فيضانات كينيا: بين معاناة إنسانية وسوء تخطيط رغم تطوير العاصمة نيروبي
فيضانات كينيا: بين معاناة إنسانية وسوء تخطيط رغم تطوير العاصمة نيروبي
تبدو الأوضاع بائسة وقاتمة في العاصمة الكينية نيروبي بعد هطول الأمطار دون توقف على مدار ستة أسابيع، مما أدى إلى تأثير مدمر شهدته المدينة.
أسفرت تلك الفيضانات عن مقتل ما يزيد على 120 شخصا حتى الآن، من بينهم نحو 50 شخصا في فيضانات اجتاحت منطقة تبعد نحو 60 كيلومترا عن نيروبي يوم الإثنين.
ويعد هذا موسم هطول الأمطار في المنطقة، بيد أن هطوله هذه المرة كان أشد كثيرا من المتوقع، ويُعزى ذلك إلى ظاهرة النينيو الجوية، كما ارتفع منسوب مياه الأنهار والمجاري، وتحولت الطرق إلى ممرات مائية، ودُمرت المنازل.
والفيضانات في نيروبي عادية، لكن حجم فيضانات هذا العام كشف عن مشاكل طويلة المدى تتعلق بالطريقة التي تطورت بها المدينة.
ويقول ألفريد أومينيا، خبير التخطيط العمراني والبيئة، لبي بي سي: “لا يمكنك احتواء الطبيعة. الأمر لا يسير على هذا النحو”.
تخطى قصص مقترحة وواصل القراءة
قصص مقترحة
قصص مقترحة نهاية
ويضيف أن مساحة كبيرة من المدينة تقع على قمة سهول فيضية لنهر نيروبي، الذي يخترق العاصمة، التي يمر عبرها أيضا عدد من الأنهار والجداول المائية الأخرى.
وربما كان نظام الصرف الصحي المتطور قادرا على التكيف مع الوضع، بيد أن نمو المدينة على مدار القرن الماضي من نحو 100 ألف ساكن إلى 4.5 مليون نسمة حاليا، جعل بنيتها التحتية عاجزة عن مواكبة الأزمة.
ومما يفاقم المشكلة ويجعلها أكثر تعقيدا أن أقل من نصف سكان المدينة يربطهم نظام صرف صحي، في المناطق العشوائية، التي تنتشر فيها بالوعات الصرف المفتوحة، وتغمر طرقها عندما تفيض بالمياه.
كما تعرضت المصارف لانسداد بسبب إلقاء الناس قمامة منازلهم فيها.
تخطى يستحق الانتباه وواصل القراءة
يستحق الانتباه
شرح معمق لقصة بارزة من أخباراليوم، لمساعدتك على فهم أهم الأحداث حولك وأثرها على حياتك
الحلقات
يستحق الانتباه نهاية
يأتي ذلك في وقت تلاشت فيه العديد من المساحات المفتوحة مع تنامي أعمال البناء، سواء في الأحياء الفقيرة أو في المناطق المخطط لها.
ومع زيادة الأبنية الخرسانية على الأرض، تراجعت مساحة الأماكن التي يمكنها امتصاص المياه، بل على النقيض تتدفق عبرها مما يؤدي إلى غمر المصارف والأنهار.
ويقول أومينيا إنه نتيجة لذلك أصبحت الطرق جزءا من نظام الصرف الصحي.
وأنحى باللائمة على ما وصفه بـ “القيادة الجاهلة التي بدأت من العصر الاستعماري”.
وكانت السلطات قد سمحت ببناء أحياء سكنية عشوائية حول الأنهار، مما أدى في بعض الأحيان إلى تعطيل تدفقها الطبيعي، فضلا عن بناء العديد من الأحياء الفقيرة في المدينة، مثل موكورو وماثاري، على الأراضي الهامشية على طول أودية الأنهار.
وكانت فرق الإنقاذ قد انتشلت، يوم الأربعاء الماضي، عشرات الجثث لأشخاص غرقوا في نهر ماثاري بعد هطول أمطار غزيرة مساء اليوم السابق.
وعقب هطول الأمطار، غمرت المياه معظم المنازل في المنطقة، وحوصر بعض السكان الذين لجأوا إلى أسطح منازلهم.
كما تضررت العقارات الراقية، بما في ذلك بعض العقارات التي لم تكن عرضة للفيضانات في الماضي.
وقال حاكم نيروبي، جونسون ساكاجا، إن مستويات هطول الأمطار كانت مرتفعة للغاية، وألقى باللوم على عمليات التعدي على الأراضي المحيطة بالأنهار مما أدى إلى تفاقم الأزمة في الفيضانات.
واتخذ ساكاجا قرارا بتعليق الموافقات على تطوير البناء وأعمال الحفر.
بيد أن المهمة الأكبر قد تكون في تطهير المناطق العشوائية أو تحسينها.
وعلى الرغم من كون الحكومة لديها خطة لبناء مساكن لائقة وبأسعار معقولة، إلا أن مشاريع التطوير السابقة لم تف بالطلب المتزايد.
