الالتزامات الحقوقية تدفع المغرب إلى رفض عرض لاستقبال طالبي اللجوء
كشفت وسائل إعلام بريطانية أن المغرب رفض الدخول في محادثات مع حكومة هذا البلد الأوروبي بشأن صفقة لاستقبال المهاجرين وطالبي اللجوء على أراضيه، في إطار اتفاقات معالجة طلبات اللجوء في دول ثالثة التي تسعى بريطانيا إلى توقيعها مع مجموعة من الدول، بعدما نجحت في ذلك مع رواندا، رغم الانتقادات الكثيرة التي طالت هذا الاتفاق، إذ يؤكد رافضوه أنه لا يتوافق مع الالتزامات الحقوقية الدولية للمملكة المتحدة.
في هذا الصدد، أكدت صحيفة “ذا تايمز” أن ريتشي سوناك، رئيس الوزراء البريطاني، يتطلع إلى توقيع اتفاقيات لترحيل المهاجرين مع مجموعة من الدول، إذ تتدارس الحكومة مجموعة من الخيارات في هذا المنحى، على غرار أرمينيا والإكوادور والبيرو إضافة إلى دول إفريقية مدرجة على القائمة الاحتياطية كالسنغال والرأس الأخضر وسيراليون، مسجلة في الوقت ذاته أن دول المغرب وتونس وناميبيا رفضت بشكل صريح الدخول في أية مناقشات فنية لاتفاقيات من هذا النوع.
حلول ترقيعية
في هذا الإطار، قال الحسين بكار السباعي، محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان، إن “المغرب لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يقبل الطلب البريطاني لترحيل المهاجرين وطالبي اللجوء من هذا البلد إلى ترابه الوطني ولا من أية دولة أوروبية أخرى لأسباب عديدة أساسها تعارض هذه السياسة التي تتبعها لندن مع المقاربة الحقوقية والمؤسساتية التي تعتمدها الرباط لإدارة ملف الهجرة واللجوء والتي أسس لها ميثاق مراكش في إطار حوكمة الهجرة وربطها بحقوق الإنسان في معناها الشمولي، فضلا عن أن المملكة طالما رفضت أن تتحول إلى دركي لأوروبا أو إلى دولة لإقامة مراكز احتجاز المهاجرين، لأنها تعتمد مقاربات خاصة في هذا الصدد”.
وأضاف السباعي، في تصريح لهسبريس، أن “المغرب لا يمكن أن يقبل تصريف أزمة بأزمة أخرى، حيث راكم تجربة كبيرة يحتذى بها في مجال الهجرة على المستوى الإفريقي والمتوسطي والأوروبي والعالمي ؛ وبالتالي فإن أي قبول من هذا النوع غير المقبول والمخالف لمبادئ المملكة في التصدي لظاهرة الهجرة غير النظامية سيعد تراجعا كبيرا عن مكتسبات البلاد في مجال الهجرة وعن الخطوط العرضية للاستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء التي تركز على الحوكمة والإدماج السوسيواقتصادي للمهاجرين والذي قطعت فيه المملكة أشواطا طويلة؛ بل وتعد نموذجا رائدا في تسوية أوضاع المهاجرين غير النظاميين كما أشرنا سابقا.. وبالتالي، فإن هذا الرفض المغربي يجد له تفسيرا في الفلسفة الوطنية التي تعتمد مقاربات شمولية حقوقية وإنسانية وليس أمنية فقط”.
وأوضح المحامي والباحث في الهجرة وحقوق الإنسان أن “المقاربات الأمنية التي تتشبث بها الدول الأوروبية أثبتت فشلها؛ ذلك أنها لم تساهم في وضع حد لتدفقات المهاجرين غير النظاميين إلى السواحل الأوروبية، لأن حل معضلة الهجرة يتطلب أولا معالجة أسبابها بالتعاون مع دول المنشأ والعبور والوصول كذلك مع ربط الهجرة بالتنمية، وتأهيل المناطق المصدرة للمهاجرين وإدخال إصلاحات اقتصادية عميقة عليها، في إطار حل شامل يتحمل فيه الكل مسؤوليته بعيدا عن منطق تبني مقاربات انفرادية وحلول ترقيعية أو حلول تنتهك أبسط الحقوق الإنسانية المنصوص عليها عديد الاتفاقيات والمعاهدات الدولية”.
وبين المتحدث ذاته أن “المغرب قدم، خلال التقرير الملكي الذي قُدم خلال أشغال الدورة الـ35 لقمة الاتحاد الإفريقي في أديس أبابا، مقترحات عملية تدعو إلى تفعيل الإرادة السياسية المشتركة لصناع القرار السياسي في العالم بهدف معالجة ملف الهجرة في إطار قانوني واقتصادي وإنساني، ومقاربة هذه الظاهرة ليس باعتبارها جريمة أو تهديدا للأمن القومي للدول؛ بل باعتبارها أزمة اجتماعية وإنسانية واقتصادية لا يمكن حلها إلا من خلالها مقاربات استباقية تعالج بدورها أسباب الهجرة قبل نتائجها”.
حكمة مغربية
في السياق ذاته، أورد عبد الحميد جمور، باحث متخصص في الهجرة والتنمية، أن “رفض المغرب لإقامة مراكز استقبال المهاجرين يتماشى واحترامه للاتفاقيات الدولية المرتبطة بالهجرة واللجوء، إضافة إلى أن تجربة المغرب في تدبير ملف الهجرة جعلته أكثر حكمة وفهما لكون إنشاء هذه المراكز ليس بالحل الناجع، ولن يمنع تدفق المهاجرين”.
وأضاف جمور، ضمن تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “التدبير البريطاني يهدف إلى تحويل النقاش حول حقوق المهاجر إلى خارج التراب البريطاني؛ مما يعني التملص من الوفاء بالتعهدات الحقوقية لدول الشمال، أي نقل أزمة الهجرة واللجوء بحمولتها الإنسانية والحقوقية والاقتصادية والاجتماعية إلى دول الجنوب التي تعيش أزمات على المستوى الداخلي دون استحضار للطرح الإنساني والحقوقي”، مسجلا أن “تدبير ملف الهجرة في إطار الحلول السهلة سيأتي قطعا بنتائج عكسية؛ لأن جميع الاتفاقيات الدولية لا تنص على إقامة وتدبير دول الوصول لمراكز خارج حدودها الجغرافية”.
وأشار المصرح لهسبريس إلى أن “تبني هذا النوع من السياسيات يدفع إلى التساؤل حول طبيعة الضمانات الموضوعة لضمان احترام حقوق المهاجر واللاجئ في دولة غير التي لجأ إليها”، مسجلا أن “ملف الهجرة يهم ثلاث دول، الانطلاقة والعبور والوصول؛ مما يعني أن إقصاء أو القفز على أي مستوى سيشهد ثغرة في المعالجة السليمة للملف على حساب المهاجر وكينونته كإنسان، بالإضافة إلى أن حصر الحلول في إطار مؤسساتي دون إنجاز دراسات ميدانية علمية سيجعلنا أمام مقترحات نظرية في الوقت الذي نكون فيه أحوج إلى الحلول الميدانية”.
المصدر: هسبريس