكن دون رد. كما اتصلت بعدد من نواب الرئيس من أجل الإدلاء برأيهم، إلا أنهم اعتذروا عن الخوض في الموضوع.
هل يُفعل العامل مسطرة العزل
وفي هذا الصدد، راسلت جمعية الكرامة للدفاع عن حقوق الإنسان، عامل إقليم تطوان، من أجل تفعيل مسطرة العزل بحق كاتب مجلس الجماعة، فيما وجه ناشط حقوقي بالمدينة ذاتها، طلبا مستعجلا إلى رئيس جماعة تطوان عبر “بوابة الحصول على المعلومات”، حول ما إذا كانت الجماعة ستعمل على صرف مبلغ اتفاقية الشراكة مع جمعية مؤسسة مهرجان تطوان الدولي لمسرح الطفل، “بعدما تبين أن الجمعية عينت أحد مستشاري الجماعة مديرا للمهرجان، وهو ما يتنافى مع مقتضيات القانون 113.14، ويوجب إعمال المادة 64 و65 منه”.
وتنص المادة 65 من القانون التنظيمي للجماعات الترابية، على أنه يمنع على كل عضو من أعضاء مجلس الجماعة أن يربط مصالح خاصة مع الجماعة أو مع مؤسسات التعاون أو مع مجموعات الجماعات الترابية التي تكون الجماعة عضوا فيها، أو مع الهيئات أو مع المؤسسات العمومية أو شركات التنمية التابعة لها، أو أن يبرم معها أعمالا أو عقودا للكراء أو الاقتناء أو التبادل، أو كل معاملة أخرى تهم أملاك الجماعة.
كما تنص على منع كل عضو الجماعة على إبرام صفقات الأشغال أو التوريدات أو الخدمات أو عقودا للامتياز أو الوكالة أو أي عقد يتعلق بطرق تدبير المرافق العمومية للجماعة، أو أن يمارس بصفة عامة كل نشاط قد يؤدي إلى تنازع المصالح، سواء كان ذلك بصفة شخصية أو بصفته مساهما أو وكيلا عن غيره أو لفائدة زوجه أو أصوله أو فروعه، وهي نفس الأحكام التي تطبق على عقود الشركات وتمويل مشاريع الجمعيات التي هو عضو فيها.
وفي حالة إخلال أي عضو بالمقتضيات المذكورة، أو ثبتت مسؤوليته في استغلال التسريبات المخلة بالمنافسة النزيهة، أو استغلال مواقع النفوذ والامتياز أو ارتكب مخالفة ذات طابع مالي تلحق ضررا بمصالح الجماعة، تطبق بحقه مقتضيات المادة 64، التي تمنح العامل صلاحية إحالة الأمر إلى المحكمة الإدارية لطلب عزل العضو المعني من مجلس الجماعة، أو عزل الرئيس أو نوابه من عضوية المكتب أو المجلس.
ويتكون التحالف المسير لمجلس جماعة تطوان، من 8 أحزاب بقيادة التجمع الوطني للأحرار الذي يرأس الجماعة عبر مصطفى البكوري، إلى جانب الاستقلال، الاتحاد الاشتراكي، الأصالة والمعاصرة، التقدم والاشتراكية، العهد الديمقراطي، حزب الإنصاف، الحزب المغربي الحر، بينما يتموقع بالمعارضة حزبا العدالة والتنمية والاشتراكي الموحد، في حين اختارت 3 أحزاب أخرى، هي الاتحاد الدستوري والحركة الشعبية وفيدرالية اليسار، موقع المعارضة لكنها تصوت لصالح الأغلبية.
“تصفية حسابات”
بالمقابل، كشف الحسين شباب، كاتب مجلس جماعة تطوان، أن الأمر لا يتعلق بأي تضارب للمصالح، مشيرا إلى أنه لا تربطه بالمهرجان أي علاقة إدارية أو مالية، بل يتولى فقط الجانب الفني من خلال اختياره كمدير متطوع للمهرجان.
وأشار شباب في تصريح لجريدة “العمق”، أنه كان فعلا مؤسسا للمهرجان وعضوا بالمكتب المسير للجمعية المنظمة له، لكنه قدم استقالته منها سابقا تجنبا لتضارب المصالح، مضيفا أنه لم يطلع حتى على اتفاقية دعم المهرجان الموقعة بين الجماعة والجمعية.
