الرباط تطوي صفحة الغاز الجزائري ببدائل تحصن المخزون الطاقي المغربي
عاد الإعلام الجزائري ليثير القرار الذي جرى اتخاذه في أكتوبر 2021 القاضي بإيقاف إمدادات الغاز المسال عبر الأنبوب المغاربي الأوروبي المار من التراب المغربي في اتجاه إسبانيا، وذلك بعد أن تم رفض تجديد عقد استغلاله من قبل الطرف الجزائري، متحدثا عن “خسائر فادحة تكبدها القطاع الطاقي المغربي منذ ذلك الوقت”.
الحديث الإعلامي الجزائري عن هذا الموضوع خلال هذه الفترة لم يكن خاليا من مغالطات ادعاء وقوع “خسائر فادحة مست المنظومة الطاقية الوطنية المعتمدة أساسا في إنتاج الكهرباء الوطنية جرى التستر عنها”؛ فالواقع يوضح أن المغرب سارع منذ ذلك الوقت إلى إعادة تنشيط الأنبوب بشكل عكسي في اتجاه إسبانيا، بما مكن وقتها من التأسيس لمبادلات تجارية في مجال الطاقة مع الجار الإيبيري.
وفند خبراء مغاربة باحثون في مجال الطاقة والطاقات المتجددة “التهويل الجزائري في تقدير الخسائر التي مست الاقتصاد الوطني منذ إيقاف عمل الأنبوب المغاربي الأوروبي المار من المغرب”، موردين أن “الجزائر كانت تترقب توقف المنظومة الطاقية الوطنية، بينما ظهر العكس عبر لجوء المملكة إلى بدائل جديدة”.
عبد الصمد ملاوي، خبير دولي في تكنولوجيا الطاقات المتجددة، قال إن “توقيف أنبوب الغاز المغاربي لم يكن له على المغرب إلا تأثير لحظي وقتها ليس كبيرا كما يتم التسويق له، بالنظر إلى أن حصة المغرب منه لم تكن تتعدى 10 في المائة من إجمالي الاحتياج الوطني، حيث إن هذه الحصة كانت تذهب أساسا لإنتاج الكهرباء بمحطتين بالمنطقة الشرقية”.
واعتبر ملاوي، في تصريح لهسبريس، أن “المغرب كان سباقا إلى تسطير استراتيجية طاقية واضحة اعتمدت على خيار تنويع المصادر الطاقية، لأنه كان واعيا بإمكانية أن تعرف مجموعة من خطوط التوريد اضطرابات بفعل أزمات وقلاقل دولية، وبالتالي أخذ احتياطاته الكافية في هذا الصدد”، موردا أنه “قام بالاستثمار في أنبوب الغاز المغاربي نفسه عبر توقيع اتفاقيات في المجال الطاقي مع الجارة الشمالية”.
وأشار المتحدث إلى أن “المغرب يرتبط بخطين كهربائيين مهمين مع إسبانيا تصل قدرتهما إلى 1400 ميغاوات، جرى تشغيلهما خلال تلك الفترة من أجل نقل الكهرباء إلى المملكة لتعويض الكهرباء التي كان يتم إنتاجها محليا بالاعتماد على الغاز الجزائري، فضلا عن كون المغرب يؤمّن مشتريات مهمة من السوق الدولية للغاز المُسال”.
وأكد الخبير الدولي أن “المغرب في الأساس سارع إلى الانفتاح منذ مدة على ورش الطاقة المتجددة التي ينتج عبرها اليوم ما يصل إلى 20 في المائة من احتياجاته الكهربائية، في حين يصمم على الوصول إلى 42 في المائة من هذه الاحتياجات بالاعتماد على هذه الوسائل النظيفة”، مؤكدا أن “توقيف نشاط الأنبوب المغاربي ظل قرارا إيجابيا جعل المغرب يفكر في الأمن الطاقي الوطني خارج دائرة الطاقة الأحفورية للاستعداد لمثل هذه التقلبات مستقبلا”.
من جهته، قال أمين بنونة، أستاذ جامعي خبير في علوم الطاقة، إن “الجزائر كانت تظن أن توقيفها لأنبوب الغاز المغاربي سيجعل المغرب منهارا من الناحية الطاقية، غير أن ذلك لم يكن ليحدث عل الرغم من أهمية 10 في المائة التي فقدها وقتها، التي كان يتم إنتاجها باعتماد الغاز الجزائري”.
وأكد بنونة، في تصريح لهسبريس، أن “النقص الذي كان حاصلا وقتها جرى تجاوزه بالاعتماد على الإمكانيات الإنتاجية للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، في وقت يساهم القطاع الخاص في إنتاج حوالي 80 في المئة من الكهرباء الوطنية، بينما ينتج القطاع العمومي حوالي 20 في المائة، على الرغم من توفرهما على القدرات الإنتاجية نفسها”.
وبيّن المتحدث أنه “جرى الاستثمار في إمكانيات مكتب الكهرباء، فضلا عن تفعيل خاصية الاستيراد من اسبانيا في سنة 2022 قبل أن يتم تفعيل الاستيراد عبر أنبوب الغاز المغاربي بشكل عكسي من إسبانيا، وهو ما لم يكن متوقعا من قبل الواقفين وراء توقيف إمدادات هذا الأنبوب من الغاز لصالح المغرب”، موردا أن “مكتب الكهرباء المغربي كانت لديه إمكانيات للتجاوب مع تلك الظرفية الدقيقة جدا”.
وأبرز الخبير الدولي الطاقي أن “الجزائر بدورها ما تزال إلى اليوم محرومة من الكهرباء المغربية التي كانت تتزود بها فيما مضى، ويصعب أن تجد لها بديلا، لا سيما وأن تونس لا تستطيع توفيرها”، معتبرا أن “العلاقة في هذا الإطار كانت علاقة أبعد من كونها تجارية كما هو اليوم مع إسبانيا؛ فقد كانت علاقة دعمٍ لتجاوز الندرة وتأمين الحاجيات”.
المصدر: هسبريس