حرب أبريل وأطراف إتفاق السلام «جوبا» السودانية , اخبار السودان
بقلم: محمد بدوي
من الأحداث المهمة في الفترة الانتقالية بالسودان ، ادارة ملف السلام والذي ارتبط باتفاق سلام السودان الذي عرف اعلاميا باتفاق سلام جوبا، ولعل التوقيع على الاتفاق الذي وجد نقدا من بعض القوي السياسية حول فلسفته وطبيعته وطريقة ادارته وتوقيعه آنذاك تمت مراجعته بالنقد المضاد من اطراف الاتفاق بما شمل القوي المدنية التي وقفت خلفه، وهاهو الراهن يدفع بالنتيجة النهائية للاتفاق في سياق مشهد الحرب الراهنة في السودان بما يفرض واجب التناول ليس تذكيرا لكن تعضيد ا للنقد الذي سقناه آنذاك.
من حيث التوقيت فقد بدأت مغازلة الملف بلقاء التجمع المدنية الذي ضم اعضاء من قوي الحربة والتغيير مع الجبهة الثورية في ١٩ مايو ٢٠١٩ بمدينة اديس ابابا ثم لقاءات لاحقة بمدينة جوبا بجنوب السودان، الامر الذي وضع الملف على الطاولة والحالة السياسية كانت في ظل سيطرة المجلس العسكري الانتقالي آنذاك، هذا قاد الي بدء المباحثات في توقيت سبق تعيين رئيس الوزراء، وقبل تكوين المفوضيات التي منها مفوضية السلام، انعكس نتاج ذلك في اشراف اعضاء المجلس العسكري لاحقا السيادي الانتقالي على الملف في حالة من التعتيم الاعلامية واقصاء لإرث وجهود مباحثات السلام السابقة التي تزخر بها الارشيف السياسي السوداني، هذا الاستعجال غير المبرر والموضوعي انصب في اقصاء فكرة المؤتمر الدستوري كاطار يساهم في تامين الانتقال وانعكس في اعطاء المجلس السيادية من العسكرين فرصة تحويل الحالة الي تحالفات صامتة بينها والمجموعات الموقعة لاحقا على الاتفاق، الذي جاء يحمل الكثير من النصوص التي كشفت حوجتها للتعديل وكشفت ان مناخ تطبيقها يحتاج الي استقرار سياسي من منطلق ان السلام اصافة للاستقرار الاساسي بالدولة وليس فعل يجدر ادارته بالتوازي مع حالة انتقالية تواجه العديد من العقبات الكبيرة التي منها رغبة الاسلاميين في اعاقتها سواء العودة للسلطة وتعطيل الانتقال للإجبار على مشاركتهم في السياق السياسي والذي سبقه الاتفاق بلا مبرر سوي تفسير يمكن ان نشير اليه تجير الحالة لصالح الصراع بين المكون العسكري بالمجلس العسكري او السيادي.
اول المحطات التي بدأت تكشف محصلة اتفاق السلام هي تجمدها في المشاركة السياسية او اقتسام السلطة، والذي اختبره انقلاب ٢٥ اكتوبر ٢٠٢١ الذي جمد ميزانية تنفيذ الاتفاق والمواقف السياسية لأطراف الاتفاق مع المكون العسكري وضده، قاد التراجع عن اسناد الفترة الانتقالية كفاءات مهنية مستقلة ذات خبرة كما هو الاطار العلمي لإدارة الفترات الانتقالية ولا سيما في الدول التي شهدت فترات نزاعات/ حكم عسكري/ تأثيرات ايدلوجية حادة ومتطاولة وذات اثر سالب والاستناد على تحالف الحرية والتغيير في سياق جعله يتمتع بصلاحيات شبه تنفيذية كالترشيحات للمناصب سواء لاعتمادها من راس السلطة التنفيذية ممثلا في رئيس الوزراء الي اغلاق للمشهد المرتبط بطبيعة الاصلاح المرجو خلال الفترة الانتقالية، والي تحفيز كتل اخري ولا سيما بعض اطراف اتفاق جوبا الي تكوين كتل موازية وهو ما يمكن الاشارة اليه بسؤال المشروعية التي تتيح لطرف دون اخر التمتع بوضع في ادارة الفترة الانتقالية، مما مهد حفز النظام السابق لتجميع قواه وتحالفاته سواء للعودة للسلطة ولو بشكل جزئي او خيار عرقلة سير التغيير بأثارة التراجع الامني حتي صعدت الي موقع اهلها من التأثير على مسار القرارات الدولية التي انتهت باستقالة رئيس البعثة الاممية المتكاملة لدعم الانتقال في السودان السيد / فولكر بيرتس، وهنا لابد من الاشارة الي ان بداية ملف السلام قاد الي عدم الانتباه لتأثير انسحاب بعثة الامم المتحدة والاتحاد الافريقي لحفظ السلام بدارفور التي بداة في الانسحاب الفعلي، لكن كان هنالك منفذ لبذل الجهد لإبقاء جزئي حتي يتم تنفيذ اتفاق السلام الذي حوي بند بتشكيل قوة مشتركة لحماية المدنيين في دارفور والاستفادة من موارد البعثة وخبراتها في التدريب والتسليم الامن لمقرات بعد ضمان تدريب وانتشار القوة المنصوص عليها، وهذا في تقديري يعزي غياب الاستراتيجيات التي تتطلب النظر والتخطيط لشمول المشهد فحالة الانتقال كان يمكن ان ينهض سببا كافيا لتجسير العلاقة بين بعثة اليومتانس واليومامد في سياق يجعل الانسحاب النهائي مرتبط بإنفاذ مهمة ملا فراغ مهمة حماية المدنيين في دارفور.
