اخبار السودان

عبد الله الغذامي .. الأنساق الثقافية المضمرة وعرقلة التحول الديمقراطي ..

طاهر عمر

الناقد السعودي عبدالله الغذامي من القلائل الناجين من سطوة روح القطيع في مجتمع عربي تقليدي يتجلى ذلك في حديثه عن تقدم الشعب وسقوط النخب وفي حديثه عن التحول الديمقراطي وإستعداد الشعب للتحول نحو الديمقراطية ويزيد إحترامك لأفكاره أنه نبع من بيئة يندر أن يخرج من طياتها بما خرج به عبد الله الغذامي من أفكار في دفاعه عن إستعداد الشعب للتحول الديمقراطي وعجز النخب وسقوطهم.
عبدالله الغذامي في كتاباته ونقده الثقافي يحفر بروح الاركولوجي الدقيق ليكتشف ظاهرة المجتمع البشري منذ ليل الحياة وعقلانية الفرد وأخلاقيته ويربطها بدور الإنسانية التاريخية والإنسان التاريخي ويأمل أن تساعد المجتمع العربي التقليدي في فك طوقه والشب عنه ليلحق بمواكب البشرية وقد حققت مجد العقلانية وإبداع العقل البشري وقد إنعكس في إزدهار مادي في صور الرفاه الإقتصادي.
جهود عبد الله الغذامي تكشف رأيه الذي يسبق شجاعته التي قد ساعدته في أن يدخل في حيز الشخصية التاريخية في تجاوزه لكساد عقل جمعي أقعده تاريخ الخوف من أن يلحق بمواكب البشرية وبالتالي يصبح عبدالله الغذامي فاتح تاريخ الذهنيات الذي ينفتح لمن في مصاف الشخصية التاريخية من أمثاله وهم قليلي العد عبر التاريخ ويظهرون لحظة إنقلاب الزمان حيث تحتاج فيه مجتمعاتهم للحكماء والفلاسفة والأنبياء.
في حديثه عن الفكر الليبرالي شجاعة نادرة في مجتمع عربي تقليدي يجافي معادلة الحرية والعدالة في إنتصارها للعقل والفرد والحرية ويرفعه الى مصاف كل من عالم الإجتماع الفلسطيني هشام شرابي وعالم الإجتماع العراقي علي الوردي رغم مجيئه من جهة النقد الثقافي.
إدراك عبدالله الغذامي للأنساق الثقافية المضمرة وهي تمثل قيود للفرد في أن ينشد الحرية ويتخلص من سلطة الأب وميراث التسلط فتحت ذهنه للحديث عن الفكر الليبرالي في إنتصاره للفرد وحديثه عن الفكر الليبرالي وظاهرة المجتمع المكون من أفراد وفيه يرنو الفرد للحرية كقيمة القيم وهنا يلتقي مع دفاع عالم الإجتماع العراقي علي الوردي عن الفكر الليبرالي وأنه يمثل حل مشكل مجتمعات عربية تقليدية هشة في تراكيب هياكلها الإجتماعية ولا يخرجها من متاهتها غير الفكر الليبرالي المنتصر للفرد والعقل والحرية.
وفي إلتقاءه في دفاعه عن الفرد المنعتق من الأنساق الثقافية المضمرة يلتقي مع هشام شرابي في دفاعه عن حرية المراءة قولا وفعلا وعبر حرية المرأءة عند شرابي ينفتح باب الأنتصار للفرد المكون لمجتمع ينفك من طوق مجتمع تقوده روح القطيع. حديثنا عن عبدالله الغذامي الناقد السعودي في فكره الليبرالي يفتح لنا باب مقارنة فكره الليبرالي وإنتصاره للفرد والعقل والحرية مع فكر نخب سودانية كاسدة ويندر في إنتاجها فكر النقد الثقافي الذي تحدث عنه عبد الله الغذامي بطريقة مميزة.