في غضون ذلك، طُلب من السكان الانتقال إلى مناطق مرتفعة حفاظا على سلامتهم.
وقال الرئيس ويليام روتو إن الأشخاص الذين يعيشون في مناطق خطرة في شتى أرجاء البلاد سيجري نقلهم إلى الأراضي التي توفرها خدمة الشباب الوطنية، بينما تخطط الحكومة لحل طويل الأمد.
وأضاف أنه جرى حشد جهود الجيش والحكومة الوطنية للعمل مع المقاطعات لدعم المنكوبين.
كما أعلنت مقاطعة كيامبو المجاورة، والتي تقع مناطق منها على حوض النهر وتضررت من الفيضانات، أنها ستتخذ إجراءات للتخفيف من حدة الوضع، بما في ذلك إجراء عمليات فحص للمباني.
وشهدت السنوات الماضية هدم العديد من المباني داخل المدينة وما حولها كوسيلة لمعالجة التطورات العشوائية، ولكن في كثير من الأحيان دون تأثير يذكر.
كما تعرضت بعض مشاريع التطوير في المدينة وضواحيها لانتقادات بسبب إعاقة تدفق المياه، والتي تجد طريقها بعد ذلك إلى مناطق أخرى.
وأصبح تشييد المباني على الأراضي الرطبة مشكلة كبيرة أيضا، ففي عام 2018، جرى هدم سوق تجاري ضخم “ساوث إند”، الذي بلغت قيمته ملايين الدولارات، في لانغاتا وسوق “أوكاي” التجاري في ويستلاندز كجزء من حملة تهدف إلى إصلاح الأراضي الرطبة.
وكتب روبرت ألاي، عضو مجلس مقاطعة نيروبي، على موقع إكس: “لدينا الآن العديد من المنازل التي بنيت بجوار الأنهار التي غمرتها المياه، وانهارت الجدران في كل مكان… لا تقف أمام الطبيعة، لأنها تقاوم”.
وكان ساكاجا قد دافع، قبل الفيضانات الأخيرة، عن تطوير المباني الشاهقة في بعض المناطق السكنية، وقال إن الطريقة الوحيدة التي ستتطور بها نيروبي هي بالبناء.
وتعرض موقفه لانتقادات احتجت بأن التطورات أدت إلى إجهاد البنية التحتية المثقلة بالفعل. وقد أصدر الآن أمرا بإيقاف جميع الموافقات على تطوير المباني “حتى نتمكن من مراجعة جميع الموافقات التي تم إصدارها والمستمرة في المدينة”.
كما انتقد عدد من النواب حاكم نيروبي بشأن إدارة المدينة، واستشهدوا بأزمة الصرف الصحي والفيضانات.
ودافع سكاجا عن نفسه ووصف الانتقادات بأنها ذات دوافع سياسية.
وقال سامسون تشيرارجي، نائب في البرلمان من الائتلاف الحاكم، إن سكاجا لا يتحمل المسؤولية لأن “المشكلة التي بدأناها في عام 1963، لا يمكنك حلها الآن”.
ويمكن إرجاع بعض المشاكل إلى أصول نيروبي، التي تعني “مكان المياه الباردة” في لغة الماساي، وحقيقة أنها لم تكن بمثابة مكان مناسب لاستيعاب أعداد كبيرة من الناس للعيش فيها.
وكان الموقع قد بدأ استخدامه كمستودع للسكك الحديدية في عهد السلطات الاستعمارية البريطانية في أواخر تسعينيات القرن التاسع عشر، ووصف المهندسون الذين عملوا في المنطقة بأنها “مستنقع” وأرضها رطبة و”ظروفها غير صحية”.
وبعد سنوات، قال السير تشارلز إليوت، من السلطة الاستعمارية، إن نيروبي كانت تقع في “منخفض به طبقة رقيقة جدا من التربة أو الصخور. وأن التربة مشبعة بالمياه خلال معظم العام”.
وعلى الرغم من ذلك تطورت المدينة وأصبحت جذابة تتمتع بطقس جيد ومساحات خضراء كثيرة وحديقة وطنية.
بيد أن مشكلة الصرف الصحي لا تزال قائمة.
وكان المخطط الرئيسي الأوّلي الذي وضعته السلطات الاستعمارية قد أخذ بعين الاعتبار موقع الأرض وصمم التدابير اللازمة لمنع الكوارث، وكان هناك على الأقل مخططان آخران بعد الاستقلال حتى الآن، لكن لم يجر تنفيذهما في الغالب.
وقال أومينيا إن فيضانات هذا الموسم كشفت أن احتمال تزايد هطول الأمطار نتيجة لتغير المناخ، يدفع إلى حاجة ماسة إلى وضع خطة جديدة.
بيد أن السلطات تترك لساكن المدينة العادي أعمال التنظيف على أمل أن يهدأ هطول الأمطار.
المصدر: صحيفة الراكوبة