وزير التشغيل يهتم بتدبير الزمن السياسي دون إضفاء لمسة التغيير
على بعد أقل من ثلاثة أسابيع على تخليد اليوم الأممي للعمال، الذي يتزامن وفاتح ماي من كل سنة، يعيش قطاع التشغيل بوزارة الإدماج الاقتصادي والمقاولات الصغرى والتشغيل والكفاءات على وقع احتقان غير مسبوق بسبب “غياب أي حوار اجتماعي قطاعي جدي ومثمر”، وفق ما أعلن عنه تنسيق الهيئات النقابية بالقطاع.
وتفاعلا مع هذا الاحتقان بوزارة السكوري، تخوض ست هيئات نقابية، مدعومة بالجمعية المغربية لمفتشي الشغل، منذ أسابيع، برنامجا احتجاجيا موحدا تروم من خلاله تحقيق المطالب واستئناف الحوار الاجتماعي، ومن المنتظر أن تقوم في إطاره بإضراب عام عن العمل مصحوب بوقفة احتجاجية أمام الوزارة الوصية يوم الثلاثاء القادم.
كما يتضمن البرنامج المسطر من لدن هيئة مفتشي الشغل مواصلة مقاطعة إدخال المعطيات في النظام المعلوماتي، والتقليص من عدد زيارات المراقبة والتفتيش شهريا إلى الخمس، والانخراط في الشكل الاحتجاجي المتمثل في مقاطعة تدبير نزاعات الشغل الفردية والجماعية ابتداء من فاتح أبريل 2024.
وقصد الوقوف على حيثيات الموضوع والإحاطة بكافة جوانبه، توجهت جريدة هسبريس الإلكترونية بأسئلة إلى الدكتور الحسين أطويف، الكاتب العام للنقابة الوطنية المستقلة لهيئة تفتيش الشغل عضو التنسيق النقابي لقطاع التشغيل.
ماذا يحدث بالضبط داخل قطاع التشغيل بوزارة الإدماج الاقتصادي والمقاولات الصغرى والتشغيل والكفاءات؟
يبدو أن قطاع التشغيل لم يحظ بنصيبه من الاهتمامات الحكومية التي يتعاقب عليها وزراء همهم تدبير زمنهم السياسي فقط دون إضفاء لمسة للتغيير على هذا القطاع الحيوي، الذي ما فتئت منظمة العمل الدولية ونظيرتها العربية تحثان الحكومات على ايلائه ما يستحق من العناية، بحكم أنه الضامن الحقيقي للأمن والسلم الاجتماعي من خلال تدخلات جهاز تفتيش الشغل، سواء في مجال المراقبة أو الوساطة بين الفرقاء الاجتماعيين والاقتصاديين.
وهكذا، بعد مرور أزيد من سنتين على حكومة الكفاءات كما أطلقوا عليها، لم نلمس أي تغيير ولو بنسبة ضئيلة على هذا القطاع ولا على المنتسبين إليه، وفي الوقت الذي يدعي فيه الفاعل السياسي أنه يهتم بالحوار الاجتماعي على مستوى الحكومة وأنه حاضر في كل جلساته، لم يكلف نفسه عناء فتح حوار قطاعي جدي على مستوى قطاعه، الأمر الذي يوحي بأنه يحب التقاط الصور وتوزيع التصريحات على الصحافة يمينا وشمالا، بل ويرسم صورة وردية لقطاعه والأمر عكس ما يخرج به.
فجهاز تفتيش الشغل، باعتباره قطب الرحى داخل هذا القطاع، يعاني الأمرين جراء كثرة المهام الملقاة على عاتقه مقابل الأجور الزهيدة التي يتلقاها؛ فحتى التعويض عن الجولان الذي هو استرداد لمصاريف ينفقها هذا الجهاز على جولاته وأمام الارتفاع الصاروخي بالضعف لأسعار المحروقات واستعمال السيارات الشخصية في مهامه، تعويضٌ هزيل لا يكاد يغطي ثلث ما ينفقه، والأنكى من ذلك عدم استفادة المهندسين والأطباء المكلفين بتفتيش الشغل من هذه التعويضات بالرغم من أنهم يزاولون المهام نفسها.
