اخبار السودان

اسم السودان ليس عربياً… ولا يعني “أرض السود”..

د. ابراهيم مصطفى عمر*

تتداول بعض المصادر العربية وكثير من الناس عامة أن اسم “السودان” أخد من “السواد”، ويشير لسواد بشرة السودانيون، ولكن هذا الافتراض غير صحيح تاريخياً. ولقد روج كثير من الكتاب الأمريكان لهذا التفسير مؤخراً لتجميل ورفع شأن تاريخ الأمريكان الأفارقة كسود لربطهم بحضارة كوش، بغض النظر عن الحقائق التاريخية.

الحقيقة أن هذا الاسم يرجع إلى العهد الكوشي ونطقه الكاتب “روما لوكيوس سينيكا” في القرن الأول الميلادي بالـ”سُد”، و هو بالتالي أقدم من كل المصادر العربية. وشرح الكاتب البريطاني “راؤول مكلافلين” أرض الـ”سُد” بانها في “جنوب السودان الحالي”، أرض رطبة، مليئة بقصب البردي والحصير و النباتات الفاسدة. وتغطي في موسم الأمطار مساحة أكبر من مساحة إنجلترا، مع وجود مستنقع رطب واسع يمتلئ بالبعوض والحشرات الأخرى.

العرب واللغة العربية ظاهرة اجتماعية نسبياً جديدة في التاريخ.. واللغة العربية بشكلها الحالي لم تدخل السودان بشكل واسع إلى بعد القرن السابع، وفي الحقيقة، اللغة العربية نفسها لم تسبق القرن الخامس الميلادي. الحضارة الكوشية يرجع تاريخها، مكانا، إلى منطقة كرمة، وزمانا، إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد. فالحق أن تاريخ السودان مغيب ومهمش ومشوه؛ فتجد أن أغلبية الكتاب إما مؤرخين من فترات الاستعمار البريطاني لا يهتمون بتتبع تراث البلاد، أو باحثين معاصرين من دول غربية بخلفيات ضعيفة عن السودان. وتجد معظم الدارسين المعاصرين متأثرين بتشوهات صنعها جيران طامعين ومتعطشين لترويج تاريخ بلادههم وسياحتها على حساب دولة السودان، وقطعا هؤلاء الجيران هم مصر وأثيوبيا.

إن تعطش المصريين لاستلاب تاريخ السودان وطمس دلالاته ليس مجهولا عند الشعب السوداني بما لا يستوجب الإطالة فيه. فالدولة المصرية تعتمد على السياحة في جلب العملات الصعبة بشكل أساسي وينظر الكثير من ساستها إلى السودان كمصدر خطر لثروة أثرية ضخمة ويمكن أن تخطف أنظار العالم. ومن الجانب الآخر، تبنى الأثيوبيين كلمة “الحبشة” وحتى كلمة (أثيوبيا) والتي كانت تطلق على كوس والنوبة والسودان وبنوا على الكلمتين ”الحبشة” و”أثيوبيا” سوقاً سياحية ضخمة. فمن المعروف عند المؤرخين الغربيين أن كلمة (أثيوبيا) أطلقت على حضارة كوش حسب المصادر الإغريقية والرومانية القديمة قبل الميلاد، ولم تطلق على أثيوبيا الحالية. وتجدر الإشارة إلى أن إثيوبيا الحالية لم تعرف لها حضارة في فترة ما بعد القرن الأول الميلادي.

وعمليا، الاسم (أثيوبيا) لم يصبح متداولا في أثيوبيا الحالية إلا في القرن الخامس عشر الميلادي. تمسك ملوك أكسوم بكلمة “إثيوبيا” بسبب ورودها في الكتب السماوية، وتحديداً الإنجيل. ويدّعي مدراء السياحة الأثيوبية اليوم أن النجاشي مدفون في بلدهم وبنوا له مسجدا وشيدوا له معالم سياحية في قرية في إقليم تجراي يزورها مئات السائحين شهرياً على الرغم من غياب أي دليل تاريخي. وناقش الباحث د. جون أبينك هذا الموضوع في برنامج لقناة الجزيرة عن النجاشي قائلة: (كما نرى فإن التراث الإثيوبي المسيحي لا يمتلك أي توثيق دقيق لما حدث في تلك المنطقة).

المؤرخ السوداني الكبير البروفيسور عبد الله الطيب كتب وتحدث مفصلا في أصول النجاشي كملك من ملوك النوبة من السودان، من المنطقة الشمالية ومن وادي النيل، واستدل على ذلك بكثير من الأدلة من السيرة النبوية لابن هشام، ومن الكتابات الجغرافية، والمراجع اللغوية. و للأسف يستكثر معظم الكتاب السودانيين على السودان عظمة وأصالة وعراقة الحضارة الكوشية ولذلك لم ترد دراسات كثيرة تمدد وتعزز ذلك المفهوم. وربما يرجع هذا التقليل من شأن السودان لما أسماه الأستاذ محمود محمد طه ب”عقدة الأجانب” شارحا: (إننا، نحن السودانيين، لطول ما رزئنا به من الإذلال، فقدنا الثقة في أنفسنا، وظننا أن الخير لا يأتي من عند أنفسنا، ولا من مواطنينا، وإنما هو الخير يجيء دائما من وراء حدود بلادنا.. (الكتاب الأول من سلسلة رسائل ومقالات ١٩٧٣م).

وأخيراً ربما يحق لنا أن نتفاءل بأنه على الرغم من المرئي من دمار الحرب الحالية، فإن نهاية هذه الحرب ستخط بداية نهضة كبرى، وعهد ذهبي، يتم فيه إعادة بناء وإعادة ترتيب للبلاد تشمل كل المجالات، بما في ذلك إعادة كتابة تاريخ السودان.

أستاذ التاريخ.. جامعة أوهايو
www.sudanhistory.org

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *