تابعة لإسبانيا..نظرة على وجهة استثنائية تقع وسط شمال إفريقيا
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) في الأساطير اليونانية والرومانية القديمة، كانت أعمدة هرقل، التي تحدّد العالم المعروف، عبارة عن أعمدة ضخمة تقف على جانبي مضيق جبل طارق حيث يلتقي البحر الأبيض المتوسط بالمحيط الأطلسي.
أحدهما كان على صخرة جبل طارق، وهي عبارة عن نتوء صخري تابع للأراضي البريطانية بجوار البر الرئيسي لإسبانيا، والآخر كان في مدينة سبتة على ساحل شمال إفريقيا.
اليوم، سبتة هي أرض مفصولة إسبانية، أي أنها جزء من بلد يحيط به بالكامل بلد آخر، أي المغرب في هذه الحالة.
ورغم أنها قد تكون على بعد 18 ميلًا فقط من البر الرئيسي الإسباني، إلا أن هذا النتوء الصغير لأوروبا في إفريقيا يُعد واحدًا من أكثر الوجهات الاستثنائية في أي من القارتين.
وتحيط المياه بسبتة من ثلاث جهات، وهي محمية بأسوار عالية من القرون الوسطى وقلاع حجرية، وأسلاك شائكة تشير جميعها إلى تاريخها المضطرب.
بمساحة تبلغ 7 أميال مربعة فقط وبعدد سكان يصل إلى حوالي 85 ألف نسمة، كانت شبه الجزيرة هذه التي تمتد فجأة إلى البحر الأبيض المتوسط في حوزة إسبانيا منذ عام 1580.
لكن هذا النتوء الصخري يُعد أكثر من مجرد مخلّفات استعمارية، بمشهد عمارته، وثقافته، ومطبخه، الذي يمزج التأثيرات من جانبي مضيق جبل طارق. ويمكن أن تكون هذه المدينة الأكثر تعددًا للثقافات في إسبانيا.
وقالت ميلا برنال، ممثلة مكتب السياحة المحلي، لـCNN: “لقد حصلت سبتة على لقب المدينة الأكثر ولاءً في إسبانيا لأن مواطنيها قرروا أنهم يريدون أن يكونوا إسبان، وليس برتغاليين”.
بوابة إلى إفريقيا
يُعد تاريخ سبتة معقّدا، ويقف على الأسوار الملكية التي تعود إلى القرن السادس عشر التي لا تزال تحيط بالبلدة القديمة، شرحت برنال كيف غزا البرتغاليون سبتة في عام 1415 عندما اجتاحت عملية الاسترداد المسيحية لشبه الجزيرة الأيبيرية البحر الأبيض المتوسط إلى قلب المناطق المغاربية.
واتحدت البرتغال وإسبانيا تحت حكم ملك واحد في عام 1580، وهكذا سقطت سبتة تحت حكم الاتحاد الأيبيري حتى عام 1640، عندما انفصلت البرتغال.
لكن سكان سبتة الذين هاجروا إلى حد كبير من الأراضي الإسبانية، وليس البرتغالية، في البر الرئيسي الأوروبي، قرروا أنهم يفضلون الوقوف إلى جانب إسبانيا.
بموقعها الاستراتيجي المميز، يعود تاريخ المدينة إلى العصور القديمة، ونظرًا لموقعها البارز في حراسة مضيق جبل طارق، فقد طالبت كل القوى الكبرى في البحر الأبيض المتوسط بسبتة أو احتلتها.
ويمكن العثور على الآثار الفينيقية التي يعود تاريخها إلى القرن السابع قبل الميلاد بجوار كاتدرائية سبتة.
وقد أسس بحارة البحر الأبيض المتوسط مستوطنة صغيرة هنا كجزء من إمبراطوريتهم البحرية المتنامية. وفي وقت لاحق جاء القرطاجيون والرومان الذين احتاجوا إلى تأمين بوابة إفريقيا.
وقالت برنال: “اعتقد الرومان أن جبل هاشو كان عمود هرقل. وكانت هذه نهاية العالم بالنسبة للرومان”.
وتابعت: “لقد أطلقوا على المدينة اسم سبتوم، نسبة إلى تلالها السبعة، التي تطورت إلى الاسم الحديث سبتة”.
معارك ضارية
يوجد اليوم تمثال برونزي ضخم يصوّر هرقل وهو يدفع الأعمدة جانبًا، ويرحب بالركاب الذين ينزلون إلى شاطئ البحر الأبيض المتوسط في سبتة.
وبعد سقوط الإمبراطورية الرومانية، استولى البيزنطيون على سبتة، ودارت معارك ضارية مع الوندال والقوط الغربيين للسيطرة على المنطقة.
وفي القرن الثامن، اجتاحت الدولة الأموية الإسلامية شمال إفريقيا، وغزت كل ما في طريقها، بما في ذلك سبتة. وسيطرت الممالك العربية والمغاربية والأمازيغية على المدينة حتى وصول البرتغاليين والإسبان في القرن الخامس عشر، ما أدى إلى مطالبة أوروبية استمرت على مدار 400 عام الماضية.
وتتمثل أسهل طريقة للوصول إلى سبتة من أوروبا بالعبارة من الجزيرة الخضراء، وهي مدينة ساحلية تقع على البر الرئيسي الإسباني عبر المياه المليئة بالدلافين في مضيق جبل طارق.
ويقوم العديد من الإسبان بالرحلة لقضاء العطلة، وهي بالتأكيد لا تخل من مناطق الجذب السياحي.
ومن خلال استكشاف الكاتدرائيات الكاثوليكية في المنطقة، سيجد الزوار تذكيرات باقية للحكام السابقين على شكل متحف البازيليكا الرومانية، الذي يحتوي على بعض من أقدم الآثار المسيحية التي اكتشفت على الإطلاق في شمال إفريقيا، والحمامات العربية، والعمارة المغاربية، التي لا تكون في غير مكانها بمدن غرناطة أو قرطبة بجنوب إسبانيا أو ميناء طنجة المغربي.
وهناك جولات سيرًا على الأقدام إلى مناظر ملحمية مثل ميرادور دي سان أنطونيو، حيث تتوفر مشاهد بانورامية لسبتة، والمغرب، ومضيق جبل طارق. ويوجد بها شواطئ للاسترخاء والتمتع بأشعة الشمس.
وصنّفت سبتة رسميًا على أنها مدينة إسبانية تتمتع بالحكم الذاتي وهي أيضًا جزء من الاتحاد الأوروبي وواحدة من منطقتين إسبانيتين على ساحل البحر الأبيض المتوسط في شمال إفريقيا.
أما المدينة الأخرى فهي مليلية، التي يبلغ عدد سكانها أيضًا حوالي 85 ألف نسمة، وتقع على بعد حوالي 250 ميلًا شرق سبتة، وتقع أيضًا على الحدود مع المغرب.
وكما هو متوقع، يعارض المغرب سيادة إسبانيا على هذين الجيبين، مستشهدا بالروابط الجغرافية والتاريخية مع الأراضي التي تعود إلى الفتوحات الإسلامية.
وفي القرن الثامن عشر، فشل سلطان المغرب في الاستيلاء على سبتة بعد حصار دام 30 عامًا.
وفي القرون التالية، أدت النزاعات الحدودية إلى حروب وقتال متقطع، حتى استُعمر جزء كبير من المغرب من قبل إسبانيا وفرنسا في القرنين التاسع عشر والعشرين.
وبينما حصل المغرب على استقلاله في عام 1956، احتفظت إسبانيا بسبتة ومليلية.
ورغم كونها جزءًا من إسبانيا الحديثة، إلا أن هوية سبتة الغريبة تعكس موقعها في شمال إفريقيا.
وعلى شاطئ “بلايا دي لا ريبيرا”، حيث يستمتع المصطافون الإسبان بأشعة الشمس، يمكن سماع الآذان ومشاهدة مآذن المساجد في الأفق.
تقع سبتة في شمال إفريقيا جغرافيًا، وتُعتبر إسبانية سياسيًا، لكن ثقافيًا، تتعايش عناصر من القارتين والعالمين، المسلم والمسيحي، جنبًا إلى جنب.
إخلاء مسؤولية إن موقع يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
“جميع الحقوق محفوظة لأصحابها”