“طوفان الأقصى” فتح عين الرأي العام الغربي على وحشية إسرائيل
قالت الأديبة والأكاديمية والسياسية مليكة العاصمي إن العالم “مر قطعا إلى مرحلة أخرى” بعد “طوفان الأقصى”. وتابعت: “إن لم تعط عملية “طوفان الأقصى” نتائجها النهائية بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية كاملة، وهي على ما يظهر لن تعطي هذه النتيجة النهائية، إذ سيكون أمامنا زمان ومكان وحرب كبرى أو حروب، لكنها ستكون فتحت أعين العالم إلى حد ما على حقائق كثيرة لم تكن واضحة للكثيرين، سيما في الغرب.”
وفي مقال لها رصد تاريخ القضية الفلسطينية منذ نكبة 1948 ما بعد “وعد بلفور”، مرورا بمذابح جماعية، مثل دير ياسين وصبرا وشاتيلا والرملة وجنين، ومحطات “أوسلو” والانتفاضات الثلاث والحروب السبع، وصولا إلى “7 أكتوبر”، ذكرت العاصمي أن هذا التحرّك الغزّيّ مكّن الرأي العام الغربي الواسع من إدراك أن “إسرائيل دولة محتلة لفلسطين، وأنها دولة ظالمة تنتهك حقوق الإنسان الفلسطيني. والأهم من ذلك الابتزاز الذي تمارسه على جيوبهم وضرائبهم وأداءاتهم، وعلى ثرواتهم ومستخلصاتهم، إذ تبتز مدفوعات مواطني الغرب لفائدة دولة معتدية كاذبة تدعي المظلمة بينما تحتل وتغتصب وتعتدي”.
وأوضحت أن طفرات في الوعي، ترتبط بأحداث الشهور الأخيرة من سنتَي 2023 و2024، تفتَح “أعين العالم على من يحكمه ويسيطر على عقله ومعارفه ومقدراته من خلال الإعلام والقوانين والمنتخبين والحكام واللوبيات”، ليتساءل الرأي العام الغربي على الخصوص “ما هي العدالة الدولية؟ وهل العدالة الدولية متحققة ومضمونة بهذه المؤسسات الدولية المخولة لإقامة العدالة في العالم؟”.
وبخصوص منطقة الدول التي تجمعها اللغة العربية، قالت الكاتبة المغربية: “أما الأمة العربية والإسلامية فقد اجتمعت القمة العربية واجتمعت الجامعة العربية واجتمع العرب والمسلمون واجتمع وتلاقى وانتقل وصرح وخطب وصدرت قرارات القمة وقرارات الجامعة العربية والخليجية والإسلامية ورفع الأمر إلى الأمم المتحدة”.
قبل أن تضيف معلقة “يتعلق الأمر إذن بقرارات الأمم المتحدة، فالعرب والمسلمون لا يملكون القرار أبدا، وبديهي أن الأمم المتحدة لا يمكن أن تتخذ أي قرار لوقف الحرب على الأقل بسبب الفيتوات، ومنها فيتو الولايات المتحدة، التي تعبر عن الرفض علانية، وتنخرط عمليا في إدارة العدوان، وتقيم جسر الإمداد بالأسلحة والعتاد، وتدبر الاستراتيجيات من خلال أقطاب مختلفة وموزعة في العالم.”
وأبرزت أن “الدول العربية تعرف جيدا هذه الحقائق، وتعرف جيدا أنها مهما جمعت من تحالفات أو أغلبيات في الأمم المتحدة فإن الفيتوات لن توصلها أبدا لوقف الحرب. لكن الحرب ليست في الأمم المتحدة أو الولايات المتحدة أو في غيرها، بل الحرب داخل الدار العربية والإسلامية”، دون أن يعفي ذلك هذه الدول “من الحد الأدنى من المساعدة، على الأقل تقديم الدواء والغذاء والماء والكهرباء، وأبسط متطلبات الحياة للمدنيين العزل الذين (…) يدكّون بالصواريخ والحرائق والمواد الممنوعة، ويتعرضون للإفناء والتعذيب وأنواع المحن.”