بالعودة الي طريقة التعامل مع ملف التفاوض خلال اتفاق جوبا فقد قاد التعتيم وتمهيد الطاولة للمكون العسكري ليشكل الاتفاق بما يصب كما اشرت الي كسب تحالفات جديدة، ففي سبيل الموازنة القبلية بين الاطراف ظهر الراحل الجنرال خميس ابكر في المشهد ليقود حركة تحرير السودان التحالف السوداني الذي ضم حوالي السبع حركات، و بعد أن أبتعد عن مسار الحركات منذ 2010 كحل لأزمة الرفض والقبول بوجود بعض الحركات في طاولة التفاوض.حيث أن المنصب التي خصصت للحركات في الإتفاق شكلت حالة استقطاب حادة وظلت إجازة وتقنين صلاحيات بعضها مثل منصب حاكم اقليم دارفور رهينه للعلاقة بين المكون العسكري الجيش والدعم السريع، حتي وصلت العلاقة بين الطرفين ( الجيش والدعم السريع ) نقطة حرب أبريل ٢٠٢٣ الماثلة، واستمرار تجميد موارد تنفيذ الإتفاق، فتحولت الحالة، من إتفاق لحل مشكلة من مشاكل السودان، إلى محاولة لتكريس الاحتفاظ على المناصب الصورية، التي تم الحصول عليها، لكن ليس الأمر بالمجان، أو السهل.
طال ما أن بداية العلاقة قد عُمدت بالتحالفات بين الطرفين، في محاولات للإختباء خلف مهمة حماية المدنيين، وقوات حماية المساعدات الانسانية، والتي لم تصمد أمام إختبار إستمرار الحرب، الذي خلف واقع جعل الموارد موزعة بين سيطرة طرفي الحرب، وهذا ببساطة وضع الحصان أمام العربة قبل وصوله إلى محطته النهاية وأن مقابل التمتع بتلك الموارد، لا يستند على بنود الإتفاق بل على شروط أطراف الحرب، وهو ما يتطلب إعلان للمواقف بشكل علني وانخراط في ساحة الحرب منحازاً لطرف.لان الطريق الثالث الحياد، أو لعب دور إيجابي حيادي لوقف الحرب يتطلب، دفع فاتورة التنازل عن المناصب، في سبيل القضية والمصلحة العامة وهو الخطاب الذي يتطلب أن يمتلك صاحبه نكران الذات، وأكتناز الكثير من الحكمة، وحصافة القيادة.
اخيراً سيكتب التاريخ في لوحاته مدوناً، للأجيال القادمة وهم يقرأون تاريخهم. أنه في بلادهم السودان، حدثت تجربة إتفاقية سياسية، للحل بسط السلام، برموزها ونصوصصها. تحت مسمى إتفاق للسلام وصنع بمشاركة ومساندة مدنية، و شهادة قوى إقليمية وعالمية، واحتفينا به بتوثيق داوي، شهده الإقليم والعالم، ورفعنا كتابه شهود، وأنتقد من استندوا على حق المواطنة وحرية التعبير تنبيهاً لما تحويه صفحاتها الـ ٣٦٦ من قنابل موقوته، لكن كان هنالك من ينبري ليس لنقاش ما أثير بل لمجرد الموقف من النقد، وهاهي الأيام تثبت، رغم التكلفة الباهظة المدفوعة، أنه لم يكن الإتفاق سوى إتفاق على سوى الاستعداد للانخراط في حرب جديدة مع أطراف حرب السودان، او ضد بعضها البعض فلا فرق فكله برصاص مدفوع القيمة من موارد الشعب.
المصدر: صحيفة التغيير