وأوضح أن هذا المهرجان الذي انطلق سنة 2008 كان يتلقى دعما ضعيفا من طرف الجماعة سابقا بمبلغ لا يتجاوز 40 ألف درهم، قبل أن يتوقف الدعم خلال ولايتي حزب العدالة والتنمية بالجماعة، وهو ما اضطره إلى توقيف المهرجان منذ سنة 2015.
وبحسب المتحدث، فقد استأنف المهرجان فعالياته خلال السنة الماضية، لكن بدون أي دعم عمومي، قبل أن يحصل هذا العام في دورته الخامسة عشر على دعم من الجماعة، “لكنه دعم ضعيف مقارنة بباقي المهرجانات التي تُنظم في المدينة”، حسب قوله.
وتابع قوله: “الجميع في تطوان يعرفون محسن شباب المنشط والمهرج الفاعل في العمل الطفولي، وأنا أملك شركة للتنشيط وأمن الحفلات”، مردفا بالقول: “لم يسبق أن استفدت من أي شيء باستغلال النفوذ، بالعكس أدافع عن مصالح الساكنة”.
وهاجم شباب منتقديه بشدة، معتبرا أن الأمر يتعلق بما أسماه “تصفية حسابات سياسية والصيد في الماء العكر”، مشيرا إلى أنه لطالما صرف من ماله الخاص من أجل إنجاح هذا المهرجان، رافضا أن يتم اتهامه باستغلال النفوذ “كأني حايط قصير” على حد تعبيره.
“طريق عمومي من أجل مشروع خاص”
يرى المستشار المعارض عادل بنونة، أن ما اعتبره “استغلالا للنفوذ” في ملف مهرجان الطفل، لم يكن ليقع لولا تماهي مكتب الجماعة مع ملفات “تضارب المصالح” منذ بداية ولايتها وإلى حد الآن، مشيرا في هذا الصدد إلى الجدل الذي كانت قد أثارته نقطة في جدول أعمال إحدى دورات الجماعة، تتعلق بشق طريق عمومي نحو مدرسة خصوصية كان يعتزم تشييدها كاتب المجلس.
وكشف بنونة أن شق الطريق المذكورة كان سيكلف 30 مليار سنتيم من ميزانية الجماعة، ما بين نزع ملكية أراضي الخواص وأشغال التعبيد ومد قنوات الصرف الصحي والإنارة وشبكة الكهرباء والماء والأنترنت، لافتا إلى أن القطعة الأرضية لمشروع المؤسسة الخصوصية تتواجد أصلا فوق تراب جماعة مارتيل وليس تطوان.
وأشار في هذا الصدد إلى أن شق طريق من المال العمومي من أجل مدرسة خصوصية يملكها مستشار، هو تضارب واضح للمصالح، لافتا إلى أن المعني بالأمر صرح أثناء مناقشة الملف بأنه يملك موافقة الأكاديمية الجهوية حتى قبل بناء المدرسة، وأنه تسلم الموافقة من المديرية الإقليمية للتعليم بتطوان وليس مديرية المضيق التي تتبع لها المؤسسة.
الغريب في الأمر، يقول المستشار المعارض، أن كل هذا النقاش مر في لجنة التعمير بجماعة تطوان، حيث أقر كاتب المجلس حينها بأنه صاحب المشروع وأن من حقه الاستفادة، لكن محضر الاجتماع تم إفراغه من كل هذه المعطيات والنقاشات، بحسب تعبيره.
إقرأ أيضا: فتح طريق عمومي لصالح مدرسة خاصة يملكها مستشار يثير جدلا بتطوان ومطالب بتدخل العامل
ولفت إلى أن نقطة شق الطريق المذكورة كانت ستصادق عليها الجماعة، قبل أن يتدخل في آخر لحظة العامل السابق للإقليم (والي جهة الشمال حاليا)، لوقف الأمر بعد تفجر الملف إعلاميا، وهو ما دفع الجماعة إلى إرجاء النقطة إلى وقت آخر، دون أن تتم برمجتها إلى حد الآن، مطالبا السلطات بإلزام مجلس الجماعة بإعادة صياعة محضر اجتماع لجنة التعمير المذكور.
وشدد بنونة في حديثه لـ”العمق”، على أن مسطرة العزل كان يجب أن تُتخذ بحق كاتب المجلس في هذا الملف، معتبرا أن دورة فبراير 2022 كانت مدخلا لاستمرار هذه التجاوزات واقتراف مزيد من الاختلالات المرتبطة باستغلال النفوذ وتضارب المصالح، وفق تعبيره.
غير أن كاتب المجلس، الحسين شباب، نفى هذه الاتهامات واعتبر أن شق الطريق المذكورة يوجد في تصميم التهيئة المصادق عليه من طرف الحكومة والمنشور في الرسمية، مشيرا إلى أنها تدخل في إطار المنفعة العامة، وتشكل خدمة عمومية سيستفيد منها الجميع وليس أنا فقط، حسب قوله.
وأوضح شباب في حديثه للجريدة، أن تضارب المصالح يكون في حالة كانت الطريق غير مدرجة في تصميم التهيئة، لافتا إلى أن جزء الطريق التابع للنفوذ الترابي لمرتيل تمت المصادقة عليه من طرف مجلس جماعة مرتيل، مشيرا إلى ما اعتبرها “مزايا اقتصادية لتشييد مؤسسة تعليمية خصوصية ستوفر مناصب شغل وستمنح دينامية اقتصادية واجتماعية بالحي المذكور”.
وتابع بالقول: “كنت مستعدا لشق الطريق من مالي الخاص تفاديا لإثقال كاهل ميزانية جماعة تطوان. كنت أريد فقط المصادقة على القرار وأنا سأتكلف بكل شيء”، كاشفا أن النقطة كانت مطروحة بجماعة تطوان في عهد رئاسة حزب العدالة والتنمية، إلا أنه طلب تأجيلها تفاديا لأي لغط حينها، وفق تعبيره.
الحاجة لـ”ميثاق أخلاقي”
في هذا الصدد، يشير الناشط السياسي والحقوقي بتطوان، الأمين مشبال، إلى ضرورة وضع ميثاق أخلاقي جديد يؤطر تدبير جماعة تطوان، “من أجل وضع حدا لسلسلة الفضائح بلغت ذروتها مع هذا المجلس الذي يرأسه مصطفى البكوري، الأمر الذي يؤهل المجلس لأن يدخل كتاب غينيس للأرقام القياسية” وفق تعبيره.
ويرى مشبال، أن ما يحدث بجماعة تطوان ليس مجرد صدفة أو “تقويسة” عين حسود، بل نتيجة تظافر عوامل متعددة، أبرزها بحسب رأيه “مخطط مدروس ينجزه بعض محترفي السياسة عن سبق إصرار وترصد، إذ يعتبرون وصولهم لتدبير الشأن الجماعي أداة لتسخير بعض مرافق الجماعة وخدماتها الحيوية (التعمير، الرخص، دعم الجمعيات، الثقافة) وجعلها في خدمة أطماعهم ومصالحهم الشخصية”.
واعتبر مشبال أن “العامل الثاني يرتبط بتراجع فظيع في منسوب القيم ونظافة الحياة السياسية الحزبية بالمدينة”، موضحا أن “بعض أصحاب الشكارة أشباه الأميين أصبحوا يتحكمون في معظم الدواليب الحزبية وفي العمليات الانتخابية وجمع الأصوات عبر توليفة عجيبة قوامها المرقة والزرقة” على حد قوله.
وشدد على أن “الإيمان بدور الأخلاق والقيم في تشذيب وتهذيب النفوس وكبح جماح الغرائز المتوحشة أمر لا جدال فيه”، مضيفا: “لكن بموازاة ذلك نحن معشر المواطنين البسطاء في حاجة ماسة، وأكثر من أي وقت مضى، إلى تفعيل المبدأ الدستوري الذي يربط المسؤولية بالمحاسبة لحمايتنا من تغول هؤلاء في ظل التسيب واستفحال مظاهر الرشوة واستغلال النفوذ في حياتنا العامة”.
مشبال الحاصل على دكتوراه في موضوع “الخطابة السياسية السجالية”، أفاد في تدوينة له، بأن السلطات العمومية والنيابة العامة، باعتبارها تمثل المجتمع، مدعوة لأن تولي اهتماما فعليا بما تنشره الجمعيات الحقوقية وبعض المنابر الإعلامية بهذا الصدد، معتبرا أن “المقاربة الزجرية، أو الحاجة إلى الزرواطة، في المرحلة الراهنة، أولوية قصوى”.
المصدر: العمق المغربي