وهو يختلف عن نخب سودانية عاجزة عن مواجهة التحدي والتغلب عليه أي نخب تسوقها روح قطيع النخب السودانية الفاشلة وهم يتحدثون عن أدب الهوية بدلا عن أدب الحرية التي إنتصر لها عبد الله الغذامي في حديثه عن الفكر الليبرالي المنتصر للفرد. وإلتصاق النخب السودانية وإستسلامها  لأدب الهويات القاتلة كما يقول أمين معلوف فتح لها كهف معتم في ظلامه وبسببه لم تدرك النخب السودانية الفرق بين أدب الهويات المعادي لفكر النشؤ والإرتقاء في تجاوزه للعرق والدين.
وبالتالي ما زال أعتى النخب السودانية وأثقلهم وزن يغوص في وحل أدب الهويات القاتلة ويجهل أدب الحريات الذي يفتح طريق الإنتصار للفرد والعقل والحرية عبر مسيرة الفكر الليبرالي وبالتالي أصبح قادة فكر الهويات في السودان عاجزون عن مجابهة فكر الحريات مستسلمين لليأس والإحباط ويلفهم ثوب العدم وقد تجلى في عجزهم عن إعمال العقل في إدراك فكر يفضي لتحول ديمقراطي في السودان. وهذا العجز قد فتح أبواب الجحيم وقد تجسدت في حرب عبثية في السودان وقطعت طريق التحول الديمقراطي.
وهي في حقيقة الأمر تفضح عجز النخب السودانية وعدم قدرتها على الوصول لمصاف الريادات الوطنية الواعية التي تقود بإتجاه مواكب بشرية قدم فلاسفتها فكر ينتصر مجتمع الفرد والعقل والحرية. في ظل عجز النخب السودانية عن إدراك أدب الحريات يظهر غوص بعضهم في وحل أدب الهويات القاتلة وعجزه عن مفارقة وحل الفكر الديني وفي حقيقة الأمر ينفتح مشهد لمثقف تراجيدي كحالة عبد الله علي ابراهيم ومحمد محمد خير.
مثقف تراجيدي يبشّع بنفسه بشاعة لحد لا يقدر عليه أعتى أعداءه أن ينجزه وينفتح باب بشاعة النخب السودانية الكيزانية بنفسها في غوصهم من جديد في وحل فكرهم الديني ورجوعهم الى ضلالهم القديم مفتكرين أن عجز النخب السودانية عن التحول الديمقراطي يعطيهم شرعية رجوعهم الى وحل فكرهم الديني وهيهات.
نقول للمبشعين بأنفسهم أمثال محمد محمد خير وعبد الله علي ابراهيم وخالد التجاني النور وعادل الباز وعثمان ميرغني أن غياب فكر ليبرالي وغياب ريادات وطنية واعية تنزله على أرض الواقع لا يعني أن هناك شرعية للرجوع الى عصر الظلام الكيزاني وبالتالي أن لحظة حرب الكل ضد الكل نتاج حرب البرهان العبثية الى حين وبعدها سوف تدركون الى أي مدى تنكمش دائرة إدراككم الضئيل.
مسألة رجوع مثقفي الكيزان الى ضلالهم القديم كما تحدث عنه دكتور النور حمد وقد ذكر بأنه كان يعتقد بأن نقدهم لتجربتهم الكيزانية نقد جاد وصادق إلا أنه تفاجاء بأنهم جميعا عادوا لضلالهم القديم وهذا القول للنور حمد يلومه هو أولا قبل إدانة الكيزان لأنه صدّق بأن الكوز يمكن أن يتغيّر وفات على دكتور النور حمد أن الكوز قد ذهب للحزب قبل أن يذهب للكتب مثله مثل الشيوعي السوداني لا رجاء ينتظر من نقدهما لتجربتهما والأثنيين عدوين للإشراق والوضوح بسبب وعيهما الزائف.
ونقول للباقر العفيف في مقاله الأخير ردا على عادل الباز بأنه فتح لهم مركز للحوار بأن يلومه نفسه أولا قبل أن ينتقد ميت شعور كعادل الباز. بالمناسبة مثل حالة الخذلان التي ذكرها دكتور النور حمد ودكتور الباقر العفيف من الكيزان تشبه دخول الشيوعيين وفي مقدمتهم فاطمة احمد ابراهيم لبرلمان الكيزان وهذه تجارب تفتح باب لدراسة ظاهرة سودانية غريبة وهي قدرة الكوز السوداني على خداع النخب السودانية غير الكيزانية مثل خداع الكوز خالد التجاني النور في لقاء نيروبي لكل من كمال الجزولي ورشا عوض ودكتور النور حمد وقد قدّموا له شيك على بياض لشراء فكر الكيزان الديني.
ويأتي السؤال لماذا لم تظهر إلا صورة المثقف المنخدع من قبل الكيزان وفي نفس الوقت يزعم بأنه مقاوم للفكر الكيزاني؟ وهنا نذكر خذلان الباقر العفيف منهم وكذلك خذلان النور حمد بعد فوات الأوان كما ذكرا رأيهما في أعلى المقال وما سبب سهولة وقوعهما ضحيتين للمكر الكيزاني؟ وهنا يأتي معنى الأنساق الثقافية المضمرة ودور البناء الأسري وخاصة ظلال الأسرة الجذعية ودورها في إنتاج ثقافة لا تنتج إلا ظلال نظم شمولية في فكر مثقف سوداني تهيمن عليه ثقافة سلطة الأب وميراث التسلط عكس ثقافة الأسرة النووية ودورها في إنتاج نظم ديمقراطية ليبرالية تنتصر للفرد والعقل والحرية.
رغم أن النور حمد والباقر العفيف يفتخران بأنهما من تلاميذ الأستاذ محمود محمد طه كأكبر إستقرائي في السودان إلا أنهما لن يتحسبا لمكر الكيزان. البناء الأسري له دور كبير في إنتاج نظم الحكم والسودان القديم وعبر التاريخ في حضارته الكوشية كانت تعمه ثقافة الاسرة النووية ولكن بسبب خروج الثقافة الكوشية من مجرى التاريخ عمت بعدها وخاصة الآن ثقافة عربية إسلامية تقليدية مسحت التراث السوداني القديم بطبقة سميكة من ثقافة الأسرة الجذعية الآتية مع الحضارة الإسلامية العربية التقليدية والنتيجة الآن مثقف سوداني منخدع أو مثقف يسهل خداعه ولهذا نجد أن الكوز نتاج ثقافة أسرة جذعية لا تنتج غير ثقافة سلطة الأب وميراث التسلط ولا يعرف الكوز طريق للإنتصار للفرد أما ضحايهم فكذلك أبناء سلطة وثقافة الأسرة الجذعية ولذلك يسهل خداعهم مثل ما ذكرنا كحالة كمال الجزولي والنور حمد ورشا عوض والباقر العفيف في مكر عادل الباز عليه.
الخروج من ثقافة سلطة الأب وميراث التسلط نتاج ثقافة الأسرة الجذعية إبنة الثقافة العربية الإسلامية التقليدية لا يكون بغير الرجوع لثقافة الأسرة النووية كما كانت في حضارات السودان القديم أي السودان الكوشي ونقول هذا القول ونتذكر قول عميد الأدب العربي طه حسين في كتابه مستقبل الثقافة في مصر بأن مصر لن تزدهر إلا إذا عادت لعقلها الروماني الإغريقي القديم وتخلصت من الثقافة العربية الإسلامية التقليدية كأكبر منتج لثقافة سلط الأب وميراث التسلط وفي ظلها يصعب تحقيق تحول ديمقراطي.
