المبادرة الأطلسية هيكلة جديدة لقارة إفريقيا .. والاقتصاد يرسم التكتلات

قال الحسن عبيابة، وزير الثقافة والشباب والرياضة الناطق الرسمي باسم الحكومة الأسبق، إن المبادرة الأطلسية التي أعلن عنها الملك محمد السادس في خطابه بمناسبة الذكرى 48 للمسيرة الخضراء ستظل “حديث الأجيال المقبلة، وستبقى مشروعا ليس للمغرب فقط، بل للقارة الإفريقية وللأجيال المقبلة”، مسجلاً أن المبادرة ليست “ترفا فكريا ولا إعلانا أدبيا، وإنما هي تصور يمنح العالم توجها جديدا أمام التّحولات الجيوسياسية الطارئة فيه”.
وأضاف عبيابة خلال حلوله ضيفا على لقاء لجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء ضمن فعاليات الدورة الـ29 للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط، أن “العالم اليوم، حتى في أوروبا، يحتاج هذه المبادرة، بالنظر إلى الهيكلة التي تتم بالقوة في هذه القارة عن طريق الحرب في أوكرانيا، وكذلك الحرب المشتعلة في الشرق الأوسط، والصين تعد العدة لتايوان؛ واليابان وكوريا الجنوبية تهددهما كوريا الشمالية، فيما أمريكا الشمالية تهيج حروب الهجرة مع المكسيك وأمريكا اللاتينية، إلخ”.
وسجل المسؤول الحكومي الأسبق، ضمن محاضرته حول “المبادرة الملكية الأطلسية لتعزيز مكانة إفريقيا في الاقتصاد العالمي”، أن القيادات السياسية عبر العالم هائجة، لكن الملك محمدا السادس جاء ليقترح حلا لقارة بأكملها يساهم في إعادة هيكلتها بالكامل”، مضيفا: “بالتالي، هذا المحيط الأطلسي الذي كان منسيا جغرافيا وتاريخيا أصبح قطبا مستهدفا من جميع الدول العظمى، فقد اهتمت به الولايات المتحدة الأمريكية وعينت منسّقا خاصا للدول المتوسطية التي تبلغ 23 دولة، كما اهتمت أوروبا فورا بإعلان المبادرة”.
وتساءل: “لماذا هذا الاهتمام؟”، ليجيب عارضا تصوره للفكرة أمام الحاضرين بأن “الجواب هو أن التكتلات اليوم لم تعد سياسية شغلها هو الدفاع عن أفكار وأيديولوجيات، بل التكتل اليوم هو الاقتصاد والنمو والعمل والمستقبل”، ليخلص انطلاقا من هذا إلى اعتبار المبادرة الأطلسية “فكرا خلاّقا وتصورا جبارا نتمنى أن يتحقق في أقرب وقت، لأنه يحول القارة الإفريقية من قارة تضج بالإرهاب والفقر وغياب الأمن والاستقرار إلى دول تنموية قد تنافس الفضاء المتوسطي والفضاء الأوروبي”.
وشدد المتحدث على أن هذه المبادرة “حاضرة مسبقا في ديباجة الدستور المغربي”، لافتا إلى كون الوثيقة الدستورية لسنة 2011 تتكلم حرفيّا عن “تقوية علاقات التعاون والتضامن مع الشعوب والبلدان الإفريقية، ولا سيما مع بلدان الساحل والصحراء”، معلّقا بالقول: “يمكننا أن نصفها بالمبادرة الدستورية لكوننا أمام تفعيل لمقاضياته، فضلا عن كونها سياسية وجيواستراتيجية”.
وتابع شارحا: “المبادرة جاءت في سياق دولي معين وهناك بعض الكتابات تتساءل: هل انفتاح المغرب على الإفريقي والأطلسي سيجعل الرباط تنسحب من التعاون مع فضاءات أخرى؟”، وأضاف: “بالعكس، الفضاء المتوسطي يظلّ شريكا، وأوروبا أيضاً؛ لكن الشريك القادم الذي تربطنا معه علاقات جغرافية هو الشريك الإفريقي، وربما قد يكون المغرب هنا حلقة وصل بين فضاءات المتوسطي والأوروبي والإفريقي”.
وهكذا، فبالنسبة للناطق الرسمي باسم حكومة سعد الدين العثماني، فإن مفهوم التعاون جنوبجنوب منحه المغرب “توقيعا جديدا”. فهذا التعبير “تم تدوينه سابقا في الأمم المتحدة، لكن لم يكن له مفهوم، وكان دائما يأتي في سياق تكملة بعض البرامج الأوروبية”، وتابع: “الملك جعل من هذه العبارة سبيلاً لنهضة اقتصادية وتنموية. فكرة جنوبجنوب والمبادرة الأطلسية لديهما فحوى آخر مختلف، لا يتحول فقط إلى امتداد للآخرين وإنما إلى قوة للتعاون مع الآخر”.
ولفت عبيابة إلى ما ورد في خطاب العاهل المغربي الموجه إلى القمة الـ15 لمنظمة التعاون الإسلامي؛ ثلاث كلمات محورية جاءت فيه تؤثث للمبادرة الأطلسية: “التنمية”، “الاستقرار” و”السلام”، وقال: “هذا أساسي لكون ثلث مساحة القارة يحتوي على مجموعات إرهابية. والإرهاب يوجد بقوة في مالي وتشاد والنيجر وشمال نيجيريا. النظرة الأوروبية للإرهاب حاولت التعاطي معه عسكريا، في حين إن ما ظهر لاحقا في تفسير الخبراء أن محاربة الإرهاب ممكنة من خلال التنمية”.
وربط المتحدث بين المبادرة الأطلسية وخلق التنمية المنشودة بهذه المناطق، معتبرا أن تنميتها وتأهيلها ممكن من خلال دعم استقرارها وأمنها وتكريس التعاون معها. وزاد: “في الجغرافيا السياسية نعدّ الدول التي لا تطل على البحار والمحيطات [دولا حبيسة]، وفي قارتنا توجد 16 دولة من هذا النوع، وهو ما ينعكس على ضعفها حين يكون وصولها إلى الساحل عن طريق الدول المجاورة، ويكون مشروطا بضمانات يمكن أن تفضي إلى تصدّع ما، وهو ما حدث مرارا”.
وسعى المسؤول الحكومي الأسبق إلى تبيان أن “تفكير المغرب يصبّ في منحى إضافة 4 دول جديدة إلى الدول الساحلية الـ23، وهكذا ستكون لدينا عمليا 27 دولة، وهو عدد يضاهي عدد دول اتحاد القارة العجوز”، مستدركا بأن “هذه الدول لديها معيقات لكن التنبؤات تكشف أن استغلال الموارد والثروات قد يصل إلى معدلات تشبه دول البحر الأبيض المتوسط إذا تم استغلالها وفق التعاون وضمن نسق محكم للتنمية، وهنا يمكن أن نستحضر هيكلة القارة من خلال أنبوب غاز المغرب نيجيريا، الذي يمر عبر 13 دولة، والذي هو جزء من المبادرة الأطلسية”.
المصدر: هسبريس