المفهوم الثوري في حالة الحرب الحالية واللادولة
نضال عبدالوهاب
لعل ثورة ديسمبر قد فتحت وبما حملته من أهداف وشعارات وعمل مُصاحب لها رغبة كبيرة لأجيال مُختلفة وثورية في المُضي في سكة التغيير وإستمرارها بعد نجاحها الجُزئي في إزاحة نظام المؤتمر الوطني السابق ، وبعد أن تم قطع الطريق عليها نتيجة للثورة المُضادة وتدخلات خارجية وإقليمية في شؤون البلاد وفي مُقاومة الإنتقال الديمُقراطي ، إضافة للأخطاء التي صاحبتها وجعلت من مُجرمي اللجنة الأمنية للنظام السابق من العسكريين في الجيش والدعم السريع شُركاء في الحُكم والنظام ، وضُعف المدنيين الذين تولوا معهم السُلطة وأخطاؤهم الكبيرة في تسيير الفترة الأنتقالية ، حتي وقوع إنقلاب ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١م ثم حتي الوصول لمرحلة الحرب الحالية وحالة أقرب إلي اللادولة…
وصول بلادنا إلي هذا المصير والحرب والتحولات الكبيرة التي نتجت جراء سيطرة العسكر والمليشيات ونفس المنظومة التي قامت ضدها الثورة والإنقلاب الكامل علي الثورة وقطع الطريق عليها علي أرض الواقع ، كل هذا التحول من الطبيعي أن يُصاحبه تغيير في طريقة المقاومة والتفكير العملي والثوري لإسترجاعها أولاً ثم مواصلة السير في طريق التغيير وتحقيق أهدافها من جديد.
إذاً فالواقع الذي أفرزته الحرب الحالية لن تُجدي معه ذات الطريقة في التفكير والعمل والأدوات ، والتي سارت عليها جميع قوي الثورة في الداخل والخارج ، فبلادنا اليوم ليست بمثل ما كانت في ديسمبر ٢٠١٨م ، ولا أبريل ٢٠١٩م ، ولا حتي مابعد ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١م ، كُل شئ تغير أو بدأ في التغيير بعد تاريخ ١٥ أبريل ٢٠٢٣م بداية تاريخ الحرب في الخرطوم وتمددها إلي دارفور ثم جنوب كردفان ثم الجزيرة ، مع إحتمالية تمددها إلي أجزاء أخري خاصة في شمال كردفان والنيل الأبيض والشرق.
ما أفرزته الحرب من تهجير ونزوح للسُكان الأصليين ، وحالة الإنفلات وعدم الأمان والقتل والإنتهاكات والجوع والمرض والخوف ، إضافة لعودة البطش والإعتقالات والتضييق لمُعظم من تبقي من فاعلين أو ناشطين ولجان مقاومة ، حتي وإن كانوا في مجالات العمل الإنساني ومُساعدة وإنقاذ مُتضرري الحرب وضحاياها ، كُل هذا الواقع جعل ويجعل من التفكير التقليدي في إستمرار الثورة أو حتي إسترجاع مسارها القديم ضرب من عدم الواقعية ، أو الإتجاه الخاطئ في بلد تُعاني ويلات الحرب وخطرها علي وجود الدولة نفسها وبقاؤها.
لذلك فإن الأولويات الآن هي:
١/مُساعدة وإنقاذ المُتضررين من الحرب والعمل الإنساني المُباشر
٢/إيقاف الحرب نفسها ونزع أي شرعية لطرفيها
٣/عودة من نزحوا وتشردوا حتي من قوي الثورة ذاتها
٤/المُعافاة من آثار الحرب
٥/مُحاسبة المُتسببين في الحرب وإنتهاكاتها
وتُعتبر هذه الأولويات الخمس فعل ثوري حقيقي وصحيح علي الترتيب ، فليست الثورة فقط هتافات أو خروج في الشوارع أو إعتصامات وعصيان وإضراب ورفع لافتات بشكل سلمي ولكنها تعبير مُباشر عن مصلحة الجماهير والشعب وكُل السُودانيين وخلق تغيير في إتجاهها
تلك المصالح التي تتمثل فيما ذكرته عالياً من أولويات وأسبقيتها تحتاج إلي:
١/ الإيمان أولاَ بها والإلتفاف حولها
٢/ثم تحتاج إلي عمل جماعي ودؤوب لتحقيقها علي أرض الواقع
أي محاولات للحلول لاتفهم الواقع الحالي وتتجنبه أو تقفز فوقه فإنها تُخطئ الطريق نحو إنجاز مطلوبات الأولويات الحالية وعلي رأسها مُساندة ومُساعدة الناس والمُتضررين ووقف الحرب
أي إتجاهات للعمل المُنفرد والإنعزالي وفق أي أهداف لايتشاركها جميع أصحاب المصلحة من السُودانيين في هذا التوقيت لوقف الحرب وتحقُق الأولويات يُعتبر عمل غير ثوري وغير مُجدي وغير مُفيد في تقديري ، لذلك فإن المفهوم الثوري المُرتبط بواقع الحرب الحالية وحالة اللادولة يتطلب من الجميع السعي والتنادي نحو عمل جماعي مُنظم وفاعل جبهوي مُتحد وتنسيقي بالداخل والخارج لتحقيق الأولويات المطلوبة ، والتي بدون تحققها لن يتسني للسُودان أو السُودانيين الإنتقال لأي مُستقبل يرتكز علي التغيير وإسترجاع الخط الثوري ماقبل الحرب ، وتحقيق أهدافها في الحرية والعدالة والسلام والإنتقال الديمُقراطي والحُكم المدني الكامل ، والإصلاح بشكل عام ، وبالتالي للمواطنة والمساواة والوحدة
ختاماً : علي الذين ضلوا الطريق نحو المفهوم الصحيح للثورة ، بالعودة إليه وفق أولوياتها ، وكذلك علي الذين ذهبوا إما في إتجاهات سُلطوية بحتة وتماهي كامل مع أجندة لاتخص بلادنا ومصالحها ، أو آخرين مضوا في إتجاه مُتطرف ولايقبل الآخرين ويُعادي ويُقاطع ويرفض كل مايتعلق بالخارج أو المُجتمع الدولي ، أن يعود الفريقان إلي الحالة الثورية التي يتم فيها العمل الجماعي لوقف الحرب من كُل الرافضين لها والتعاون مع المُجتمع الدولي في كُل ما يخص تحقيق أهداف وأولويات بلادنا ومصالح شعبنا أولاً ، ومن ثم العمل الجماعي لإستراد مسار الثورة من المرحلة التي تعقب توقف الحرب وتحقُق الأولويات لكل المؤمنين بأهدافها ، بعيداً عن أي إختلافات داخل قوي الثورة لا تتحقق معها مصالح جميع السُوانيين ، ثُم الإنتقال لتأسيس جديد للدولة السُودانية يُنهي كافة الحروب داخلها ، ويعمها السلام الشامل العادل ، ثُم بناءها علي أُسس جديدة وبُمشاركة جميع بناتها وأبنائها وشعوبها…..
٢٣ أبريل ٢٠٢٤م
المصدر: صحيفة الراكوبة