وفي ختام المقال نتذكر جهود عبدالله الغذامي الفكرية ودفاعه عن الفكر الليبرالي كما فعل من قبله علي الوردي واحمد لطفي السيد وطه حسين ولاحظ أننا في الساحة السودانية لا نجد مفكرين قدموا فكر ليبرالي كما فعل عالم الإجتماع العراقي علي الوردي وهشام شرابي وطه حسين واحمد لطفي السيد والمضحك نجد أغلبية النخب السودانية تعتقد في الإشتراكية وحتى غير أتباع اليسار الرث كما يتجسد في فكر الحزب الشيوعي السوداني المتكلس أغلبية النخب السودانية تفتكر أن فكر الإشتراكية هو آخر مطاف البشرية وكله بسبب سيطرة ثقافة الأسرة الجذعية التي لا تعرف سبيل لحرية الفرد.
ولهذا نجد أن المثقف السوداني الآن واقف على أعتاب ثقافة فلاسفة ما بعد الحداثة في منتصف ستينيات القرن المنصرم وهي تساوي ما بين النظم الديمقراطية والنظم الشمولية كما كان إلتباس مفهوم السلطة وإلتباس مفهوم الدولة عند فلاسفة ما بعد الحداثة وقد فات عليهم مطالب مجتمعات ما بعد الثورة الصناعية وليس مجتمعات ما بعد الإستعمار.
ونذكّر القارئ السوداني أن يلاحظ بأن هناك غياب لمفكرين سودانيين يقدمون فكر ليبرالي يرتقي لفكر احمد لطفي السيد وفكر علي الوردي الليبرالي وفكر طه حسين والسبب بأن النخب السودانية كانت ضحية إهتمامهم بفكر الهويات بدلا عن فكر الحريات. وكذلك نذكّر القارئ أن الفكر اليبرالي لم يكن فكرا رميم كما يعتقد المثقف السوداني المعتقد في الإشتراكية بل هو فكر العقد الإجتماعي عبر فكر جون لوك وروسو عمانويل كانط وعلم إجتماع منتسكيو وآخر جهود إحياء الفكر الليبرالي في جهود جون راول في نظرية العدالة ومسألة إحياء العقد الإجتماعي وإنتصاره لفكرة أن أقصر الطرق لتحقيق العدالة إنصاف هو الفكر الليبرالي في إستفادته من النظريات الإقتصادية وتاريخ الفكر الإقتصادي ونظريات النمو الإقتصادي.
والملاحظ أنه يندر ان تجد في كتابات النخب السودانية أن توظف النظريات الإقتصادية مثلما وظّف جون راولز في نظرية العدالة نظرية المنفعة والإشباع من حيز معادلات السلوك للفرد الى إشباع المجتمع ككل. ونظرية العدالة قدمها جون راولز في عام 1971م وهي تطوير لمقال بداء كتابته منذ عام 1951م وكيف أعاد فيه جون راولز ألق العقد الإجتماعي وفكرة العدالة إنصاف وكيفية تحقيقها عبر الشرط الإنساني وهو بعدي الفلسفة السياسية والفلسفة الإقتصادية الذين إنشغل عنهما مثقف الستينيات في السودان بفكر مثقفي ما بعد الحادثة وفكر الهووي الصاخب الذي يتحدث عن الهوية بدلا عن الحرية وشتان ما بين نظرية العدالة إنصاف وأدب الهويات القاتلة كما شاع في أوهام الغابة والصحراء وابادماك والعودة الى سنار.
ومن هنا نؤكد بأن التحول الديمقراطي طريقة أدب الفكر الليبرالي وبعيدا عن تكلس الشيوعي السوداني في طرحها الجذري المفتقد للفلسفة السياسية والفلسفة الإقتصادية.
وأخيرا نقول بأنه لا يمكن تحقيق تحول ديمقراطي في السودان في غياب مفكريين ليبراليين سودانيين يصل مستوى وعيهم الى وعي هشام شرابي وعلي الوردي واحمد لطفي السيد وطه حسين وبالطبع لمستوى فكر عبدالله الغذامي كناقد يختلف عن مثقفنا السوداني وإنتاجه الأدبي إنتاج الهووي الصاخب وحديثه عن الهويات بدلا عن الحريات.

[email protected]

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *