اخبار السودان

(الصحفية رشا عوض)

دكتور اسحق آدم

لم اتشرف بمعرفة الصحفية رشا عوض معرفة شخصية. ارسل لي صديق قبل فترة احد مقالاتها . لفت انتباهي بشدة فصرت اتابع مقالاتها بصحيفة التغيير الإلكترونية ومداخلاتها بصفحتها علي الفيسبوك . ولاكون صورة دقيقة عنها رجعت الي كل ما استطعت الوصول اليه من مقالاتها السابقة لعدة سنوات. وبعد فحص دقيق اقول بالفم المليان انها حالياً من اعمق وأفضل الكتاب في السودان.

* الاستقامة الاخلاقية والشجاعة المعنوية:

لها قدرة مذهلة علي النفاذ الي جوهر الأفكار والتعبير عن اعقد الحجج بلغة ناصعة الوضوح والبيان.
وتعبر مقالاتها عن موقف ديمقراطي مستقيم لا يعرف التذبذب او المراوغة او القلقلة و اللجلجة.
وتحدق مقالاتها في اعين الظلمة بثبات وشجاعة معنوية يعز مثيلها. تضع الموازين القسطاط ولو علي نفسها وتسمي الاشياء باسمائها في استقامة فكرية واخلاقية لم اشهد لها مثيلاً إلا عند ارفع الكتاب العالميين .

* الموقف من الحرب والاسلام السياسي:

كشفت عوار افكار ومواقف الاسلام السياسي السوداني بعمق تتواضع امامه إسهامات فرج فودة ونصر حامد ابوزيد ومحمد اركون. ولا اقول هذا تزيدا او مبالغة وانما تقريرا موضوعيا ، ومن يحاجج في ذلك فليرجع ويقارن.

وسيسطر لها التاريخ كتاباتها في نزع اي مشروعية عن حرب الخامس عشر من ابريل الاجرامية. فضحت السردية الكذوب لما يسمي بالجيش الوطني، واوضحت باستقامة وشجاعة انه جيش المتأسلمين الذين أشعلوا الحرب للانقلاب الكامل والنهائي على ثورة ديسمبر المجيدة وللانتقام من جماهيرها التي تجاسرت بالثورة عليهم. وكشفت خرافة عداء البلابسة للمليشيات، فهم مصنع المليشيات كانوا ولا يزالوا، وحين كانت ترتكب افظع الجرائم والانتهاكات كانوا يسبحون بحمدها ليل نهار ، لكن حين خرجت عن طوعهم تذكروا فجأة حقوق الانسان!!. اسمت ذلك رشا بجاحة منزوعي الانسانية والأخلاق، وهي علي حق، ولكن مثل هذه الصفاقة المطلقة تحتاج وصفا اقل تهذيباً. واذ اسموا حربهم علي الشعب بالكرامة كشفت رشا اذلالها في فقدان الاحبة والاعزاء وفي النزوح واللجوء والإفقار.

كما فضحت سردية الدعم السريع عن قتاله ضد دولة ٥٦ ولاجل استعادة الديمقراطية. اوضحت ان الدولة القائمة هي دولة مابعد الترابي والذين يزوغون من هذا التوصيف الواضح والدقيق بتوصيفات اخري هلامية او معممة انما يريدون التهرب من استحقاقات تفكيك تمكين دولة المتأسلمين او إخفاء انتمائهم لقسم من أقسام الإسلاميين. واكدت رشا ان الطبيعة البنيوية للدعم السريع تجعل من المستحيل ان يكون حاملاً مجتمعياً للقيم الديمقراطية. وادانت انتهاكات الدعم باستقامة وبلا لكن ، بالفم الذي ليس به سوائل الرشاوي او مظاريف الصحفيين. ورغم حملات الضغط والابتزاز المعنوي لم تعطي عقلها خطاب استقالة فظلت تكرر ان الدعم السريع لن يتبخر بسخونة حملات الفيسبوك فلا حل سوي التفاوض للوصول الي الجيش المهني الواحد الذي ينأى عن السياسة والتجارة. واوضحت انه لابد من استيعاب عادل للقوي الاجتماعية التي تؤيد الدعم السريع عرب غرب السودان في نظام ديمقراطي فيدرالي حقيقي.

