فشل ملتمس الرقابة ضد الحكومة يدق مسمار إضافي في “تابوت المعارضة”
عقب أسابيع من الأخذ والرد، بدا أن حلم المعارضة بإسقاط الحكومة عبر ملتمس الرقابة قد تبخر بعد أن اتضح أن الأحزاب الأربعة لم تكن على قلب رجل واحد ولا متحمسة بما يكفي للخوض في تطبيق المبادرة التي كانت صرف اتحادية وعُلق الأمل عليها لتكون منبرا لإعلاء صوت المعارضة ومواجهة ما تسميه “تغول الأغلبية”.
وآخر تأكيد لعدم الإجماع على التقدم بملتمس الرقابة الذي لوح به حزب الاتحاد الاشتراكي، ما عبر عنه حزب العدالة والتنمية، إذ رفض الانخراط في المشروع بمبرر أنه “ترويج لتفاهمات مزعومة وغير صحيحة”، معلنا عن ترشيح عبد الله بوانو لرئاسة مجلس النواب، في الوقت الذي لم تقدم فيه أحزاب المعارضة الأخرى أي مرشح.
وأمام الإعلان شبه النهائي عن “فشل” مشروع الملتمس، يتضح جليا أن المعارضة ستدخل الدورة الربيعية للبرلمان محملة بثقل هذا “الفشل”، مما سيعطي الفرصة للأغلبية لرص الصف وتوحيد الرؤى خلال دورة برلمانية من المرتقب أن تكون غنية من الناحية التشريعية تزامنا مع النظر في تعديلات مدونة الأسرة.
بهذا الخصوص، بيّن باحثون في العلوم السياسية، تحدثوا لهسبريس، أن “المعارضة ستتأثر سلبا خلال الدورة الربيعية للبرلمان بعدم نجاح تقديم ملتمس الرقابة ضد الحكومة، إذ يرتقب أن تتعقد الأمور بين حزب الاتحاد الاشتراكي وحزب التقدم والاشتراكية وحزب الحركة الشعبية وحزب العدالة والتنمية؛ الأمر الذي سيكون في صالح الأغلبية بالتأكيد”، لافتين إلى أن “هذه الخطوة كانت غير محسوبة العواقب”.
حفيظ زهري، أكاديمي باحث في العلوم السياسية، قال: “منذ البداية اتضح أن الفترة الحالية ليست مناسبة بتاتا لطرح أي مبادرة من قبل ملتمس الرقابة، حيث نبقى أمام غياب الشروط الموضوعية التي تستوجب ذلك، بما فيه حدوث أزمة سياسية أو احتقان اجتماعي، ونحن أمام غياب الصنفين معا”.
وأضاف زهري، في تصريح لهسبريس، أن “ما آل إليه ملتمس الرقابة بيّن بالملموس أن المعارضة لم تكن على قلب رجل واحد بخصوص الموضوع ولم تكن لها الرؤى والتصورات نفسها، حيث كانت الفكرة تخص أساسا حزب الاتحاد الاشتراكي الذي حاول تصدير أزمته الداخلية إلى الخارج، في الوقت الذي تتم فيه الأمور بسلاسة في البيت الحكومي الذي يشتغل في أجواء مريحة”.
وتابع المتحدث ذاته بأن “الأمور ستتعقد أكثر لدى المعارضة خلال الدخول الربيعي الحالي، إذ اتضحت ملامحه بعد أن حاول حزب العدالة والتنمية تقديم مرشح لرئاسة مجلس النواب، في ظل عدم اتفاق الأحزاب الثلاثة الأخرى على ذلك، وهو لم يقدم مرشحا للفوز وإنما لإثبات الحضور لا غير، وترشيحه ذو حمولة سياسية”، موضحا أن “هنالك دائما بعض الأحزاب التي ستحاول الانضمام للحكومة مع أي فرصة ستتاح لها”.
وبناء على هذه المعطيات، خلص الباحث في العلوم السياسية إلى أن “ما جرى خلال الأيام القليلة الماضية سيكون له وقع سلبي بطبيعة الحال على مستوى التنسيق بين أحزاب المعارضة خلال الدورة الربيعية التي تبقى جد مهمة، خصوصا في مجال التشريع والمصادقة على القوانين، مما سيعطي الأفضلية للحكومة إلى غاية نهاية الدورة على الأقل”.
من جهتها، أفادت شريفة لموير، باحثة في القانون الدستوري والعلوم السياسية، بأنه “بغض النظر عن الأسباب والمبررات التي تدفع بها المعارضة في هذا الصدد، فإن ملتمس الرقابة يظل آلية دستورية كفلها المشرع المغربي بهدف إتاحة الفرصة لمراقبة عمل السلطة التنفيذية وتقييمه، في حين إنه إذا عدنا للواقع، فسنجد أن الملتمس كان فقط مبادرة من حزب الاتحاد الاشتراكي ولم يكن ناتجا عن تصور جماعي معين”.
وأكدت لموير، في تصريح لهسبريس، أن “حزب الاتحاد الاشتراكي كان إلى الأمس القريب يخطب ود الأغلبية من أجل الانضمام إليها، ليعود اليوم ليتعامل معها بشكل أشبه بابتزاز سياسي تحت غطاء ملتمس الرقابة المذكور”، لافتة إلى أن “الأحزاب التي تشكل بدورها شق المعارضة استوعبت طبيعة الموضوع وتخلت عن الفكرة حتى قبل طرحها”.
وأوضحت المتحدثة أن “هذه الخطوة غير المحسوبة من شأنها أن تزيد من إضعاف المعارضة أمام الأغلبية وستؤثر عليها سلبا في سعيها نحو القيام بأدوارها الدستورية، مقابل الحكومة التي ستتقوى أكثر خلال المرحلة المقبلة وستتمكن من الاشتغال بكل أريحية خلال ما تبقى من عمرها، في ظل ركود سياسي يسم المشهد السياسي كله”.
المصدر: هسبريس