“وإذا لم يكن ممكنا توفير غطاء لسماء غزة”، تتساءل العاصمي، “هل يمكن كسر الحصار الإنساني عنها من طرف مئات الآلاف من الشاحنات التي تصطف في معبر رفح منذ أشهر، قادمة من دول العالم ومن الدول العربية والإسلامية؟ ألا يمكن لهذه الدول أن تقرر توصيل المعونات والحاجيات الحيوية للجرحى والجوعى وتتعاون على إدخال هذه الشاحنات واقتحام المعابر بشكل جماعي سلمي؟ ولماذا تحتاج لمطالبة إسرائيل بفك الحصار عن غزة وبإمكانها اقتحام هذا المعابر الإنسانية سلميا؟”.
وواصلت الأكاديمية تساؤُلاتها: “لماذا اللجوء إلى الأمم المتحدة لوقف الحرب على غزة، بينما يمكنها وقف الماء والغذاء والغاز والنفط عن إسرائيل لتتوقف حالا عن القصف، ويمكنها منع الجو والبر والبحر العربي لمنع الإمدادات من الخارج ومنع الدخول والخروج، حيث ستختنق إسرائيل وتتوقف حالا عن المذبحة التي ترتكبها؟ بل ما فائدة التطبيعات والعناقات والاتفاقات والاستقبالات العربية والإسلامية لإسرائيل إذا لم يكن لهذا الحب العربي والإسلامي المترامي المتعدد أثر وتجاوب من الطرف الآخر الإسرائيلي؟”.
وذكرت الكاتبة أن العرب “الذين يعانون في كل حين من أحكام وعقوبات المنظمات الدولية، وهي كثيرة نسيها العرب بقوة الأحداث”، لم يفعّلوها “ضد أعدائهم”، بل “حتى محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية غابت عنهم”، لكن “من حظ غزة أن تنهض دولة جنوب إفريقيا لرفع دعوى في محكمة العدل الدولية”.
وأكدت أن القصف الإسرائيلي على غزة، الذي أودى بحياة عشرات الآلاف من المدنيين، أغلبهم أطفال ونساء، “ليس حربا، ولا علاقة له بالحرب ولا بقوانين الحرب”، بل “هجمة همجية على سجناء عزل مكدسين في زنزانة ضيقة، ينوؤون بمعاناتهم من العزل والتنكيل والحصار والمجاعة فينتفضون.”
وأضافت مستنكرة “كيف تكون حرب بين جيش يمتلك الطائرات ويقصف بها سماء مفتوحة لا غطاء فيها وهو يخبئ مواطنيه (…) في الأنفاق والجحور، وبين سجناء محاصرين في زنزانة يواجهون القتل والإبادة الجماعية والمطاردة في كل مكان والتشريد والمجاعة والتعفن بقطع الماء والكهرباء والدواء والطعام وغيره؟ وما معنى مطالبة شعب كامل بالموافقة على الخروج من بيته وأرضه ووطنه للتشرد والمطاردة كي تحتلها شراذم مستقدمة من الآفاق البعيدة، أو تتم إبادته إن لم يفعل؟”.
ومع تنبيهها إلى تحرك “الرأي العام الغربي في الشوارع والمواقع الرئيسية”، وإنتاجه “أشكالا من الاحتجاج أملا في الضغط على المسؤولين للعمل على وقف القتل الأعمى”، تشبّثت الأكاديمية المغربية بكون “الأنظمة والحكام” في الغرب “لا يصغون ولا يستجيبون ويواصلون أنواع الدعم والإمداد، وينخرطون في المعركة كشركاء كاملين في الجريمة، تقودهم عدوة الشعوب (الولايات المتحدة الأمريكية)، التي توقد الحروب، والتي تدينها الحناجر في كل مكان وتطالبها بالكف عن ذلك”، وهو ما يعني أن “طوفان الأقصى” ليست المحطة الأخيرة للقضية الفلسطينية، وأن “إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية كاملة” نتيجة لا تزال تنتظر محطّات مستقبلية.
المصدر: هسبريس