أطفال «دار المايقوما».. طريق الموت السودانية , اخبار السودان
ساندوا السودان: إعداد وتحرير التغيير
تقرير: الفاضل إبراهيم
كمبالا 14 أبريل 2024 بعد رحلة استمرت تسعة أشهر وصل 253 طفلا إلى مدينة كسلا في رحلة شاقة بدأت في مايو الماضي، وذلك إثر وفاة 45 طفلا في الخرطوم، وتوفي لاحقا خلال الرحلة طفلين.
واجه الأطفال والعاملون في الدار ظروفا صعبة خلال فترة تواجدهم عالقين بالخرطوم على بعد كيلومترات قليلة من موقع المعارك بين الجيش وقوات الدعم السريع حيث لا طعام ولا مياه ولا كهرباء مع تذبذب شبكات الاتصالات الأمر الذي تسبب في وفاة هذا العدد الكبير من الأطفال حسب تصريحات مسؤولي وزارة الرعاية الاجتماعية.
بعد شهر كامل من هذه الحادثة تم في 25 يوليو إجلاء 255 من الأطفال لدار الرعاية في مدينة مدني بولاية الجزيرة القريبة من الخرطوم؛ وبالتالي نُقِلُوا مجددا من مدني لولاية كسلا شرقي السودان شهر ديسمبر الماضي. خلال الرحلة الأخيرة للأطفال توفي اثنان منهم هما ماجدة والسموأل.
تقول أماني إحدى المشرفات بدار رعاية الأطفال بالمايقوما لـ«التغيير»، إن نحو ثلاثمائة من أطفال المايقوما أو فاقدي السند كانوا متواجدين في الدار وسط الخرطوم لحظة اندلاع الحرب في منطقة تتوسط قوات الجيش والدعم السريع حيث كانت القذائف والدانات والرصاص تقع بالقرب من المكان الذي لم يتبق فيه إلا القليل من السكان.”
وبحسب أماني، فإن صرخات الأطفال وبكاءهم كان مسموعا للجيران القريبين من المكان حيث جاءت بعض النسوة اللائي يسكنّ جوار الدار في منطقة المايقوما لنجدتهم وقمن بإرضاع الصغار.
وتمضي أماني قائلة “تكرر هذا الأمر لعدة أيام قبل أن تغادر بقية الجيران المنطقة بعد ارتفاع وتيرة القتال.”
وتعتبر دار المايقوما من أشهر دور إيواء الأطفال مجهولي الأبوين في السودان، تأسست في منتصف الستينيات من القرن الماضي، ويعمل فيها عدد من المتطوعين.
وتحسرت أماني على عدم تجاوب طرفي النزاع في الخرطوم مع نداءاتهم المتكررة بضرورة السماح بنقل الأطفال إلى مكان آمن خارج العاصمة.
تقول “ظل أطفال دار الرعاية بالمنطقة لمدة شهرين تحت النيران والقصف لا أكل، ولا شرب ولا علاج، ونتيجة لذلك توفي 45 طفلا. مشيرة إلى أن هذه الحادثة دفعت بعض الناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي لتبني حملة تحت مسمى أ(نقذوا أطفال المايقوما).
وبحسب أماني، فبعد سيل المطالبات واتساع رقعة حملة التضامن التي أطلقها رواد مواقع التواصل الاجتماعي في فيسبوك وتويتر (إكس سابقاً)، استجابت قوات الدعم السريع والجيش للنداءات، وفتحت الطريق واستطاع و الأطفال الوصول إلى دار رعاية الأطفال بمدينة مدني عن طريق الصليب الأحمر.
يذكر أن دار رعاية الأطفال بالمايقوما كانت تتلقى دعما منتظما من منظمة أطباء بلا حدود الفرنسية ومنظمة أنا السودان قبل أن تنسحب المنظمتان في العام 2007 بعد خلافات مع الحكومة السودانية تولت بعدها وزارة الرعاية الاجتماعية إدارة ومسؤولية الدار.
يقول صدام أحمد المسؤول الاجتماعي والنفسي بدار رعاية الأطفال بالمايقوما واحد شهود العيان الذين كانوا متواجدين مع الأطفال بولاية الجزيرة لـ«التغيير»: “بعد دخول قوات الدعم السريع للولاية منتصف ديسمبر الماضي قررنا ترك الدار التي نقيم فيها بحي الزمالك الواقع على بعد أمتار من نقطة تفتيش تابعة لقوات الدعم السريع خوفا من حدوث اشتباك في أي لحظة بين الجيش والدعم السريع، كما أن أصوات الرصاص كانت مسموعة للجميع داخل الدار الأمر الذي أثار الخوف لدى الأطفال.”
ويضيف صدام “قبيل الرحلة إلى كسلا بأيام قليلة انضم إلينا ضيف جديد هو الطفل السموأل ذو الثلاثة أشهر كأحد أصغر الأطفال حيث ولد في أثناء الحرب في ولاية الجزيرة أوصله فاعل خير للدار.”
ويشير صدام إلى أنهم تحركوا برفقة الأطفال بعد أيام من دخول الدعم السريع للمدينة رفقة منظمة اليونسيف التي وفرت ثلاث حافلات لنقلهم.
ووصف صدام الرحلة بالصعبة جدا على الأطفال، كما أن الطريق كان مكتظا بالسيارات. وأضاف “قطعنا المسافة من مدني القضارف في أكثر من عشر ساعات وهو زمن طويل مقارنة بثلاث ساعات في الأحوال العادية”
يقول أحمد “قبل وصولنا إلى القضارف ارتفعت حرارة السموأل وأيضا أصيبت إحدى البنات، ماجدة، بتوعك ولكن حالتهم ازدادت سوءا فتم تحويل ماجدة والسموأل إلى عربة أخرى صغيرة تتبعا لليونسيف، والتي بدورها أوصلتهم لمستشفى القضارف وهنالك قدمت لهم إسعافات أولية، ولكن للأسف توفيت ماجدة في الطريق قبل أن نصل كسلا، ولحق بها أيضا السموأل.”
“وصلنا كسلا” يقول صدام “ونحن في حالة حزن على من فقدنا حيث اُسْتُضفنا في متنزه البستان لمدة يومين؛ وبالتالي رُحّلنا إلى مدرسة الدارين الكويتية في منطقة الختمية.”
مدير إدارة الرعاية الاجتماعية بوزارة التنمية الاجتماعية بولاية الخرطوم نجاة أحمد الفادني، دافعت عن موقف الوزارة، وقالت لـ«التغيير»:”لم نترك الأطفال وحدهم في الدار بالخرطوم الظروف كانت أقوى من الجميع الحرب قامت فجأة، ولم يستطع الكثير من الموظفين والمتطوعين الوصول للمكان الذي كان في منطقة خطرة جدا.”
وأقرت الفادني بوفاة (45) طفلا، وقالت “هؤلاء توفوا نتيجة عدم توفر الغذاء والحليب، وأيضا بسبب الخوف، لكن لم يمت أحد نتيجة للرصاص أو القذائف الطائشة” وأكدت أيضا على حقيقة حادثة وفاة طفلين في الطريق من مدني إلى كسلا وهو ما أكدته أيضا المديرة الطبية للدار عبير عبد الله بأن مجموعة من الأطفال لقوا حتفهم بسبب الجفاف والتهاب السحائي. فيما أعلنت وزارة الصحة السودانية عن فتح تحقيق في حادثة مقتل الأطفال.
وأوضحت نجاة أن عملية الإجلاء من الخرطوم للجزيرة، ومن مدني إلى كسلا تمت بعد مخاطبة الجيش والدعم السريع الذين استجابوا وفتحوا ممرات آمنة لعبور السيارات والحافلات التي تحمل الأطفال.
وحمل همرور حسين الناشط بمنظمات المجتمع المدني بولاية كسلا طرفي النزاع الجيش والدعم السريع مسؤولية ما يحدث من موت ودمار. وقال: “حادثة أطفال المايقوما تؤكد أن العسكر جميعا لا يحترمون حقوق الإنسان.”
وأضاف “أي حلول جزئية لن تقدم أو تؤخر، الحل الأمثل هو سماع صوت العقل وإيقاف الحرب.”
منظمة اليونيسف من جانبها قدمت مساعدات كاملة للأطفال الفاقدين للسند (المايقوما) الذين وصلوا إلى كسلا مؤخرا قادمين من مدينة مدني.
تقول عضو مبادرة (أنقذوا أطفال المايقوما) سمر سليمان لـ«التغيير»، إنهم أطلقوا المبادرة مبكرا وبالفعل بادر العديد من المنظمات والجهات الخيرية بالإعلان عن تبرعهم بالمعينات لهؤلاء الأطفال، لكن هنالك غموض أو عدم وضوح في استجابة الحكومة للمبادرة.”
تؤكد سمر أنه على الرغم من وجود معينات، لكن لا أحد يستطيع دخول الدار لتقديم هذه المعينات، هذا الأمر أحدث ربكة بالنسبة لنا كمتطوعين، عاملين في الدار، وأوضحت أنهم طالبوا بالمعينات إلا أن الإدارة تقول إن اليونسيف تكفلت بكل شيء.
وأضافت: أصبحنا في حيرة من أمرنا، هذا الأمر أثار الشكوك لدينا، فربما يعاني هؤلاء الأطفال من مشاكل صحية؟ لا ترد الإدارة أن تنقلها للإعلام والمنظمات.
وأعلنت الأمم المتحدة، نهاية شهر ديسمبر من العام المنصرم، أن أكثر من 12 ألف شخص قتلوا في الحرب الدائرة بين الجيش وقوات الدعم السريع في السودان منذ أبريل الماضي.
فيما قال مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية بالسودان “أتوتشا” في بيان صحفي قتل أكثر من 12.190 ألف شخص منذ اندلاع القتال بين الجيش السوداني والدعم السريع منتصف أبريل من العام الماضي 2023.
شبح الموت والمعاناة ما زال يحلق في سماء أطفال المايقوما عقب الأنباء التي تسربت برغبة السلطات في ترحيلهم للمرة الثالثة تواليا من كسلا إلى مدينة بورتسودان العاصمة (المؤقتة) الأمر الذي ينذر بعواقب وخيمة ربما تهدد حياة وصحة هؤلاء الأطفال الذين مازال بعضهم يعاني بعض الأمراض.
*تم إنتاج هذا المحتوى ضمن حملة # ساندوا_السودان التي أطلقها (منتدى الإعلام السوداني) والتي تهدف إلى لفت الانتباه إلى الكارثة الإنسانية وتدارك المجاعة ووقف الانتهاكات في السودان، وتنشر بالتزامن في منصات 27 مؤسسة ومنظمة صحفية وإعلامية مشاركة في الحملة.
# ساندوا_السودان
#Standwithsudan
تنشر هذه المادة بالتزامن في منصات 27 مؤسسة ومنظمة صحفية وإعلامية مشاركة في حملة (منتدى الإعلام السوداني):
المصدر: صحيفة التغيير