في شأن حمدوك مفجّر حرب السودان السودانية , اخبار السودان
خالد فضل
تداولت الوسائط الإعلامية بمختلف أنواعها ومنصات التواصل الاجتماعي العديدة، الخبر المنسوب إلى النيابة العامة في السودان بتسمية د. عبدالله آدم حمدوك رفقة أربعة عشر فردا آخرين من السودانيين/ات باعتبارهم مسؤولين عن إشعال الحرب في السودان، والتحريض، والعمل على تقويض النظام الدستوري… إلخ.
وتطلب النيابة من السادة/أن المشمولين في الإعلان تسليم أنفسهم إلى النيابة العامة في ظرف أسبوع من تاريخ النشر، وبالطبع في حالة عدم تسليمهم سيعلنون لاحقا كمتهمين هاربين من العدالة.
هذه هي خلاصة الخبر، أما النيابة فقد مارست مهنتها بمهنية لا تحسد عليها، فهي اعتمدت على ما وردها من تحقيقات اللجنة الوطنية للتحقيق في الجرائم التي ارتكبتها مليشيا الدعم السريع المتمردة في حربها ضد الدولة والمواطنين السودانيين.
واللجنة تلك كان قد كونها السيد قائد الجيش السوداني الفريق عبدالفتاح البرهان، فبعد أن اشتكى الرجل (بصفته رئيس البلاد) أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر سبتمبر من العام الماضي؛ اشتكى من تلك الجرائم وعددها، وطالب بأن تعتمد الأمم المتحدة على حيثياته التي أوردها المليشيا بأنها منظمة إجرامية إرهابية، وأن تفرض عليها ما تستحق من عقوبات دولية.
لغاية هنا الأمر يسير في خطوات مقبولة، كونه يتهم حميمة السابق خصمه اللاحق بكل جريرة هذا أمر معروف في عالم السياسة، ولكن عندما سمع أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة تلك الشكوى بإنصات، لعلهم رددوا جميعا في سرهم (لا حول ولا قوة) وهي عبارة نرددها في لهجة كثير من السودانيين الناطقين بالعربية في مواجهة هول ما سمعنا، ونتبع ذلك بوضع اليدين على الرؤوس دليل اندهاش واستهجان واستغراب.
أما في أضابير المنظمة الدولية فهناك إجراء يحدث في هذه الحالة، هو ببساطة قرار بتكوين لجنة تحقيق بوساطة الجهة التي إليها وجهت الشكوى، وليس أي جهة أخرى، وهو ما شرعت فيه الأمم المتحدة بالفعل.
ولكن علينا (الحوقلة مجددا مع ما يتبعها)، جاء رد الشاكي برفض تكوين واستقبال تلك اللجنة، لعل لسان حال وزارة خارجية قائد الجيش يقول للأمم المتحدة إما قبول شكوتنا وإصدار الجزاءات ضد المتمردين بناء على ما أوردناه أو (بلاش) لجان تحقيق ودولية كمان، وفيها خبراء وعتاة القانونيين والمحققين الدوليين، إنتو عاوزين تتطلعون شكوتنا فشوش؟؟
ولأن خبرة 30 سنة في التعامل مع مثل هذه المواقف تسعف أصحابها دون شك، فقد سارعوا إلى تشكيل لجنتهم الوطنية _ معذرة، فقد تعذّر عليّ التمييز في النسبة أهي للوطن أم للحزب الذي ينتسب إليه _ هذه هي ظروف إعلان عبدالله حمدوك على رأس آخرين صدف أنهم من البارزين في تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية المختصرة في (تقدم. ولنحسن الظن نقول (صدف) فلا بد أن الحس العدلي يجري في دماء السادة /أن أعضاء النيابة العامة وأضرابهم في لجنة تحقيق (الوطني!!!!! كما أنّه من المفرح حقا أن تكون في السودان نيابة عامة واستعداد لفتح تحقيقات وغيرها من إجراءات، فلدينا من الجرائر العامة ما تنو بحمله الأجيال، لدينا قضايا على شاكلة تدبير وتنفيذ انقلاب ضد السلطة الشرعية وتقويض الدستور في يوم 30 يونيو من العام 1989. لدينا الواقعة نفسها في يوم 25 أكتوبر 2021م، قبلها لدينا أم الجرائم مجزرة 3 يونيو 2019م أمام بوابات القيادة العامة للقوات المسلحة التي يقودها السيد البرهان نفسه، لدينا سجل مخجل من جرائم بيوت الأشباح، ومن جرائم التمكين، ومن جرائم فعائل الشر لمدة 30 سنة مضت.
كل هذا مما يتطلب من نيابتنا العامة أن تشد حيلها، وتتجرد بروح المهنية والوطنية لتلاحق المشتبه فيهم بارتكابها، وتسميهم وتعلنهم مطلوبين للعدالة، يومها سنخرج بالملايين نقولا نعم ليك يا النيابة العادلة إ
لست ناطقا رسميا باسم التنسيقية، فهي وقيادتها أجدر وأكفأ في الزود عن حماهم، ولكن بصفة المراقب والمحلل للوقائع أدلي برأيّ في الموضوع، الدكتور عبدالله حمدوك شغل منصب رئيس مجلس الوزراء لمدة 26 شهرا تقريبا من عمر الفترة الانتقالية التي أعقبت الإطاحة برأس النظام السابق عمر البشير، وبموجب الوثيقة الدستورية التي وقع عليها المكون العسكري (الجيش والدعم السريع) من جهة، والقوى الممثلة للثورة والثوار (قوى إعلان الحرية والتغيير) من جهة مقابلة، وذلك في شهر أغسطس 2019م، وقد حاز د. حمدوك شبه إجماع تام بين قوى الثورة، وهي من الحالات النادرة في التاريخ السياسي السوداني المعاصر، كما حظي بترحيب وقبول لدى غالبية الرأي العام الثوري أو المؤيد للثورة، وبالطبع كانت هناك بعض الآراء المتحفظة على اختياره؛ ومن حق كل فرد أن يرى ما يرى من رأي، لكن المهم أن د. حمدوك قد شكل عنصر إجماع وطني ثوري في تلك المرحلة.
وإذا اختلف الناس حول تقويم وتقييم أدائه، بيد أنهم لم يختلفوا حول استقامته ونزاهته ووطنيته، وقد حاول أن يأخذ بيد شعبه وبلاده إلى آفاق أرحب وإخراجها من جحر الضب الخرب الذي أوردها إياه النظام المباد، وقد صارت جرائره مبذولة لمن في جمجمة رأسه ذرة من عقل!.
ومما يحمد لحمدوك في هذا المضمار عمله على إخراج البلاد من العزلة الدولية، وإعادتها كبلد يستحق أن يقف في صفوف البلدان لا كسيحا كالبعير الأجرب منبوذا حتى من الأهل والجيران، ثم كتب عبدالله حمدوك، وتحدث عن ضرورة بناء مشروع وطني متوافق عليه يمثل البوصلة الهادية لكل طموح سياسي، وكتب وأشار إلى عقبات الانتقال الديمقراطي، ومما عدده حالة التشظي بين المكونات المدنية والمكونات العسكرية وبينهما الاثنين منوها إلى أن المرحلة تتطلب التسامي عن ضيق الأفق والتحلي بكامل وأقصى درجات المسؤولية الوطنية.
ومما خطه ونشره فكرة الأحزمة التنموية الخمسة التي تتكامل فيها المصالح بين جميع السودانيين، فيصبحون أقرب للوحدة الوطنية وأبعد عن التشرذم والاقتتال، وفي سبيل قيادة النهضة ومع بشائر فك العزلة الدولية، كانت مؤتمرات المانحين والداعمين للانتقال في السودان، وجاءت الخطط والمقترحات والبرامج في مجالات البنى التحتية والبرامج الإسعافية، وتحت قيادته في الفترة القصيرة تلك بدأ الاقتصاد يتعافى قليلا، وأشرق الأمل وسط قطاعات عديدة بدأت تتأهب لمرحلة الانطلاق، ثم سعى للسلام، وفي عهده أبرمت اتفاقية سلام جوبا، والتي كان السيد حميدتي يرأس الوفد الحكومي مع الجبهة الثورية موحدة في البداية ومنقسمة إلى اثنتين فيما بعد ومع كليهما وقعت الاتفاقية، وعاد بعض القيادات يتسنمون الوظائف الحكومية الرفيعة، ويتمتعون بالامتيازات والمخصصات المبذولة للمناصب، وفي سعيه لإكمال شوط السلام تواصل مع عبدالعزيز الحلو ومع عبدالواحد محمد النور القائدين اللذين لم تشملهما اتفاقية جوبا، كل ذلك والرجل لم تصبه أي شظايا اتهامات بالفساد أو المحسوبية أو الحيف، حتى وقع انقلاب 25 أكتوبر 2021م، والذي قطع الطريق على الانتقال المدني الديمقراطي، وحاول الرجل أن يستعيد المسار، وأظنه أخطأ سياسيا هنا بعدم قراءته للواقع الثوري جيدا أو لربما غلب عليه حسن نواياه، فظن بالعساكر ظنا حسنا، ورفض الشارع الثوري اتفاقه ذاك، فما لبث أن تقدم باستقالته قائلا: إنه يرد الأمانة إلى صاحبها وهو الشعب السوداني، وكان ذلك موقف نبل منه.
عند اندلاع حرب (التشظي العسكري كما كان قد نبه سابقا)، سارع إلى توجيه رسائله إلى قائدي المكون العسكري البرهان وحميدتي يدعوهم إلى وقف الحرب فورا والتفاوض من أجل حل المشكلة بينهما، ولم يأل جهدا في سبيل رفض الحرب والوقوف ضدها والعمل والدعوة إلى وقفها حتى رأس (تقدم) وخلاصة دعواها وقف الحرب والعودة إلى التفاوض. ووجه مؤخرا كتابا إلى البرهان وحميدتي يدعوهم إلى مقابلة ومناقشة موقف كل منهما مع تقديم رؤية تقدم للحل، استجاب حميدتي للدعوة، والتقى وفد تقدم في أديس أبابا، وخرجا بإعلان مبادئ، من أهم ما فيه قبول حميدتي لوقف إطلاق النار دون شروط واستعداده لمقابلة البرهان، في المقابل كان رد السيد البرهان هو الخبر الذي نشرته وسائط الإعلام، هكذا إذا يريد السيد البرهان أن يحل مشاكل السودان، عفوا السيد البرهان أم السادة الذين يسيطرون على البرهان!!!
المصدر: صحيفة التغيير