وعليه، وأمام وعود الفاعل السياسي بأن سنة 2024 هي سنة مفتش الشغل، لم تظهر جدية هذا الشعار، إذ إن الوزارة لم تقدم إلى حد الساعة أي عرض مالي قبل الحوار المركزي، مما ينبئ بأن مفتشي الشغل هم آخر اهتمامات هذه الوزارة، ناهيك عن أن وزارة المالية مازالت لم تستوعب الأدوار المهمة لهذا الجهاز وانعكاساتها الإيجابية على مداخيل الدولة من القطاع الخاص. لهذا، قرر التنسيق الموحد الذي يضم ست نقابات إضافة إلى الجمعية المغربية لمفتشي الشغل خوض سلسلة من الأشكال الاحتجاجية لتنبيه الوزير أولا والحكومة ثانيا إلى معاناة هذا الجهاز، ناهيك عن الموظفين والموظفات الذين يشتغلون جنبا إلى جنب مع هؤلاء ويتقاسمون معهم المعاناة نفسها، علما أن العدد الإجمالي لكل الموظفين والمفتشين لا يتجاوز 1200 فرد ولن يكلف ميزانية الدولة أي شيء يذكر.
ماهي أسباب هذا الاحتقان الذي يتزامن واقتراب موعد عيد الشغل؟
أسباب الاحتقان متعددة يمكن حصرها في عدم فتح حوار جدي ومسؤول مع التمثيليات النقابية بالقطاع؛ فقد كان من المفروض أن تكون الوزارة الوصية على التشغيل هي السباقة إلى هذا الحوار لكن نجدها عكس ذلك آخر من سيفتح الحوار إذا ما كتب له ذلك، علما أن الوزارة خلال الشهر الماضي دعت النقابات الأكثر تمثيلية للتحاور وتم تسجيل انسحاب هذه النقابات، لأن مسؤولي الوزارة لم يكونوا جادين في التعامل مع الملفات المطروحة منذ 2021، فعوض أن يقدموا أجوبة أو عرضا ماليا، طلبوا من النقابات تقديم عروضها، مبررين ذلك بأنهم مسؤولون جدد عينوا منذ فترة وجيزة، متناسين مبدأ استمرارية المرفق العمومي، وهذا دليل على أن الملفات المطلبية المطروحة سلفا قد تم رميها في سلة القمامة، وهو ما نرفضه جملة وتفصيلا، وهو الشيء الذي أجج الوضع ودفع بالنقابات إلى الوحدة لفضح هذا السلوك غير المسؤول.
ما هي أبرز نقاط ملفكم المطلبي خاصة في الجانب المتعلق بالزيادة في الأجور؟
يعلم الجميع أن كل أجهزة الرقابة تضطلع بأدوار جد مهمة في القيام بزيارات ميدانية لتقويم الاختلالات في نفوذ ترابي شاسع، وأجهزة تفتيش الشغل من أهمها. وبالتالي للقيام بالمتعين، فعلى مفتشي الشغل أن ينتقلوا من مكان لآخر على متن سيارات الدولة وبهندام لائق، وعليهم أن يكونوا محصنين ومحميين من حوادث الشغل والأمراض المهنية، ومحميين في سلامتهم البدنية، وكل هذه الشروط والظروف تنص عليها اتفاقيات العمل الدولية والعربية المصادق عليها من قبل المملكة المغربية، لكنها للأسف لا تنطبق على جهاز تفتيش الشغل بالمغرب، بحيث إن كل مفتش شغل يغطي أزيد من 11000 مؤسسة خاصة وبسيارته الشخصية وبهندام خاص به بدون تعويضات تذكر اللهم إذا استثنينا التعويض الهزيل عن الجولان الذي صدر منذ سنة 2008 ولم يتم تعديله إلى اليوم، علما أن المفتش عليه أن يشتري سيارة من ماله الخاص وأن يؤدي تأمينها وضريبتها وخسائرها، وعليه في كل مدة تغييرها بعد أن تتهالك بحكم استعمالها الوظيفي والشخصي، ناهيك عن أن المهندسين والأطباء لا يستفيدون حتى من هذا التعويض. وإضافة إلى الزيارات، عليهم مسؤولية فض نزاعات الشغل الفردية والجماعية وحضور اللجان الإقليمية والوطنية والمشاركة في مجموعة من اللجان دون أي تعويض عن هذه المهام الكثيرة والمتشعبة.
كما أن أجور مفتشي الشغل تعد الأضعف على مستوى الوظيفة العمومية، إذ تتراوح بين 5000 درهم و13000 درهم في مقابل تطويقهم بمبادئ الحياد والنزاهة في عملهم، فضلا عن غياب التحفيز والتحصين المادي والمهني الذي يضرب في العمق مبدأ الاستقلالية باعتباره أحد أهم الضمانات الممنوحة لمفتشي الشغل في الأوفاق الدولية والعربية ذات الصلة بتفتيش الشغل .
وعليه، فإن مطالب اليوم هي مراجعة التعويض عن الجولان ورفعه إلى مبلغ 7000 درهم شهريا مع إقرار مراجعته كل أربع سنوات واحتساب هذه الزيادة في معاش تقاعد المفتشين، إضافة إلى مراجعة النظام الأساسي لهيئة تفتيش الشغل وإقرار تعويضات عن الأعباء وتعويضات عن المخاطر وأخرى عن المهام بما يتماشى مع توصيات منظمة العمل الدولية، ومراجعة أنساق الترقي والدرجات والسلاليم، وإضافة درجتين، هما الممتازة والاستثنائية، لتحفيز المفتشين وعطائهم والقضاء على السلم المقبرة، أي خارج السلم، الذي يقضي فيه المفتش بقية عمره الإداري في إجحاف وحيف.
كيف تعاملت الوزارة الوصية على القطاع مع مطالبكم؟
كما أسلفت سابقا، الوزارة تعاملت باستخفاف تام مع مطالبنا وضربت بعرض الحائط مبدأ استمرارية المرفق العمومي. ففي الوقت الذي كنا ننتظر فيه عرضا ماليا من الفاعل السياسي، بدؤوا معنا كأننا في أول جلسة حوار قطاعي. أما التعامل الثاني الذي نؤاخذ الوزارة عليه، فهو اكتفاؤها بدعوة النقابات الأكثر تمثيلا، وهو ما لا ينص عليه أي قانون، وأسقطت الخاص على العام، متناسية أننا مفتشو الشغل وأننا نسهر على تنشيط الحوار الاجتماعي والمفاوضة الجماعية بالقطاع الخاص، وأننا في تدخلاتنا لفض نزاعات الشغل الجماعية نعمل على استقبال كل الشكايات والملفات المطلبية للنقابات داخل الشركات حتى ولو لم تكن أكثر تمثيلا للحفاظ على السلم والاستقرار الاجتماعي وتفادي نشوب نزاعات شغل جماعية، على أننا نفرق بين الأكثر تمثيلا والأقل تمثيلا فقط فيما تخصهم مدونة الشغل به، والحال أن الوزير أعطى إشارة لعموم مفتشي الشغل أن يرفضوا جميع الشكايات والملفات المطلبية للنقابات الأقل تمثيلا بناء على العرف الذي اجتهدت به وزارة التشغيل.
ماهي خطواتكم الترافعية المستقبلية في حال استمرار تغييب الحوار وتجاهل المطالب؟
في حالة الاستمرار في نهج سياسة الآذان الصماء وتجاهل مطالبنا، سيزيد مستوى الاحتقان وسنستمر في أشكال نضالية بشكل تصاعدي نشل من خلالها المرفق الاداري، وسيؤثر ذلك سلبا على المحاكم، بحيث ستتضاعف نزاعات الشغل الفردية وستنتشر الإضرابات ونزاعات الشغل الجماعية التي تؤثر على النشاط الاقتصادي والتي تكلف موازنة الدولة الشيء الكثير، وقد نلجأ إلى طلب التحكيم من رئاسة الحكومة ومؤسسات الحكامة التي لطالما دافعت عن هيئة التفتيش وطالبت بإنصافهم وتحسين أوضاعهم المادية على غرار هيئة القضاء، كما يمكننا اللجوء أيضا إلى طرق باب منظمة العمل الدولية.
المصدر: هسبريس