* استهداف الجراد:

ولان كتابات ومواقف رشا اعمق وأفضل تعبير عن القوي المدنية الديمقراطية فقد استهدفها الجراد الكيزاني بشتي الافتراءات وتحت مختلف الرايات الزائفة. خصوصا وأنها اكثر من فضحت الكيزان المستترين . فيهم من كان يدعي الشيوعية ويكتب وينظر من قطر تحت أعين وعطايا التنظيم الدولي للإخوان ودولتهم الاولي !! . وفيهم من يزعم الليبرالية لكن لا يتفوه بكلمة عن قصف المدنيين وجز الرؤوس وسلخ البشر والقتل علي اساس الهوية الجهوية. وفيهم من يدعي الأكاديمية ولكن الرشاوي والكسر بالابتزاز يجعلهم ينكرون الحقائق التي لا سبيل أبدا لانكارها ينكرون خطب انس عمر عن انه لن يحكم هذه البلاد الا هم وينكرون تعبئته المعلنة والموثقة للحرب مع اخوانه الناجي عبدالله ومحمد علي الجزولي وابراهيم محمود وترك وعلي كرتي في خطبته الموثقة بالجزيرة. ادلة غير قابلة للنفي عن إشعال الكيزان للحرب للتخلص من البندقية خارج طوعهم واستعادة سيطرتهم المطلقة علي البلاد. ولكن مع ذلك يتخفي هؤلاء خلف الطنطنة الأكاديمية لإنكار الحقائق غير قابلة للإنكار . هم منكسرون يغطون علي عوارهم الأخلاقي باصبع وما هو بساتر انحطاطهم الأخلاقي ولا حاجبا للحقائق. كل هؤلاء وغيرهم من الكيزان المستترين استهدفوا رشا بما تنوء بحمله الجبال ولكنها ولوحدها ألقمتهم حجارة ثقيلةً من البينات والحجج والاستقامة الأخلاقية.

ثم واجهت لوحدها شبكة جراد الكيزان في الفيسبوك . خلاف اعضاء التنظيم والمتعاطفين والمستترين ، للكيزان ٣٠٠ موظف متفرغ للإفك والتضليل يعمل كل منهم ٨ ساعات في اليوم وستة ايام في الاسبوع. وتعاونهم الاجهزة المختصة في الاستخبارات العسكرية وجهاز الأمن اضافة للمخابرات المصرية. استهدفوها بكل عفن ولؤم ودناءة الكيزان خصوصأ وانهم يخوضون معركتهم الوجودية ألأخيرة فلا يدخروا كذبا او تضليلا او بذاءة. لكنها تصدت لكل هؤلاء ولم ينالوا منها الا جراحا سطحية. وما لا يقتل يقوي. اي ثبات هذا واي شجاعة واي الهام يحرك هذه الكنداكة المذهلة!!.

* مكسورين ومزلزلين أخلاقيا:

قال الذين يعانون من الفقر الأخلاقي المدقع انها تبرر انتهاكات الدعم السريع لانها قالت ان الحرب في الخرطوم هي السبب الرئيس لتوسع انتهاكات الدعم بالصورة الفظيعة الحالية فانقضت عليها كلاب لهب يزوروا حديثها ويدينوها وينهشوا لحمها. لكن كلما يوم تتأكد رؤية رشا لن تتوقف الإنتهاكات الواسعة إلا بايقاف الحرب. لكن هؤلاء المنحطين اخلاقيا غير معنيين بحقوق الانسان السوداني. يفرحون بالانتهاكات واحياناً يصنعوها او يفبركوها لانها الوقود الذي ينفخوا فيه لاستمرار حربهم حتي استعادة كامل نهبهم وسرقاتهم وانتهاكاتهم المجيهة. اي مسوغ أخلاقي بإدانة الانتهاكات لدي من انشا المنتهك وأشعل الحرب ولا يتورع عن قصف النساء والاطفال وجز الرقاب وسلخ البشر والقتل بالهوية ؟!؟ استهانة بكل المعايير وقواعد العقل والمنطق. وللأسف الشديد فان هذه الإستهانة الفاجرة تمر في عصر الانحطاط هذا ، عصر ما بعد الحقيقة ، اي التوهمات والاضاليل التي يصنعها مضللو وسائل التواصل الاجتماعي.

مرت اضلولة تبرير انتهاكات الدعم السريع علي بعض حقوقيات نسويات بسبب مكر شبكة الكيزان الذي تزول منه الجبال الراسيات ، وعند بعض آخر حسدا من عند انفسهن ، كيف لامرأة من بينهن ان تحوز علي كل هذا الذكاء وكل هذا العمق وكل هذه الاستقامة وكل هذه الجسارة؟!؟ واذ يوصي الوجدان السليم بدعمها والتضامن معها باعتبارها منهن واحدي المعبرات عن قضاياهن الا ان القلوب المملوءة حسدا راتها فرصة لا تعوض للقضاء علي من تذكر بالنقص ، فامتشقت بعض ذوات القلوب المريضة خناجرهن ينهشن مع كلاب لهب في جلد رشا . لكن يذهب الزبد جفاءا ، يبقي ما ينفع الناس ، وتبقي رشا من اميز النساء اللاتي أنجبتهن البلاد في العقود الاخيرة .

لكن الامر مع ذلك يستدعي البحث في الصحة العقلية للوطن . اي صحة معنوية او اخلاقية او عقلية لبلاد يصنع فيها الراي العام القونات والفاتيات امثال صرفة وداليا ورشان وحياة عبدالملك ؟!؟!
قذفوها بكل البذاءات وبكل ما تطفح به بالوعة غير قابلة للصيانة ، وهذه اوضاع منظومتهم حالياً . وقد اعتاد الناس مفردات انحطاطهم من فرط تكرارها فصارت بلا قيمة تذكر. كلام ساكت يشيلو الهوا .

