اخبار السودان

حروب ونزاعات السودان… هل من نهاية؟

يعيش أكثر من نصف سكان السودان البالغ عددهم أكثر من 42 مليون نسمة أوضاعاً مأسوية بسبب الحرب المندلعة بين الجيش وقوات “الدعم السريع” منذ منتصف أبريل (نيسان) 2023، بخاصة الموجودين في مناطق الصراع والنازحين في داخل البلاد وخارجها، نظراً إلى شح الغذاء وعدم توفر المال اللازم في ظل تعطل الأعمال.

ويتطلع معظم السودانيين إلى سرعة إنهاء هذه الحرب التي قضت على الأخضر واليابس في بلادهم، ناهيك بما حصدته من أرواح قدرت بنحو 15 ألفاً من المدنيين وتشريد أكثر من 8.5 مليون مواطن بين نازح ولاجئ.

لكن ما رؤية المراقبين والمحللين السياسيين لوضع حد لكارثة الحروب والنزاعات التي لازمت هذا البلد منذ نيل استقلاله في 1956؟

معالجة التظلمات

يرى رئيس لجنة السياسات في المكتب السياسي لحزب الأمة القومي، إمام الحلو، أن “الحروب في السودان لم تتوقف منذ تأسيس الرقعة الجغرافية السياسية في العهد التركي، وقبل ذلك كانت هناك كثير من النزاعات والحروب بين الممالك والسلطنات، واستمرت تلك الحروب بين المكونات الاجتماعية والقبلية في فترات الثورة المهدية والاستعمار الإنجليزي المصري وما بعد الاستقلال، وكانت حرب الجنوب هي الأشهر، حيث وقع التمرد في توريت عام 1955، ثم جاءت حرب دارفور في 2003، وفي حقيقة الأمر كانت الأسباب التي أدت إلى هذه الحروب موضوعية تتمثل في عدم وجود اندماج وطني في الدولة السودانية والتكامل القومي وكذلك في مسألة الشرعية التي لم تكن متوفرة في النظام الحاكم وعدم الاعتراف به من جهات عديدة سواء في فترات الاحتلال أو ما بعد الاستقلال، فضلاً عن قصر المشاركة السياسية”.

وأشار إلى أن “الحديث عن أن هناك مناطق جهوية معينة كانت مهيمنة على الحياة السياسية سواء في شمال البلاد أو وسطه وتهميش بعض المناطق بما عرف بالهامش، يعود إلى أن الدولة كانت في طور التحديث منذ الاحتلال التركي وقيام دولة حديثة بالمعايير المعاصرة وقتها”.

تحور أهداف الحرب

وتابع الحلو “حرب أبريل مختلفة عن النزاعات السابقة فهي بدأت بصراع حول السلطة في قمة رأس الدولة، وتعد سابقة لم تحدث من قبل بأن تنقسم القوى العسكرية المهيمنة على الدولة على نفسها وتدخل في حرب أودت بكثير من المقدرات السودانية سواء كانت دولة أو شعباً، ومن ثم فإنها تحتاج إلى مجهود سياسي وفكري لإزالة أسبابها، وقد يبدو منذ الوهلة الأولى أن ما حدث هو صراع بين الجنرالين (البرهان وحميدتي) لكن الآن تحورت هذه الحرب لأهداف أخرى”.

وأردف “هذه الحرب يجب أن تتوقف عبر الحوار، لأن انتصار طرف على الطرف الآخر بعيد الاحتمال، وأن المهددات الأخرى أخطر على مكونات الشعب السوداني، لذلك الأمل في أن يحتكم الطرفان المتنازعان إلى صوت العقل وإيجاد تسوية لإيقاف هذا القتال والانتقال إلى بناء دولة قائمة على الحكم المدني الديمقراطي القائم على التعددية الحزبية ومبادئ متفق عليها، منها احترام حقوق الإنسان الأساسية المنصوص عليها في المواثيق الدولية، وإقامة نظام قائم على ديمقراطية توافقية ومعايير الحكم الراشد، ويمكن الاتفاق على ذلك عبر مؤتمر قومي أو مائدة مستديرة أو بإجماع وطني”.

وبين بأن “المطلوب إيجاد حراك شعبي لمقاومة استمرار هذه الحرب ومطالبة أطرافها بالتوقف عن القتل والتدمير والانتهاكات والعمل على بناء جبهة وطنية عريضة تدعو إلى إحلال السلام والعدالة الانتقالية وجبر الضرر لمن تضرر من هذه الحرب، فضلاً عن الاستجابة السريعة للحالة الإنسانية المتردية ومواجهة نذر المجاعة التي تواجه البلاد والانتقال إلى عملية سياسية تراعي كل هذه الأسباب التي أدت إلى الحرب، ومن المهم الدعوة إلى بناء وحدة وطنية جامعة ومرحلة انتقالية تؤسس لنظام سياسي قادم”.

وشدد رئيس لجنة السياسات في المكتب السياسي لحزب الأمة على “أهمية إرساء أسس لسلام دائم وعادل وشامل، وإيجاد معالجة لكل التظلمات سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، وبناء أمة قائمة على اندماج وطني حقيقي وبناء دولة على أسس سليمة تستوعب متطلبات التحديث المطلوبة وترسية قواعد التأصيل الثقافي والاجتماعي المطلوب”.

خيانة العهد

في السياق، أفاد الأمين السياسي لحزب المؤتمر الشعبي، كمال عمر عبدالسلام بأن “هذه الحرب غير مسبوقة في تاريخ السودان، فالحروب في السابق كانت تحدث في مناطق الهامش في صورة حركات مسلحة مطلبية هدفها الأساس في الغالب هو السلطة، كما هي الحال بالنسبة إلى الانقلابات العسكرية، فقضية السلطة هي قضية محورية في كل الحروب، والسبب الأساس أننا كسودانيين لم نجب منذ الاستقلال عن السؤال المحوري وهو كيف يحكم السودان؟ وما المؤسسات المحايدة؟ وما الدستور الأنسب للبلاد؟ فأول مشكلة، وأول حرب، وأول عصيان مسلح على الدولة كان بسبب خيانة العهد الأول، حين وقع خلاف بين السياسيين الجنوبيين والشماليين، فساسة الشمال وعدوا الجنوبيين آنذاك بحصولهم على الحكم الفيدرالي مقابل تصويتهم لصالح الاستقلال، لكن لم يتم التزام هذا التعهد، وكانت أول خيانة للدولة السودانية تسببت في حرب الجنوب”.

وأضاف عبدالسلام “في تقديري أن المعالجات التي حدثت من أجل استقرار البلاد كانت وقتية ومخدرة لأن المشكلة لم تكن مشكلة الجنوب وحده، بل كانت مشكلة السودان كله منها الحكم الدستوري، فالانقلابات لم تأت بحلول دستورية ولا حلول سياسية لمعظم القضايا، لذلك استمرت حرب الجنوب لأكثر من نصف قرن وانتهت بانفصاله في 2011، كما لم يتم معالجة قضيتي دارفور وجنوب كردفان (جبال النوبة)، فاستمرت الحروب حتى أنشئت قوات الدعم السريع في 2013 بواسطة السلطة المركزية في عهد النظام السابق وذلك لسببين هما كبت وسحق التمرد في دارفور وجنوب كردفان، مما يعني قيام جيش مواز للجيش الأساس بالنظر إلى قوته الكبيرة، وهذا كان سبب تمرد الدعم السريع”.

مطامع الطرفين في السلطة

ورأى أنه “بعد سقوط نظام البشير وقيام العملية السياسية وما صاحبها من تدخل إقليمي ودولي في الشأن السوداني بات الدعم السريع يطالب بمطالب تفوق حجم مطالب قادة الجيش في الديمقراطية أياً كان صادقاً أم كاذباً، ثم اندلعت هذه الحرب الشعواء التي اقتلعت تروس الدولة السودانية الأساسية، لكن كيف نعالجها؟ ففي تقديري هناك أطماع أساسية في الحكم، إذ إن طرفي الصراع يريدان السلطة ولا يرغبان في الحل السياسي، فإذا أسفرت الضغوط عن وقف الحرب فلا بد من معالجة أسباب وقوع هذه الحرب وذلك من طريق سلطة مدنية تعتمد على الكفاءات بعيداً من أي تدخل من قبل العسكريين”.

اسماعيل محمد علي اندبندنت غربية

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *