استثمارات فرنسا في الصحراء المغربية تثير سعار البوليساريو والإعلام الجزائري
أثار التقارب الفرنسي المغربي الذي طوى صفحة جمود دبلوماسي استمر زهاء ثلاث سنوات بين البلدين، خاصة مع إعلان عدد من المسؤولين الفرنسيين، على هامش زيارتهم الأخيرة إلى الرباط، نية بلادهم الانخراط في المشاريع الاستثمارية الكبرى في الصحراء المغربية؛ غضب البوليساريو التي استنكرت في بيان لها ما وصفته بـ”إعلان الحكومة الفرنسية نيتها المشاركة في نهب الثروات الطبيعية والموارد الوطنية الصحراوية، ما يجسد ضلوع فرنسا في العدوان على الشعب الصحراوي”.
وفي وقت دعت الجبهة الانفصالية الاتحاد الأوروبي إلى “فك الارتباط مع استغلال المغرب أراضي الجمهورية الصحراوية”، شنت وسائل إعلام جزائرية ناطقة باسم النظام العسكري في هذا البلد حملة مسعورة ضد باريس بسبب الخطوات التي أعلنت عنها في الآونة، واصفة نية هذا البلد الأوروبي الانخراط في الدينامية الاقتصادية التي تعرفها الصحراء المغربية بـ”الخطوات الاستفزازية”، خاصة أن هذا المُتغير الجديد الذي سيكون له بالتأكيد ما بعده أنهى أحلام النظام الجزائري الذي راهن بقوة على استمالة الموقف الفرنسي لصالح الأطروحة الانفصالية.
خطاب قديم وموقف قريب
تفاعلا مع هذا الموضوع قال إسماعيل أكنكو، باحث في الشؤون السياسية والدولية: “إنها ليست المرة الأولى التي تعبر فيها جبهة البوليساريو، ومعها الجزائر من خلال إعلامها، عن انزعاجهما وإدانتهما المتواصلة المواقف الفرنسية في قضية الصحراء، على اعتبار أن باريس كانت دائما تساند الموقف المغربي، خاصة في إطار تشجيع العملية السياسية والمضي قدما في الحل السلمي وفقا للشرعية الدولية”.
وأضاف أكنكو: “أمام الفتور الذي شهدته العلاقات المغربية الفرنسية مؤخرا اعتقدت البوليساريو وداعموها أن هناك تغيرا جذريا في الإستراتيجية الفرنسية في قضية الصحراء، غير أنها لم تنتبه إلى أن مصالح فرنسا لا يمكن أن تكون إلا مع المغرب، بالنظر إلى مكانته الدولية، وهو ما يفسر التقارب الجديد والتودد الذي عبرت عنه الحكومة الفرنسية في الآونة الأخيرة بهذا الخصوص، وأساسا رغبتها في الاستثمار في الصحراء بمشاريع كبرى؛ وهو ما أغاظ بعض الجهات التي أطلقت العنان لخطابها القديم الجديد، خاصة أن خطوات فرنسا تنبئ بموقف واضح من قضية الصحراء في قادم الأيام”.
وتابع المتحدث ذاته في تصريحه لهسبريس: “فرنسا لها وزن كبير على الساحة الدولية، من خلال عضويتها الدائمة في مجلس الأمن الدولي، ومساهمتها في تدبير الأمم المتحدة لقضية الصحراء، وبالتالي فإن أي خطوة في الحضور الاقتصادي بالصحراء لا يمكن أن تكون بالمجان بقدر ما سيكون لها ثمن، وهو الذي يجب أن تؤديه بموقف لا غبار عليه في الاعتراف الصريح بسيادة المغرب على الصحراء، والخروج العلني من المنطقة الرمادية التي حشرت فيها منذ سنوات”.
وخلص الباحث نفسه إلى أنه “بالنظر إلى المكانة المذكورة سلفا فإن المياه الراكدة في قضية الصحراء ستحركها فرنسا، وأساسا على مستوى الاتحاد الأوروبي الذي تضطلع فيه بموقع الريادة إلى جانب ألمانيا، وهو ما سيؤثر إيجابا على مستقبل قضية الصحراء، وسيساهم في فرض الأمر الواقع وتبني وأجرأة مبادرة الحكم الذاتي كخيار وحل وحيد لهذا النزاع”.
نظرة براغماتية ونكبات انفصالية
جواد القسمي، باحث في القانون الدولي والعلاقات الدولية، قال إن “إبداء فرنسا رغبتها في الاستثمار في الصحراء المغربية على لسان وزير التجارة الخارجية، وقبل وزير الخارجية، يأتي تأكيدا وتدعيما لموقفها الواضح من خطة الحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية، والانتقال من منطق المواقف والتصريحات إلى منطق الأفعال على أرض الواقع، وهو الأمر الذي اشتغل عليه المغرب في السنين الأخيرة في علاقته مع شركائه، وبدأ يجني ثماره على أرض الواقع”.
وأوضح المصرح لهسبريس أن “صوت البوليساريو ومعها الإعلام الجزائري الناطق باسم النظام في هذا البلد، والمندد بموقف فرنسا من الاستثمار في الصحراء المغربية، يأتي بعد توالي النكبات والهزائم الدبلوماسية التي مني بها هذا الكيان الانفصالي؛ ولعل آخرها موقف إسبانيا المؤكد على دعم مبادرة الحكم الذاتي الذي جاء تكذيبا لما صرح به وزير خارجية الجزائر في لقاء صحافي حول تراجع إسبانيا عن موقفها، بالإضافة إلى خطوات عملية قد تأتي مستقبلا تتماشى مع الموقف الإسباني”.
وبين الباحث ذاته أن “انخراط فرنسا في مسلسل الاستثمارات في الصحراء المغربية يأتي بعد أزمة صامتة عُدَت الأطول في تاريخ البلدين، وتأكيدا كذلك على مكانة فرنسا كأول مستثمر أجنبي بالمغرب؛ كما يأتي ترجمة لنظرة براغماتية من الجانب الفرنسي للاستفادة من مناخ الاستثمار وقيمة الفرص الاستثمارية التي توفرها المملكة”.
وسجل المتحدث أن “الرغبة الفرنسية في إقامة شراكة للثلاثين عاما المقبلة هي إشارة واضحة إلى اقتناع فرنسي بضرورة ثبات مواقف باريس في علاقة مع قضية الصحراء المغربية، التي تعتبر مسألة وجودية بالنسبة للمغرب، كما أكد على ذلك وزير التجارة الخارجية الفرنسي”، مسجلا أن “انخراط باريس بخطوات عملية اقتصادية وسياسية في الدينامية التي يعرفها ملف الصحراء لا شك سيكون له وقع كبير على هذه القضية، بالنظر إلى مكانة فرنسا على المستوى الأوروبي والدولي”.
المصدر: هسبريس