وأدانوا رشا بما زعموه من تلمذة لدي الامام الصادق المهدي والاستاذ الحاج وراق . والتلمذة ضرورية في مراحل العمر الباكرة لكن يذخر التاريخ بنماذج الدارسين الذين بزوا اساتذتهم . ولا انكر اسهامات الامام ووراق. الامام احد اوتاد الاستنارة الدينية وواضح ان رشا تعلمت منه وتكن له احتراما ظاهرا لكن نتاجها الفكري يتمايز عن نتاجه بصورة لا تخطئها اي عين مفتوحة. وأما استاذنا الحاج وراق فاقول انا المتخصص في تحليل النصوص ان إسهامات رشا ان لم تساوي إسهاماته فانها تتجاوزها بلا شك. ولكل مفكر مصادره الفكرية التي تغذي ويتغذي منها لكن تظهر أصالته في القيمة التي يضيفها واي منصف يراجع نتاج رشا لا بد ويسلم بأصالتها الفكرية واضافاتها الباهرة.

ولا تكمن مأثرة رشا في ذكاء العقل وحده وانما تضافره مع ذكاء الوجدان والشجاعة المعنوية والروح القتالية التي لا تتهيب النزال والمعارك .

خذ مثلا موقفها من النظام المصري . اغلب الناشطين في المجال العام يتهيبون انتقاده . حتي كثير من القيادات المدنية الديمقراطية تتلجلج وتهمهم دون ان تفصح عن جرائمه الباهظة والمستمرة علي الشعب السوداني . لكن رشا لا تتردد مطلقا في وضع النقاط علي الحروف . تصدح بانه وراء نهب موارد السودان والتآمر علي الانتقال الديمقراطي والانقلاب عليه واشعال الحرب داعمين للكيزان ووراء قصف البنية التحتية والمصانع . شجاعة واستقامة . ومع ذلك يزايد عليها الجبناء مبتلعو ذمتهم من المكسورين والمزلزلين أخلاقيا !!.

وخذ مثلا اخرا موقفها من الحركات المسلحة . غالبنا كمثقفين زاغ بصرنا تطفيفا او تفريطا . وخضع اكثر المثقفين الديمقراطيين لابتزاز مناصري هذه الحركات فسكتوا عن انتهاكاتها ونهبها . رشا لم يزغ بصرها ظلت تؤكد ان للهامش قضية لكن امراء الحرب هؤلاء افشل محامين لقضية عادلة . وحين كان غالبنا يهلل لاتفاق جوبا قالت ان هؤلاء وديعة عند الطلب لدي العساكر يستخدموها في الوقت الملائم . وقد صدق حدسها لانه حدس العقل الصافي والوجدان السليم .

* استحقاقات رشا عوض علينا:

ان مقالات رشا عوض لهي الاكثر اضاءة واستنارة وسط هذا الاظلام البهيم . تصدت للمجرمين نيابة عن كل سوداني ذي ضمير . وشكلت بوصلة غير معطوبة لكل وطني ديمقراطي . تستحق مقالاتها عن الحرب خصوصا ان تعلق علي جدار منزل كل شريف في بلادنا .
وتستحق رشا منا جميعا التقدير والامتنان . وفي هذا فاني اقترح التالي :

اولا : ان نرشحها افرادا ومنظمات لجائزة الشجاعة الصحفية الدولية . ولجائزة القلم الدولية . فهي تستحق ذلك واكثر . ويجب ان تعرف في حياتها وقبل مماتها ان هناك من يقرأ ويفهم ويقدر كما قال الراحل العظيم منصور خالد .

ثانيا : ان تتوفر احدي منظماتنا الموثوقة كمركز الخاتم عدلان او مشروع الفكر الديمقراطي علي طباعة مقالاتها خصوصا مقالاتها الاخيرة عن الانقلاب والحرب في كتاب يتاح للشباب مجانا وتنظم حوله حلقات للعرض والمناقشة وتتم ترجمته للإنجليزية .

ثالثا: ان يدشن الكتاب في احتفاء رسمي بها تنظمه تنسيقية القوي المدنية باعلي قياداتها .
وان تكون هذه سنة سنوية يتم الإحتفاء فيها بافضل الكتابات التي تدافع عن السلام والديمقراطية وحقوق الانسان .

رابعا : ان ندعو لها في صلواتنا ان يحفظها الحافظ الحفيظ الحي القيوم ويثبتها بالقول الثابت .

خامسا : من يرغب ويستطيع فليسمي اول مولودة قادمة باسم رشا تيمنا بها وتخليدا لعرفاننا بعطائها . وانا باذنه تعالي ساكون اول الفاعلين .

الدكتور اسحق ادم ابكر
مونتريال
١٥ ابريل ٢٠٢٤ .

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *