الطاقة النظيفة” .. هذه دوافع تزايد الاستثمارات الخليجية في “المعادن الحرجة
سلّط أحمد سلطان، متخصص في شؤون الطاقة، الضوء على “دوافع تزايد الاستثمارات الخليجية في المعادن الحرجة”، مشيرا إلى أن “المعادن الحرجة تُعد ضرورية للنمو الاقتصادي للدول الكبرى والناشئة في العالم ومنطقة الشرق الأوسط، ومنها دول الخليج”.
وبعدما أبرز أحمد سلطان، في مقال نشره مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، دواعي الاهتمام العربي والخليجي بالمعادن الحرجة، خصص محورا للتجربة الإماراتية في المجال، مسجّلا أن “الاستراتيجية الإماراتية تؤكد تأمين احتياجاتها المحلية من المعادن بشكل عام”، كما أن “دولة الإمارات تستهدف تعزيز حجم الاستثمارات الخارجية، وجذب المزيد من المستثمرين من جميع دول العالم”.
وتمثل المعادن الحرجة، مثل النيكل والليثيوم والكوبالت والنحاس، العمود الفقري لصناعة الطاقة الخضراء والنظيفة.
نص المقال:
تُعد المعادن الحرجة المحرك الرئيسي للطاقة النظيفة ومحورا مهما في الانتقال إلى الاقتصاد الأخضر، إذ أصبح التوجه العالمي لتقنيات الطاقة النظيفة يقود الطلب المتنامي على المعادن الحرجة. وتدخل تلك المعادن في تصنيع البطاريات القابلة لإعادة الشحن والألواح الشمسية، بالإضافة إلى توربينات الرياح. لذا، فإنها تقوم بدور مهم في عمليات التحول نحو الطاقة النظيفة.
وتمثل صناعة المعادن الحرجة أحد القطاعات الاستراتيجية للدول؛ لأنها تسهم بشكل ملحوظ في تطوير وتنويع الاقتصادات الوطنية، وتعزيز مساعي هذه الدول نحو تعزيز فرص النمو الاقتصادي على نطاق طويل ومستدام. ومن ثمّ، أصبحت تلك المعادن تحظى باهتمام كبير من جانب الدول العربية، والخليجية على وجه التحديد.
التأثير في الطاقة النظيفة
نمت السعة المركبة للطاقة المتجددة عالميا بوتيرة سريعة خلال السنوات الماضية؛ فقد وصلت إلى مستويات مرتفعة، وقُدرت بحوالي 3870 جيجاوات في عام 2023، وفقا للوكالة الدولية للطاقة المتجددة. ومن المتوقع أن تسهم الطاقة النظيفة والمتجددة بنسبة حوالي 90 في المائة من إجمالي التوسع في إنتاج الطاقة الكهربائية عالميا، بحلول عام 2027.
وأمام ما تقدم، تُعد المعادن الحرجة ضرورية للنمو الاقتصادي للدول الكبرى والناشئة في العالم ومنطقة الشرق الأوسط، ومنها دول الخليج. وقد تكون إمدادات هذه المعادن مُعرضة للخطر بسبب الندرة الجيولوجية لها، أو الصراعات الجيوسياسية التي يشهدها العالم، أو عوامل أخرى.
وبالنظر إلى تأثير حجم الطلب العالمي على المعادن الحرجة في صناعة الطاقة النظيفة، فإنها كانت تمثل نسبة محدودة للغاية في نهاية عام 2010؛ ولكن تغير الحال مع تزايد وتيرة التحول نحو الطاقة النظيفة منذ عام 2015 وتزايد حجم الاستثمارات في مجال الطاقة الخضراء والنظيفة، إذ سجلت معدلات الإنفاق العالمي على الطاقات المتجددة حوالي 600 مليار دولار عام 2022. وعليه، يمكن القول إن صناعة الطاقة النظيفة أصبحت السوق الكبرى من حيث السعة، والأكثر طلبا للمعادن الحرجة جراء العديد من الأسباب الفنية، والتي من ضمنها متطلبات البنية التحتية في صناعة الطاقة النظيفة واحتياجها إلى تلك المعادن أكثر بمراحل عديدة من صناعة الوقود الأحفوري.
