ضيو متوك وفيلم وداعا جوليا نموذج لنفاق حلفاء العسكر والكيزان
فاطمة علي
كتب وزير الاستثمار في حكومة جنوب السودان ضيو مطوك مقالا في مناسبة عرض فيلم وداعا جوليا في العاصمة جوبا وزيارة فريق عمل الفيلم محتفيا بأنه اعترف بالمظالم التاريخية التي تعرض لها شعب جنوب السودان من مجازر وخطف للأطفال واستعباد وغيرها من المظالم الحقيقية التي لا ينكرها أي مدافع عن حقوق الإنسان.
لكن استغربت أن يأتي الحديث من ضيو مطوك تحديدا؛ وهو الرجل الذي يشير إليه الرئيس سلفاكير ميارديت في جميع الجلسات الخاصة والعامة هو ومستشاره الأمني توت قلواك على أنهما يمثلان نظام المؤتمر الوطني وهم من أخرجوا الجنوبيين من الخرطوم!
يمثل مطوك ورفيقة قلواك المسؤولين بشكل كبير من ملف السودان في حكومة جنوب السودان نفوذ الإسلاميين في العاصمة الحديثة جوبا، والتي كان من المقدر لها أن تكون أحدث عاصمة وأكثرها تطورا لما تملكه دولة جنوب السودان الوليدة من فرص كبيرة نحو التقدم والإنطلاق لكنهم انتقلوا بذات الفكر الكيزاني في الإقصاء والفساد، وتم إبعاد عدد من قيادات الحركة الشعبية من المفكرين وحملة الشهادات العليا مثل دكتور مجاك داقوت وماييك آيي وغيرهما لصالح تقدم توت قلواك الذي لا يعرف سوى حيل الإنقاذ التي تعلمها في منزل مدير المخابرات السابق صلاح قوش!
أخبرني أحد الأصدقاء الجنوبيين أنه عندما اندلعت الحرب في السودان كانت الأولوية في مطار فلوج لأهل وأقرباء توت قبل بقية الشعب، وأخبرني صديق آخر أن منزله في مدينة جوبا تبلغ قيمته 8 ملايين دولار في دولة يعاني فيها الملايين من الجوع!
كان مطوك وتوت منذ سقوط نظام البشير ورعايتهما لملف السلام يزوران الخرطوم لفترات متقاربة، يقيمان في فنادق كورنثيا والسلام روتانا، وبالمثل كانت فنادق جوبا مفتوحة للعسكر من مجلس السيادة السوداني وقتها، ووفق مصادر في زيارة للفريق شمس الدين كباشي رافقه 150 شخصاً نزلوا جميعهم في فنادق على حساب دولة جنوب السودان، وسافروا من الخرطوم على نفقة الحكومة السودانية!!
بعد اندلاع الحرب كان من المقرر لوفد الحرية والتغيير قبل تشكيل تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) زيارة جوبا باعتبارها الدولة الجارة التي تتقاسم مع الخرطوم وجعها، ولجأ إليها الكثيرون من أبناء السودان الكبير؛ شماله وجنوبه، وبصفتها الدولة التي رعت اتفاقية السلام وللعديد من الاعتبارات، لكن تم الاعتذار لهم بأن الرئيس سلفاكير ميارديت في رحلة خارجية، وفي ذات الأيام استقبل قائد الجيش السوداني الفريق البرهان، على الرغم من رفض قيادات الحرية والتغيير التعليق، لكن مصادري في الجنوب أكدت أن الرفض للزيارة أتى من المستشار الأمني للرئيس؛ توت قلواك!
ولكنه لم يكتفي بذلك؛ بعد أن فتحت الأبواب وقام وفد من تقدم بزيارة جوبا تخلف عنه رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك لأسباب مرضية، عارض توت مقابلة بقية الوفد للرئيس سلفاكير! وأخبرني مصدر هناك أن الزيارة تم إلغاؤها لغياب حمدوك. ما حدث أن اللقاء حدث، لكن يبقى موقف توت شاهدا على دعمهم للدولة الكيزانية وعدم قدرتهم على الحياد أو الخروج من جلد الدولة الأمنية!
وبالعودة للوزير مطوك؛ كان هو الذي نظم الورشة التي قامت بها الكتلة الديمقراطية في جوبا، لم يكن اجتماعا سودانيا سودانيا كما روجوا له كان اجتماعا برعاية مطوك في كل تفصيلة، وكان من المفترض أن تتبع تلك الاجتماعات ورشة في العاصمة المصرية القاهرة هدفها الخفي إعداد حاضنة سياسية للعسكر حال تم الاتفاق على وقف إطلاق النار وكان مطوك هو أيضا المنسق مع الحكومة المصرية التي اعتذرت عن اللقاء بسفر مدير المخابرات خارج البلاد!
وأنا أقرأ ما كتبه مطوك أفكر طويلا؛ كيف يمكن لشخص ينظر لنظام الإنقاذ على أنه نظام فاشي عذب أهله واضطهدهم واستعبدهم يأتي ليقف في صفهم، ويعينهم على تدمير المزيد واضطهاد الآخرين، ويحمل معهم معول الهدم؟!
