“الكليشيهات” تتحدى المكتسبات.. خطابات إشهارية تمييزية تلاحق المغربيات
بالرغم من التطور الذي عرفته وضعية المرأة في المجتمع المغربي خلال العقدين الأخيرين، والذي تعزز بعد دستور 2011 الذي نص على مبدأ المساواة بين الجنسين ومحاربة التمييز القائم على النوع الاجتماعي؛ فإن التمثلات النمطية إزاء المرأة ما زالت حاضرة بشكل لافت في التلفزيون العمومي، الذي من المفروض أن يساهم في تبديد هذه التمثلات.
هذا المعطى أكدته دراسة أنجزتها الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، وقُدمت بداية شهر أبريل الجاري، حيث أفادت نتائجها “استمرار تمثيل تمييزي تجاه النساء ضمن عدد من الوصلات الإشهارية”.
وحسب التحليل متعدد السنوات الذي قامت به “الهاكا” لأكثر من 750 وصلة إشهارية بُثت وقت ذروة المشاهدة على القنوات التلفزيونية العمومية خلال شهر رمضان سنوات 2020 و2021 و2022 و2023، فإن تمثيل النساء في الإشهار التلفزيوني سجل تطورا إيجابيا تمثل في تقلص عدد الوصلات الإشهارية التي تتضمن صورا نمطية قائمة على النوع الاجتماعي.
وخلال 9 سنوات تضاعفت حصة الوصلات الإشهارية المتضمنة للصور النمطية إزاء المرأة خمس مرات، منتقلة من 9 في المائة سنة 2014 إلى 51 في المائة سنة 2023.
وسجلت الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري أيضا “منحى نحو إعمال مزيد من التنوع والتوازن في تمثيل النساء والرجال في الوصلات الإشهارية الخاصة بعدد من القطاعات؛ غير أنها رصدت أيضا حضور “الكليشيهات القائمة على النوع الاجتماعي في الخطابات الإشهارية”.
حياة مشنان، مناضلة حقوقية، قالت إن التمثلات الاجتماعية إزاء المرأة تتداخل فيها أسباب عديدة؛ منها ما هو ثقافي واجتماعي واقتصادي، والتي تؤثر سلبا على صورة المرأة في الاشهار، “بالرغم من المجهودات المبذولة لتغيير هذه الصور النمطية، من خلال الإعلانات والحملات التحسيسية”.
وبالرغم من هذه الخطوة الإيجابية، فإن الملاحظ، أردفت مشنان، في تصريح لهسبريس، أن مضمون بعض الخطابات الإشهارية “ما زال بعيدا عن تحقيق المبتغى”، مرجعة سبب ذلك، بالأساس، إلى التفاوتات بين الجنسين في التعليم وفرص الشغل والتأثيرات الثقافية الخارجية التي أصبحت تدخل على الثقافة المغربية عبر التطبيقات الرقمية الجديدة ومنصات التواصل الاجتماعي.
وإذا كانت “الكليشيهات القائمة على النوع الاجتماعي في الخطابات الإشهارية” ما زالت مستمرة، بالرغم من انخفاض حدتها، كما أشارت إلى ذلك الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، فإن الواقع المعيش يعكس استفحال “التمييز” ضد المرأة في المجتمع المغربي؛ وهو ما تؤكده مذكرة صادرة عن المندوبية السامية للتخطيط، بمناسبة اليوم العالمي للمرأة (8 مارس).
وأفادت المذكرة المذكورة بأن التمييز بين الجنسين في بيئة العمل بالمغرب ما زال متفاقما، خصوصا على مستوى الأجور؛ فقد أكدت أن 91 في المائة من الفجوة في الأجور بين الذكور والإناث ترجع إلى التمييز بين الجنسين، فيما 9 في المائة الباقية تفسرها الاختلافات بين الخصائص الفردية للمرأة والرجل.
وإذا كان هذا التمييز قائما داخل مؤسسات الإنتاج، فإن المرأة تجد نفسها، عند تسويق ما يتم إنتاجه من خلال الإعلانات التلفزيونية، تُقدم إلى الجمهور في صورة نمطية؛ “لأن هناك شركات تهتم بالجانب الربحي المحض، ولا يهمها ما هو قَيْمي أو حقوقي”، أوردت حياة مشنان.
وأوضحت المناضلة الحقوقية ذاتها أن بعض الشركات “تتجنب تقديم إعلانات وصور تحتوي على رموز اجتماعية جديدة أو غير تقليدية خوفا من عدم تقبلها من طرف الجمهور، مما يستدعي لديهم العودة لاستخدام الصور النمطية التي قد تكون أكثر قبولا ومألوفة للجمهور المستهدف الذي هو في الغالب من النساء”.
ولتغيير هذه الوضعية، شددت المتحدثة ذاتها على “أنه يجب العمل على دعم المجهودات المبذولة من طرف الحكومة ومنظمات المجتمع المدني لتعزيز المساواة وتغيير تلك الصور النمطية”.
المصدر: هسبريس