ومن المُرجح أن تؤدي مساعي التحول إلى الطاقة النظيفة إلى تنامي الطلب العالمي على المعادن الحرجة بمقدار حوالي أربع مرات (تقديرات أولية) بحلول عام 2040. كما يُتوقع نمو الطلب العالمي على العناصر الأرضية النادرة إلى أكثر من حوالي 40 في المائة خلال السنوات المقبلة.
علاوة على ذلك، تشكل مساعي الدول نحو التوسع في شبكات الكهرباء عامل ضغط رئيسيا على مستويات الطلب العالمي على معدن النحاس المهم في هذه الصناعة خلال السنوات المقبلة. كذلك من المُرجح أن يؤدي ارتفاع معدلات الطلب على الطاقة الكهروضوئية إلى تنامي الطلب العالمي على المعادن الحرجة. أما بالنسبة للطاقة النووية والكتلة الحيوية، فسوف تمثل نسبا محدودة من الطلب العالمي على المعادن الحرجة؛ لأن هذا النوع من الطاقات يتطلب نسبا محدودة من تلك المعادن.
اهتمام عربي وخليجي
شهد ملف الطاقة النظيفة في المنطقة العربية نموا ملحوظا عام 2023؛ وذلك ضمن مساعي دول الخليج نحو التحول إلى الطاقة النظيفة، ومواصلة دورها المهم في سوق الطاقة العالمية، وخاصة في صناعة النفط الخام. وعرفت العديد من الدول تنفيذ العديد من مشروعات الطاقة النظيفة؛ نظرا لأهمية هذه الطاقة في التحول إلى مزيج طاقة مستدام يساعد على مواجهة أزمة الطاقة العالمية، والتغيرات المناخية، والمساهمة في خفض مستويات الانبعاثات الكربونية.
وتمتلك العديد من الدول العربية، وخاصة الخليجية، مستهدفات طموحة نحو زيادة نسبة الطاقة النظيفة في مزيج توليد الكهرباء بحلول عام 2035، إذ تتراوح النسب المستهدفة ما بين حوالي 25 في المائة و65 في المائة (تقديرات عامة وفقا لخطة كل دولة). وشهد ملف الطاقة النظيفة اهتماما كبيرا من صُناع السياسات في المنطقة العربية؛ وذلك في ظل أزمة الطلب المتنامي على الكهرباء ومساعي خفض الاعتماد على صناعة الوقود التقليدية، سواء لأسباب اقتصادية أم بيئية أم غيرها.
وبالنظر إلى سعة توليد الطاقة النظيفة، يُلاحظ أن أكثر من دولة عربية نجحت في زيادة القدرات المركبة بمعدلات ملموسة عام 2023، وخاصة مصر ودولة الإمارات والسعودية. ومن ثمّ، يمكن القول إن كثيرا من الدول العربية تتمتع بتوافر العديد من مصادر الطاقة النظيفة وبتنوعها، كما أنها تمتلك احتياطيات مؤكدة من المعادن الحرجة، بالإضافة إلى تمتعها بالمقومات الضخمة لتبني تكنولوجيات الطاقة النظيفة. وعليه، قد تساعد المعادن الحرجة العديد من الدول العربية على خلق بيئة استثمارية جاذبة، وبالأخص الدول التي تمتلك احتياطيات كبيرة منها، علاوة على أن الاستثمارات في صناعة المعادن الحرجة ستؤدي إلى التنويع الاقتصادي، وبالتالي سينعكس هذا التنوع في مدخلات الاقتصاد على تنامي حجم الإيرادات وزيادة حجم التدفقات الأجنبية، والتي سيكون لها مردود إيجابي على تحسين عائدات الاستثمار بشكل كبير وتسجيل معدلات تنموية عالية؛ بالإضافة إلى وجود تأثير مباشر في حل أزمة البطالة في العديد من دول المنطقة، إذ تؤدي مثل هذه الاستثمارات الضخمة في صناعة واستخلاص المعادن الحرجة إلى زيادة عدد الوظائف (المباشرة وغير المباشرة).
وأمام ما تقدم، يُعد ضخ وتعزيز الاستثمارات في تلك الصناعة الحيوية فرصة واعدة؛ نظرا لوفرة المعادن الحرجة والثروات الطبيعية في دول الخليج، مع توافر بنية تحتية ضخمة ومتطورة تكنولوجيا، بالإضافة إلى توافر الموانئ البحرية، مما ينعكس على عمليات تصديرها عند عمليات استخلاصها، وتحقيق قيمة مضافة هائلة.
لذا، تستثمر دول الخليج بشكل كبير في استكشاف واستخلاص المعادن الحرجة، ومن ضمنها النحاس والنيكل والألومنيوم وغيرها من المعادن الاستراتيجية؛ بهدف تأمين المعادن المطلوبة لإنتاج الطاقة النظيفة، بالإضافة إلى سعيها إلى تنويع اقتصاداتها وتقليل الاعتماد على قطاعات النفط الخام والغاز الطبيعي والفحم (مصادر الطاقة الأحفورية بشكل عام)، وكذلك الحد من مستويات الانبعاثات الكربونية، وغيرها من الخطوات الجادة التي ستكون لها انعكاسات إيجابية على تحقيق أهداف الطاقة الخضراء والنظيفة.
التجربة الإماراتية
تبرز بعض التجارب اللافتة لتعزيز استغلال المعادن الحرجة، وعلى رأسها تجربة دولة الإمارات؛ إذ تمتلك ثروة من المعادن الحيوية، منها: الكروميت والألومنيوم والفولاذ الخام. وعليه، تؤكد الاستراتيجية الإماراتية تأمين احتياجاتها المحلية من المعادن بشكل عام، ومن المعادن الاستراتيجية أو الحرجة بشكل خاص، من خلال تعزيز عمليات بحث واستكشاف واستخراج هذه المعادن. كما تستهدف دولة الإمارات تعزيز حجم الاستثمارات الخارجية، وجذب المزيد من المستثمرين من جميع دول العالم، من خلال وضع الأطر القانونية والتنظيمية المتعلقة بقطاع التعدين، للوصول به إلى مرحلة التطوير الشامل، إذ تسعى دولة الإمارات إلى تحقيق مجموعة أهداف شاملة؛ وهي توطين صناعة الطاقة المتجددة، ودعم الأهداف الطموحة نحو خفض استخدام مصادر الطاقة التقليدية، وتسريع عمليات انتقال الطاقة، وأن تصبح المعادن الحرجة بديلا قويا للوقود التقليدي خلال السنوات المقبلة. كما تعمل دولة الإمارات على خلق شراكات ضخمة في قطاع المعادن الحرجة مع حكومات عديدة على مستوى العالم، بالإضافة إلى وجود شبكة مترابطة واسعة من الموانئ الحيوية، والتي تجعل من الدولة مركزا رئيسيا لتجارة المعادن الحرجة عالميا.
خلاصة القول، تسعى دول العالم إلى تعزيز تقنيات الطاقة النظيفة، من أجل مواجهة ظاهرة التغيرات المناخية، ومحاولة الوفاء بالتزامات الحياد الكربوني؛ مما انعكس بصورة ملحوظة على أسواق المعادن الحرجة عالميا، إذ إن هناك فجوة كبيرة بين الطلب على هذه المعادن وما هو متوفر منها. وتمثل المعادن الحرجة، مثل النيكل والليثيوم والكوبالت والنحاس، العمود الفقري لصناعة الطاقة الخضراء والنظيفة؛ إذ تدخل في تصنيع بطاريات التخزين وتوربينات الرياح، وغيرها من متطلبات ومدخلات صناعة الطاقة النظيفة عالميا. وعليه، يمكن القول إن تعزيز الاستثمارات الخليجية في قطاع المعادن الحرجة يُعد من المسائل الاستراتيجية والضرورية لتعزيز مفهوم أمن الطاقة الخليجي، وتعزيز دور دول مجلس التعاون؛ لتصبح مركزا إقليميا وعالميا لتجارة وصناعة المعادن الحرجة، بالإضافة إلى الدور الرئيسي لهذا القطاع في تدفق العائدات المستقبلية وتنويع مصادر الطاقة.
المصدر: هسبريس