لكن عندما تعود للوراء وتنظر لنظام البشير وللمليشيات الجنوبية التي صنعها وتركها تحمل وزر دماء أهلها في يديها وتخرب القرى وتمارس كل صنوف الوحشية تستطيع أن تفهم بأن البشر يمكن أن يلغوا عقولهم بسبب شبق السلطة أو الجاه أو المال أو حتى من أجل التقرب من السلطان!
وبحسب مصادر من الحركة الشعبية، فإن أول مليشيا جنوبية أسسها نظام البشير كانت في ولاية شمال بحر الغزال، أويل بقيادة عبدالباقي ايي اكول في منطقة المتاخمة لميرم وفي ولاية غرب بحر الغزال أسّس مليشيا قوات السلام بقيادة جنرال التوم النور دلدوم، وفي ولاية الوحدة بانتيو تم تأسيس مليشيا قوات دفاع جنوب السودان بقيادة جنرال فاولينو ماتيب لتشريد السكان المحليين من مناطق النفط لإفساح المجال لشركات البترول لتنقيب النفط، وفي ولاية جونقلي بور في منطقة بيبور بالتحديد كانت هناك مليشيا بقيادة جوزيف كونجي وفي جوبا العاصمة كانت بقيادة الجنرال كلمنت واني كونقا!
من المهم عندما نتحدث عن التسامح لابد من فتح الجراح على آخرها وتنظيفها حتى لا “تنوسر” ويبقى البتر هو الحل الوحيد! لا بد من المحاسبة وتقديم كل من ارتكب جريمة ضد الإنسانية في حق شعب جنوب السودان لمحاكمة عادلة في حرب كانت حصيلة قتلاها هي الأعلى بعد الحرب العالمية الثانية! بعدد قتلى يقترب من 2 مليون شخص!
كل من كانت له علاقة بحرب الجنوب يتحدث بهمس وصوت خافت حول الفظائع التي حدثت هناك من استعباد وقتل للأسرى واغتصاب وسرقة أطفال ومجازر حصلت في صمت وخفاء بعيدا عن كاميرات الهواتف ومعظم قيادات المليشيات أو حتى القيادات من الجيش السوداني الذين ارتكبوا هذه الجرائم لا أحد يشير إلى أسمائهم أو يعرف صورهم!
الإفلات من العقاب هو ما أغرى الحكومة السودانية بتكوين مزيد من المليشيات وارتكاب المزيد من الفظائع في جبال النوبة ودارفور والنيل الأزرق، وكل الجرائم التي تحدث الآن في حرب 15 أبريل ما هي إلا تركة ثقيلة يحملها السودانيون من تاريخ مليء بالظلامات والسواد لن ينزاح مثل الكابوس بالاستيقاظ من النوم! أبدا.. سيحتاج للمواجهات القبيحة المرة الصادمة القاسية التي تجعل كل من ارتكب جريمة يقف ويعترف بها بصوت عال ويطلب السماح والغفران بعد أن يحاكم!
لن تنتهي المرارات من تلقاء نفسها، ولن ننتقل إلى الحياة الكريمة الإنسانية إلا بأن نحمل مبادئ لا تقبل البيع بالتجزئة! يجب على كل من يؤمن بالديمقراطية والحقوق أن يمارسها على نفسه أولا! منذ متى وأنت يا سعادة الوزير في هذا المنصب؟ كيف يتحدث شخص عن علاج المظالم التاريخية ويكون هو في نفسه من الظالمين؟
أوضاع الحرب التي يعيشها السودان ليست بعيدة عن الجنوب خاصة مع المشاكل التي تعانيها أنابيب النفط الناقل لبترول الجنوب! الآن جوبا تعيش في وضع اقتصادي حرج جدا ومناطق مثل أبيي على خط النار! انزلاق دولة جنوب السودان إلى حرب أهلية سيطيل أمد الحرب في كل السودان الكبير ويجر الإقليم كله إلى تفكك وانهيار كامل!
على ضيو مطوك وحكومة جنوب السودان أن تستفيد من التجارب التي خاضتها بنفسها؛ من الظلامات التي ارتكبتها وارتكبت في حقها، والوقوف بشجاعة أمام شعب جنوب السودان والعمل الحقيقي من أجل بناء بلاد خالية من الفساد ومنح التعليم الأولوية وتوزيع الفرص بعيدا عن الإثنيات واختلاف القبائل والدين!
الحديث الذي لا يصاحبه فعل لا يعول عليه يا سيدي الوزير! وأريد أن أشاركك في إعجابي بالأعمال الفنية، وهنا أذكر أغنية يحب ابني أن يرقص عليها لفنان جنوبي تقول: قوندو ساكت! تتحدث عن فساد المسؤولين الحكوميين وعن استغلالهم لمناصبهم وعن غرف الفنادق التي يسكنون فيها بعيدا عن منازلهم وعن الكثير من الممارسات السيئة التي تحدث في الدولة الجديدة!
المصدر: صحيفة التغيير